لبنان بين الحراك الأمريكي والفرنسي
أحمد مطر
بالتأكيد أن واشنطن وباريس تعلمان علم اليقين أن جهودهما من أجل وقف الحرب في الجنوب، وتهدئة الجبهة بين الجنوب وشمال إسرائيل، من الأمور المتعذرة قبل وقف النار في غزة، ولهذا تؤكدان مواصلة تحركهما باتجاه بيروت وتل أبيب.
تجدد المساعي الأميركية والفرنسية بين بيروت وتل أبيب، يؤكد جدية التهديدات الإسرائيلية بشن حرب شاملة على لبنان، بحجة إخراج حزب الله من جنوبي الليطاني .
لم يعد خافياً أن إسرائيل تحاول، منذ الأسابيع الأولى لحرب غزة، وإعلان حزب الله فتح جبهة إسناد غزة، أن يفتح الجبهة الحدودية، لصرف أنظار العالم عن المجازر الجماعية التي يرتكبها يومياً بحق الفلسطينيين في غزة.
ولكن الضغوط الأميركية والأوروبية على تل أبيب لجمتا اندفاعة إسرائيل، وأبقت المواجهة النارية في الجبهة الشمالية تحت سيطرة قواعد الاشتباك، من جانب حزب الله على الأقل، فيما عمد العدو الإسرائيلي إلى تصعيد متدرج، تركز على استعمال الطيران الحربي والمدفعية لتنفيذ مخطط تدميري ممنهج للقرى الأمامية في الشريط الحدودي، وتحويل البيوت والمنشآت العامة إلى مجموعة أنقاض، في إطار سياسة الأرض المحروقة للبشر والزرع والحجر، بهدف إنشاء منطقة عازلة بعمق يتراوح بين 5 و10 كيلومتراً.
الورقة الفرنسية التي أعلن عنها وزير خارجية باريس، ستيفان سيجورنيه، في بيروت، تُعطي الأولوية لتنفيذ القرار 1701، وبسط سلطة الجيش على منطقة جنوب الليطاني، والتعاون مع قوات اليونيفيل في الحفاظ على الأمن والاستقرار على الجانب اللبناني، تمهيدا لحل المشاكل الحدودية العالقة مع الجانب الإسرائيلي وبحث إمكانية العودة إلى اتفاق الهدنة المعقود عام 1949.
في هذا السياق ذهب الوسيط الأميركي، آموس هوكشتاين، إلى تل أبيب للبحث في إمكانية تخفيف التوتر على الجبهة اللبنانية، وإبقائها تحت السيطرة العملية، بهدف منع وصول صواريخ حزب الله إلى الداخل الإسرائيلي. ولكن ما سمعه موفد البيت الأبيض للوساطة بين لبنان والكيان الصهيوني، يُحبط أكثر المتفائلين إيجابية، لأن العدو الإسرائيلي، اشترط عودة سكان المستوطنات الشمالية، قبل التوصل إلى اتفاق التهدئة مع الجانب اللبناني. الأمر الذي أحبط مهمة الموفد الأميركي، الذي قرر العودة مباشرة إلى واشنطن، وعدم زيارة بيروت، كما كان متوقعاً، بعد فشل جهوده للمرة الثانية، في تسجيل تقدم في الموقف الإسرائيلي.
مع تعثر المساعي الديبلوماسية على الجبهة الشمالية مع لبنان، واستمرار التصعيد الناري الراهن، تتجه الأنظار إلى القاهرة، بعد إعادة الحياة إلى مفاوضات الهدنة في غزة، وتزايد الضغوط الأميركية خاصة والدولية بشكل عام، لإعلان وقف فوري لإطلاق النار، يسمح لأهالي غزة بالعودة إلى مناطقهم، رغم الدمار الواسع الذي لحق بها، إلى جانب فتح معابر المساعدات الغذائية والدوائية، والبحث في اليوم التالي الذي سيعقب وقف النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع.
اللبنانيون يتتبعون أخبار مفاوضات الهدنة في القاهرة، على أمل أن تؤدي الهدنة في غزة، إلى إنقاذ رفح من الاجتياح، وإلى وقف إطلاق النار في الجنوب، والعودة إلى الوساطة الأميركية لترسيم الحدود البرية، وتنفيذ القرار الدولي 1701، وإعادة الأمن والاستقرار إلى الربوع الجنوبية.
أصبح واضحاً أن اللبنانيين لا يريدون الحرب، وغير جاهزين لخوضها، بل البلد غير مهيئ لتحمل تداعياتها المدمرة، بغض النظر عن حجم الأضرار التي ستلحق بالمدن الإسرائيلية والمرافق الحيوية.
وفي ظل غياب الإجماع الوطني على قرار الحرب، فإن أي انزلاق نحو مواجهة مفتوحة مع العدو الإسرائيلي، سيزيد حدة الانقسامات اللبنانية، ويضرب قواعد الوحدة الوطنية، التي تُعاني أساساً من اهتزازات سابقة، تُضعف الموقف اللبناني في مواجهة متطلبات العدوان.
ختامًا تجنيب لبنان كأس الحرب المريرة، يتطلب الكثير من الحكمة والتبصر، والأخذ بعين الاعتبار الواقع المأساوي لأكثرية اللبنانيين، لا سيما أبناء الجنوب الصامدين بكبريائهم أمام آلة العدوان التدميرية، رغم الغياب شبه الكامل للدولة اللبنانية.
Visited 57 times, 1 visit(s) today