جمهور الوداد المغربي يصفع شرذمة “كلنا إسرائيليون” …
عبد السلام بنعيسي
رفع جمهور فريق الوداد البيضاوي المغربي لكرة القدم، في مدرجات الملعب، خلال مباراة الفريق مع نادي أسيك ميموزا الإيفواري، التي جرت مساء السبت الفائت في مدينة مراكش، لافتة كبيرة كُتب عليها: “مقاومون من قلب الأنفاق.. يقدمون ملاحم أمام عالم مليء بالنفاق”، معربا بذلك، عن تضامنه مع سكان قطاع غزة.
كما رفع الجمهور خلال المباراة علم فلسطين، وردَّد هتافات وأهازيج مؤيدة للفلسطينيين، ومنددة بالحرب الإسرائيلية المدمرة المُشنَّة من طرف الكيان الصهيوني على قطاع غزة، إلى جانب الأغنية الودادية الشهيرة الداعمة لفلسطين، بعنوان “أرض الصمود”، والتي تقول بعض كلماتها: “داري ودرب انتصاري فلسطين ثأري وأرض الصمود، فدائي، فلسطين فلسطين أرض المسلمين، آه يا صلاح الدين، آه وعلى طريقك سايرين (سائرين)، آه يا صلاح الدين، نموت حنايا (نحن) وتحيا فلسطين”.
كما خرج آلاف المغاربة، في نفس اليوم، رجالا، ونساء، وأطفالا، وشيوخا، في وقفات احتجاجية بمدن مغربية مختلفة، ليعبروا، عن دعمهم الكامل للشعب الفلسطيني ولمقاومته الباسلة، وعن تضامنهم مع كفاحه، وتنديدهم بالإبادة الصهيونية على غزة، واستنكارهم لاستمرار التطبيع. واحتلت مطالب إسقاط التطبيع مع دولة الاحتلال حيزا كبيرا خلال هذه الوقفات الاحتجاجية، حيث جدّد المواطنون التشبث بمطلبهم الداعي إلى قطع كل العلاقات مع الصهاينة، وإلغاء الاتفاقيات المبرمة معهم، وغلق مكتب الاتصال بالرباط، مع المطالبة بموقف عربي وإسلامي قوي، دعما للشعب الفلسطيني. ورفعت الوقفات عدة شعارات من قبيل “غزة غزة رمز العزة”، “ويا صهيون يا ملعون فلسطين فالعيون”، و”الشعب يريد إسقاط التطبيع”، و”المغرب وفلسطين شعب واحد مش شعبين”، و”فلسطين أمانة والتطبيع خيانة”..
الغالبية الساحقة من جمهور الوداد البيضاوي تتألف من الشباب، وكما هو معلوم فإن للشباب العربي، والمغربي من ضمنه، هموما وانشغالات كثيرة، يأتي في مقدمتها البحث عن فرصٍ للعمل، والعثور على وظيفة في مركزٍ قارٍّ، هروبا من جحيم البطالة، وبما يضمن لصاحبه الاستقلال بذاته وبناء أسرة، والاطمئنان إلى حاضره ومستقبله، هذا الشباب الذي يعاني في معظمه من البطالة، ومن الفقر، وانعدام الثقة في محيطه، ويشعر بأن الأفق مسدودٌ أمامه، مع ذلك، نجد أنه حتى، وهو في ملاعب كرة القدم، للتفريغ عن همومه الداخلية بالاستمتاع بمجريات المباريات، لا ينسى الهمَّ الفلسطيني، وإنما يضعه ضمن أولوياته، بكتابة اللافتات التي يعلن فيها عن تضامنه مع أشقائه، ويَنضمُ الكلمات، ويلحنها في أغاني، ويرددها في المدرجات، ليعبر بواسطتها، عن كون القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة له، وأنها حاضرة في عقله وفي وجدانه، في كل الأوقات، وفي جميع المناسبات…
إذا كانت السلطة في مجتمعنا العربي، تريد أن تجعل من الرياضة عموما، وكرة القدم خصوصا وسيلة لتلهية الشباب وصرف نظره عن قضايا وطنه، وقضايا أمته، وجعله مهووسا بالكرة، ولا يفكر إلا فيها، فإن تصرُّف جمهور الوداد البيضاوي، الذي لاشك في أنه يعكس رأي الجماهير الرياضية المغربية وربما العربية، في عموم الوطن العربي، يُبيِّنُ أن هذه السياسة ليست ناجحة مائة في المائة مع هذا الشباب، بدليل استحضار للقضية الفلسطينية والتعبير عن التضامن مع الفلسطينيين في مباراة لكرة القدم، كانت نتيجتها، تكتسي أهمية قصوى بالنسبة للجمهور وللفريق..
يمكن القول إن هذا الموقف المؤيد للشعب الفلسطيني الذي عبَّر عنه جمهور الوداد البيضاوي، أصالة عن نفسه، ونيابة عن باقي الجماهير المغربية للفرق المحلية، كان بمثابة الردّ على تصريح الناخب الوطني وليد الركراكي خلال بطولة الأمم الإفريقية بساحل العاج، حين شكَّك في انتماء المغرب لمحيطه العربي، وهو يُقحم في ندوته الصحافية عبارات توحي بعدم عروبة المغرب. جمهور الوداد البيضاوي وهو يعلن عن مساندته للشعب العربي/ الفلسطيني، فإنه وجَّه بذلك، صفعةَ للناخب الوطني، والزمرة المحيطة به، ولجماعة (كلنا إسرائيليون)، التي تحرِّضُ ضد انتماء المغرب لعالمه العربي، وكأنها تريد سلخه عنه، للصْقِه بدولة الإجرام والاحتلال المسماة إسرائيل..
لقد كان حلم الصهاينة والمستفيدين معهم في مشاريعهم المنجزة في المغرب، هو أن يجعلوا من التطبيع مع المغرب تطبيعا دافئا بامتدادٍ شعبي راسخ، يرحب بموجبه المغاربة بالصهاينة في وطنهم المغرب، وينسوا أشقاءهم الفلسطينيين، ويرضوا عن كل الجرائم التي تقترفها القوات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية فيهم، ويصبح التطبيع المغربي نموذجا يُحتذى به، وتسير على منواله باقي الدول العربية والإسلامية المطبعة علنا، أو السائرة سرا في الطريق نحو التطبيع، لكن خروج آلاف المغاربة بشكلٍ أسبوعي، وأحيانا بشكلٍ يومي، في مسيرات ووقفات تضامنية مع الشعب الفلسطيني في عموم المدن المغربية، بات عنوانا بارزا على فشل هذا الرهان، واصطدامه بجدارٍ صلدٍ من الرفض الجماهيري المغربي الواسع.
وسائل الإعلام المغربية الرسمية تتجاهل هذا الموقف الجماهيري المغربي الرافض للتطبيع والمحتج عليه، وتقوم بممارسة تعتيمٍ مطلقٍ عليه، فحتى أثناء النقل المباشر لمباريات كرة القدم، وحين يكون الجمهور يردد الشعارات والأغاني المؤيدة للشعب الفلسطيني بصوتٍ جماعي هادرٍ كالرعد، فإن القنوات التلفزيونية العمومية التي تنقل المباريات، تبادر إلى خفض صوت الميكروفونات، لكي لا يصل محتوى ما يقوله الجمهور إلى متابعي المباريات في التلفزيون، كما أن النشرات الإخبارية في القنوات العمومية، تقفز على المسيرات والوقفات الاحتجاجية التي تقام في الشارع المغربي تنديدا بالتدمير، والقتل، والتهجير الذي يتعرض له الفلسطينيون، واحتجاجا على التطبيع الرسمي المغربي مع دولة الاحتلال، ولا تنقل أي شيء عنها.
وللأسف يكاد يكون هذا هو نفس الموقف الذي تتخذه مجمل الفضائيات العربية الإخبارية في تعاطيها مع مجريات الأحداث في المغرب، فهذه القنوات بدورها، لا تشير إلا لماما وبتقصيرٍ شديد لحركة الشارع المغربي المناهض للتطبيع، إنها تتصرف وكأن الرفض المغربي الشعبي للتطبيع لا يهمها، علما بأنها تعتبر أن خطها التحريري يرتكز على دعم نضال الشعب الفلسطيني. هذه القنوات تُعامل الشعب المغربي وكأنه هو المطبع مع الكيان الصهيوني وليس دولته، وفي هذا تجنٍّ على هذا الشعب، وإيقاعُ ظلمٍ عليه…
الشعب المغربي يرفض التطبيع بلا قيد ولا شرطٍ، فحتى عندما تتغطى الدولة المغربية في إقدامها على التطبيع بضرورة التمسك بكل ما من شأنه المساهمة في الحفاظ على الوحدة الترابية المغربية، فإن المغاربة لا يستسيغون هذا المبرر، لأنهم لا يقبلون ربط قضيتهم المقدسة التي هي استكمال وحدتهم الترابية باسترجاع صحرائهم من المستعمر الإسباني، بآفة مدنسة التي هي التطبيع مع الكيان الصهيوني العنصري الإجرامي…