موت السياسة وإعادة تدوير النخب
محمد اليوسفي
لو أردنا ان ننشئ حزبا سياسيا مغربيا اليوم في المختبر، مختبر العلوم السياسية والاجتماعية، على غرار ما تقوم به الأنظمة المستبدة بعد أن تجهز على الأحزاب والنقابات والإعلام في بلدانها، وتستشعر خطر الفراغ السياسي وإمكانيات بروز حركات اجتماعية متطرفة، تمتلك قدرة كبيرة على التأطير والحشد المهدد للتوازنات والاستقرار، فإن أيا من التجارب السياسية السابقة في المغرب لن تصلح نموذجا يحتذى في بناء أي تصور للمستقبل.
ذلك أن تاريخ الأحزاب السياسية في المغرب في المجمل، لم يكن إلا تاريخا للتجاذبات والصراع الخفي والمعلن، بين الحركة الوطنية وما تفرع عنها من أحزاب، وبين النظام الراغب دائما وأبدا في السيطرة المطلقة عل مفاصيل الحياة السياسية في المغرب. بل إن جميع التجارب السياسية المفصلية في التاريخ الحديث للمغرب ما بعد الاستقلال، لم تتم إلا في ظروف استثنائية كان النظام السياسي المغريي يحتاج فيها دائما إلى عجلات احتياط حزبية، قادرة على إعادة تدوير النخب وضمان الاستقرار في أفق الإجهاز عليها فيما بعد. فلا حكومة عبد الله إبراهيم، ولا حكومة عبد الرحمان اليوسفي، ولا حتى حكومتي الإسلاميين، تخرج عن هذا المنطق وعن هذا التصور البرغماتي، الذي يحتوي ثم يستنزف ثم يقتل بإصرار وترصد.
أصبحنا اليوم إذن أمام فراغ قاتل، وصمت سياسي غير مأمون، وعجلات احتياط حزبية منتهية الصلاحية، واستقالة كلية مقصودة ومتعمدة للنخب، وغياب تام للمبادرات، وموت سياسي وثقافي وإعلامي لم يعرفه المغرب حتى إبان الاستعمار .
هل تؤدي الحياة السياسية في المغرب اليوم ضريبة الإصرار على الهيمنة السياسة لطرف واحد، وتصور وحيد، وفشل وانتهازية النخب والأحزاب؟ وماذا الذي سيحدث لو قدر أن أطلت أزمة اجتماعية جديدة حادة على البلد اليوم أو غدا، واحتاجت الدولة لمن يملأ الفراغ ويساهم في خلق الاستقرار ؟ وأي حزب اليوم أو عائلة سياسية تمتلك القدرة على التأطير وخلق النخب؟
ما نعيشه اليوم، هو نهاية مرحلة امتدت منذ ما بعد الاستقلال وإلى اليوم، تم خلالها تجريب كل ما هو معروض سياسيا وايديولوجيا وثقافيا في المغرب، وأصبحنا اليوم أمام فاعل واحد مهيمن، يمتلك شرعية الإنجاز والتأطير والتعبئة، وأحزاب ونقابات منتهية الصلاحية، بدون تأثير أو وزن لدى عموم المغاربة.
هل نعيد بناء الحياة السياسية اليوم في المختبر، بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي ومواقع التواصل، وكم كبير من التفاهة والابتذال، ثم نعول على ذلك لمصاحبة تحول المغرب إلى فاعل إقليمي واقتصادي مهم في السنوات المقبلة؟
لا مستقبل ولا نجاح لأي مشروع للنهوض بالبلد، إذا لم يتم التفكير بعمق في ضرورة التخلي عن التصور القديم لأدوار الأحزاب والنخب، واعادة الاعتبار للعمل السياسي، بفهم مغاير يساير التحولات العميقة التي يعرفها المغرب، وسيكون أي مشروع استراتيجي للدولة محكوما بالسير على قدمين، قدم سليمة، وقدم يعيقها تردي السياسة والثقافة والإعلام.
Visited 97 times, 1 visit(s) today