الرياضة بين تقارب الشعوب وتأجيج الصراعات؟

الرياضة بين تقارب الشعوب وتأجيج الصراعات؟

 عبد السلام البوسرغيني

        ونحن في زيارة لإحدى الجامعات الصينية، قدم لنا مرشدنا بعض أجهزة الأبحاث العلمية التي كانت الجامعة في حاجة إليها وتلقتها كهدية أمريكية، كما قال لنا، وهو يشيد بالمسؤولين عن الجامعة الأمريكية التي قدمت لهم تلك الأجهزة.

حدث ذلك في شهر نوفمبر 1979، عندما كنت ضمن وفد صحفي مغربي في زيارة للصين، في ظرف دقيق وخطير كانت تعيش خلاله مخاضا عسيرا، ينبئ بتحول سياسي يطبعه صراع مريرخاضته أجهزة الدولة ضد تيار كان يتمثل فيما سمي بـ”الثورة الثقافية” بزعامة المارشال لين بياو وأرملة ماو تسي تونغ. كان يراد لها أن تعوض الثورة التي قادها ماوتسي تونغ الزعيم التاريخي للصين، وبدا وكأنها كانت ستعيد الصين إلى الوراء، بما تعرضت له البلاد من فوضى عامة كما قيل لنا، انطلاقا من فتح الجامعات أمام العمال كطلبة غير مؤهلين  

   كان هدفي من التذكير ببعض ما إختزنته الذاكرة الإشارة إلى أن الصينيين، كما استخلصنا ذلك من لقاءاتنا، كانوا مرتاحين من التقارب، بل والتفاهم الذي حصل بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية، والذي قاده زعيمهم الجديد المتنور تسياوبينغ. ولقد انتهج هذا الزعيم برغماتية سياسية مثالية طبقها على مختلف الأصعدة وفي مختلف الميادين، كان أهمها التصالح مع الولايات المتحده، التي انتهز قادتها الفرصة لفتح عهد جيد في علاقتهم بالعالم الشيوعي، للتخفيف من حدة الحرب الباردة ومضاعفاتها، لتصبح مقتصرة على علاقتهم بالاتحاد السوفياتي، الذي كان خاضعا لسلطة قادة مسنين، موغلين في شيخوختهم قدر توغلهم في دغمائيتهم، التي أدت في النهاية إلى انهيار دولتهم الاتحادية وتفكيك الكتلة الشيوعية، وتخلي بعض أعضائها عن شيوعيتهم المنهكة لاقتصادهم، والمحجرة على شعوبهم.

   لقد شط بي القلم، ولكنه لن يبعد حديثي عن هدفه الأساسي، الذي يسعى إلى التنبيه إلى أن الرياضة لعبت دورا هاما في حدوث ذلك التقارب والتصالح، بين دولة كانت مغالية في شيوعيتها، وبين زعيمة المعسكر الرأسمالي المغالي في أنانيته، ولم لا نقول الامبريالي الذي كان قد أخذ على نفسه تحطيم الأنظمة الشيوعية وحتى الاشتراكية، وتحقق له ما أراد باتساع النفوذ الأمريكي شرقا وغربا وجنوبا وشمالا.

   وإذن، فمن مقابلة تاريخية بين فريقين رياضيين في لعبة بينغ بينغ، أحدهما صيني والآخر أمريكي، انطلقت مسيرة التقارب بين الدولتين العملاقتين، تاركين للمصالح التحكم في خلافاتهما وصراعهما، لينتهجا ما يرونه من السبل الكفيلة بتحقيق المنفعة المتبادلة، ويحفظ الأمن والسلام في العالم .

   إن الاستفادة من تنظيم اللقاءات الرياضية وجعلها مجالا للتنافس الشريف، لكي يمتد إلى ميادين أخرى، لم يكن قد اقتصر على الصين وأمريكا، بل لقد سجل التاريخ أحداثا مماثلة كانت الرياضة الدافع لإنهاء صراعات مزمنة أو تسوية نزاعات معقدة. وإننا عندما نذكر الرياضة، فإن فكرنا يتجه إلى الشباب الذين يمارسونها، والذين يعتبرون طليعة الشعوب والمؤهلين لبناء المستقبل. وعلى ذكر الشباب يجب أن نشير إلى أن المصالحة الألمانية – الفرنسية اعتمدت الشباب كأداة وعناصر لتكريس المصالحة بين الشعبين الألماني والفرنسي، بالإضافة إلى اعتماد الإعلام كوسيلة ناجعة للمصالحة، فتم إنشاء قناة تلفزية تحمل اسم (أرتي)، تذيع باللغتين الفرنسية والألمانية، وما تزال تعمل منذ أكثر من ستين سنة على حماية تلك المصالحة وصيانتها من مكر التاريخ، الذي كان مليئا بالمآسي من جراء الحروب بين الدولتين تم التغاضي عنها لمصلحة الشعبين، وتبعا لذلك أدى التصالح بينهما إلى النهوض بالقارة الأروبية .

   لقد أوحى لي بالحديث عما تلعبه الرياضة في تحسين العلاقات بين الدول، ذلك الحدث الرياضي المغربي الجزائري، المتمثل في اللقاء المجهض بين فريق اتحاد العاصمة الجزائري وفريق نهضة بركان المغربي. وكم كنا نحن المغاربة، وكثير من الجزائريين، نأمل أن يكون عامل تقارب يساهم ويمهد للبحث عن سبل الوفاق والمصالحة، ولكن الظروف عاكستنا، فكان أن تحول الأمر إلى تأجيج الصراع عوض الانفراج.  

ولله الأمر من قبل ومن بعد.  

Visited 33 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام البوسرغيني

صحفي وكاتب مغربي