حول التدين المغربي في السياق الأوروبي (1)

حول التدين المغربي في السياق الأوروبي (1)
حوار مع محمد الخطابي إمام “مسجد عائشة” بمونبوليي 
 
حاوره الباحث محمد اليوسفي
       ليس الدين مجموعة من النصوص والشرائع ذات الطابع المعياري الصرف، ولا حاجة معرفية أو روحية لفهم الظواهر الوجودية والميتافيزيقية فقط. إنه أكثر من ذلك، ممارسة ذات أبعاد ثقافية عميقة تتأثر بالسياقات و الظروف التاريخية والجغرافية التي تتفاعل ضمنها. إن زاوية النظر التي ننطلق منها في هذا الحوار تأخذ بعين الاعتبار ان الدين الإسلامي في سياقه الأوروبي يتأثر ويؤثر في هذا السياق ، فيصير حديثنا عن الدين حديثا عن التدين وعن الظواهر الثقافية والتمثلات المصاحبة لهذا التدين.
   لذلك فعند محاولة فهمنا للتدين المغربي في سياقه الاوروبي كان يلزم ان نجد مخاطبا ممارسا وملما بالموضوع الذي نحن بصدده. فكان حوارنا مع إمام وخطيب “مسجد عائشة” حوارا مهما وممتعا بعيدا جدا عن التملق ولغة الخشب.
 
– الأستاذ محمد الخطابي شكرا لكم… قلتم إن التدين المغربي المبني على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، وطريقة الجنيد في السياق الأوروبي، تدين ظاهري فقط، ماذا تقصدون؟
* نعم، عندما نفكر في التدين المغربي بأسسه وثوابته المعروفة أي إمارة المؤمنين، والعقيدة الأشعرية وفقه الإمام مالك وطريقة الجنيد السالك، كما يتبين من نصوص ابن عاشر، فإنني وبحكم ممارستي للإمامة في الميدان في أوروبا عامة وفي فرنسا بشكل خاص، لأكثر من ثلاثين سنة، فإن قناعتي أنه كلما كان هناك هاجس يحكم تصورنا، فإن جميع ممارساتنا تظل حبيسة لهذا الهاجس، والهاجس الموجود الآن هو هاجس أمني أو مقاربة أمنية.
فعند الحديث عن التدين في أوروبا بشكل عام، وفي فرنسا تحديدا، فجميع الدول المصدرة للمهاجرين يهمها الإعتناء بجالياتها والحفاظ على أمنهم الروحي. وعندما نتحدث عن الجانب الديني فلا يجب أن يكون هذا الإهتمام مرتكزا فقط على المقاربة الأمنية ولا المقاربة الاقتصادية الصرفة.
 
– لدي تساؤل أعتقد أنه يجب أن يكون بداية لهذا الحوار، هل هناك تدين مغربي في فرنسا؟
* عندما نضع تصورا نظريا مسبقا ونحاول أن نبني عليه مقاربتنا ونركز كل جهودنا عليه لنجعل منه حقيقة فهذا في تصوري ضرب من الوهم، لذلك فإنني أستطيع أن أقول أن التدين المغربي في فرنسا مجرد وهم فقط، إذ لا يوجد تدين خاص هنا بحكم تعدد أصول ومشارب المرتادين للمساجد. لنأخذ “مسجد عائشة” كمثال، فالذين يرتادون هذا المسجد هم من جنسيات مختلفة، فهناك فرنسيون و مغاربة وهناك أيضا مهاجرون من أصول تونسية وجزائرية وليبية ومن افريقيا جنوب الصحراء، لذلك إذا أردنا أن نتحدث عن تدين مغربي خالص فيجب أن تكون تركيبة الجالية مغربية صرفة. لذلك فالحديث عن التدين المغربي في هذا السياق هو مجرد وهم فقط ولا تبدو مظاهر هذا التدين إلا خلال شهر رمضان، وبشكل خجول، عندما تبعث المؤسسات الدينية في المغرب وعاظا ومشفعين للتواصل وتأطير الجالية المغربية، لكن على مدار السنة فإنني لا اجد مظاهرا لهذا التدين.
 
– هل نستطيع أن نقول إن المهاجر المغربي الذي يمتلك معرفة بالمذهب المالكي وأصوله، والعقيدة الأشعرية وثوابتها، ومذهب الجنيد في التصوف، أنه مهاجر يمارس التدين المغربي، أم أن لهذا التدين أشكال من الممارسة الدينية والروحية يجب أن تجد لها صدى في الحياة اليومية؟
* إذا قارنا التدين المغربي في فرنسا بما هو موجود لدينا في المغرب فإنني استطيع أن أؤكد مرة أخرى أنه مجرد وهم فقط، ففي المغرب هناك ممارسة عملية لهذا التدين بطابعه المغربي الخالص وتجلياته الدينية والروحية والثقافية، في شكل طقوس وممارسات لعل أبرز تجلياتها إمارة المؤمنين، فنحن كمغاربة لدينا نمط خاص للتدين معروف لدى الجميع. السؤال هو هل بإمكاننا أن ننقل هذا التدين إلى أوروبا؟ انه غير موجود.
 
–  إذن في هذا السياق الأوروبي الخاص، هل نتحدث عن نمط للتدين المغربي لدى المهاجرين من أصول مغربية أم عن ممارسات ثقافية مغربية؟
* هنا أستطيع أن أتفق معك، هذه الممارسات الثقافية المتعلقة بالزي والطبخ والأثاث المغربي وطقوس الزواج وفي الأعراس والمناسبات الدينية موجودة فعلا والمغاربة المهاجرون حريصون عليها. لكن عندما نتحدث عن الجانب الفكري والروحي فالأمر مختلف، لذلك يجب أن نعرف ماذا نريد من تصورنا للتدين المغربي. أعود مرة أخرى لأقول: إن المقاربة الأمنية تفسد تصورنا لهذا التدين. وهنا أتساءل ماذا فعل المغرب والمؤسسات الدينية الرسمية في باب القراءات مثلا؟
 
– هل هناك جهد في هذا الإطار؟
* إلا من بعض المتطوعين كما في “مسجد عائشة” أو بعض الائمة من المغرب الذين يحافظون على هذا الإرث أما الآن فإن ما يكتسح هو قراءة حفص. أما تقليد القراءة الجماعية للقران فإنه غير موجود خصوصا لدى الأئمة الذي نشأوا وتلقوا تكوينهم هنا، وأنا منهم.
 
– لماذا؟
* لما قد يترتب عن ذلك من”فتنة” ومن قيل وقال نحاول تجنبه. هذا من جهة، ومن جهة اخرى أين سنجد تلك المجموعة من القراء التي تتحلق حول الإمام لتلاوة القرآن جماعة؟
 
– هناك عدة موانع اذن؟
* عندما نتحدث عن التدين المغربي يجب أن يكون حديثنا عن مفهوم واضح وعملي يأخذ بعين الاعتبار عامل السياق وان نتحدث عن أمور ملموسة وليس عن ممارسات ثقافية كالحلوى أو الموسيقى الأندلسية أو الطبخ أو اللباس.
 
– هذه ممارسات ثقافية؟
* هنا ماذا نرى؟ الشباب المغربي من أصول مهاجرة قد غزاه القميص الصيني والعماني وقليل من يرتدي مثلا الجلباب المغربي بما في ذلك الأعياد الدينية التي يظهر خلالها امتزاج التدين بالمظاهر الثقافية. لذلك أقول إنك عندما تصر على التدين المغربي دون يكون له أثر عملي في الواقع فأنت تنطلق من مقاربة ضيقة بهاجس أمني صرف رغم أننا لا ننكر أهمية هذا الجانب بعد الذي حصل في السنوات الأخيرة من التحاق الكثير من الشباب المغاربي ببؤر التوتر في سوريا والعراق. أنا مع التدين المغربي الحقيقي وليس الوهمي.
وهنا أعود إلى الوجود الإسلامي بالأندلس، لقد تشكلت بالاندلس مدرسة فقهية قائمة على المذهب المالكي استطاعت أن تنجب علماء وأئمة كبار تلقوا تكوينهم هناك وبرزوا في العالم الإسلامي كالإمام الشاطبي الذي هو إمام مقاصدي أو ابو المقاصد.
 
– ما دمتم قد تحدثتم عن تجربة الوجود الإسلامي في الأندلس، ألا يؤكد ذلك أن التدين المغربي بثوابته المعروفة قادر على التعايش في بيئة غير بيئته الأولى التي ولد فيها؟
* أنا أقول أكثر من ذلك، المذهب المالكي يتميز بالمرونة، وبحكم معرفتي بأصول الفقه فإن هناك سبعة عشر أصلا متفق عليها تعطينا مرونة كبيرة في الاجتهاد خصوصا في السياق الأوروبي. لذلك فالمذهب المالكي يمتلك القدرة على أن يهيمن لأن لفظ التعايش يحيل على بعض التنازلات. التدين المغربي اذن يستطيع أن يفرض نفسه وان يستقطب الآخر إليه.
 
– ما الذي يعيق انتشار هذا النمط من التدين المغربي في نظركم؟ هل هناك تقصير على مستوى الجهد المبذول؟
* لابد أن أقول أن لدينا كل الوسائل للعمل لكن المقاربة الأمنية جعلتنا لا نرى ما بأيدينا، تماما كحارس أمن يمتلك كل الوسائل للإشتغال لكن الخوف يحول بينه وبين ممارسة عمله. إن مقاربة التدين المغربي لو تم النظر إليها من الناحية الفكرية والدينية لكان الأمن الروحي من باب تحصيل الحاصل.
Visited 111 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

محمد اليوسفي

كاتب وباحث