بعد التجديد لبوتين.. روسيا في مواجهة العالم
خالد العزي
يتوقف المراقبون والمحللون أمام عملية انتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لولاية جديدة. حيث أعلن الكرملين عن تنصيبه لهذه الولاية التي يسودها التساؤول حول شرعيتها.
بوتين رئيس غير شرعي، تم انتخابه نتيجة انتخابات غير قانونية، بظل الحرب في أوكرانيا. لقد انتهكت الانتخابات الرئاسية الروسية في حربها القانون الدولي, وسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها. حيث بات بوتين مطلوبا للجنايات الدولية في أكثر من 129 دولة في القارات الخمس. نتيجة اتهامه في المحافل الدولية بخطف أكثر من ستين ألف طفل من دولة أوكرانيا. بظل هذه الانتهاكات والاتهامات، لا يمكن الاعتراف بشرعية أي هيئة منتخبة أو منصب منتخب في الاتحاد الروسي يتم انتخابه أثناء الحرب. وفي حفل تنصيب رئيس الاتحاد الروسي، سوف تُعرض على دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي صورة وهمية لزعيم يبقي كل شيء تحت السيطرة ويفوز “بكل ثقة” بالسباق الرئاسي.
لذلك سوف يستخدم الكرملين في حفل تنصيب رئيس الاتحاد الروسي، لإثبات التغلب على العزلة الدولية التي يعيشها بوتين، والاعتراف “بشرعيته” من جانب المجتمع الدولي. إن بوتين مهتم للغاية بحضور أكبر عدد ممكن من قادة دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي في حفل تنصيبه. من أجل الصورة في القاعة التي يحاول إظهار عدد ونوع المشاركين، وخاصة من آسيا، ومن خلال القيام بذلك، يأمل في تأكيد شرعيته وإظهار “الدعم” لتصرفاته، لمواصلة الحرب ضد أوكرانيا.
طموح بوتين الامبراطوري
لا يخفي بوتين حقيقة أنه يحاول استعادة مناطق النفوذ داخل حدود الاتحاد السوفياتي، حيث تشكل طموحاته الديكتاتورية تهديدًا لجميع دول ما بعد الاتحاد السوفييتي ذات السيادة، بالرغم من التغيير الدولي للخريطة الجيوساسية، وتغيير التحالفات الدولية، إلى ذلك تتجاهل روسيا القانون الدولي، وتستخدم بشكل نشط أساليب عدوانية، كي يخلق هذا الموقف تهديدات حقيقية للأمن العالمي، ويؤثر سلبًا على المشهد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لبلدان ما بعد الاتحاد السوفييتي. حيث يواجه حلفاء موسكو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي الكراهية ومظاهر العداء القومي في روسيا. لقد أصبحت الكراهية تجاه الدول والشعوب المحيطة، منذ فترة طويلة فكرة، وطنية في روسيا. وقد كشف عن ذلك الهجوم الإرهابي الذي وقع في قاعة مدينة كروكوس، عن طبيعة التوجهات الروسية المعادية للأجانب، وخاصة تجاه دول آسيا الوسطى والقوقاز. وكيف يعامل “الروس” شعوب هذه الدول كمواطنين من الدرجة الثانية. وقد سلمت وزارة الخارجية الطاجيكية بالفعل مذكرة احتجاج إلى السفير الروسي بسبب “حالات واسعة من المواقف السلبية” تجاه الطاجيك وانتهاكات حقوقهم وحرياتهم.
تعامل روسيا مع دول منظمة الأمن الجماعي
ومن هنا، نرى تعامل روسيا الدائم مع شركائها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بفوقية وتعجرف، حيث ظهر التمييز العرقي والإثني مع الآخرين واعتبارهم درجة ثانية. وقد تُوج ذلك من خلال إعلانها المستمر عن حظر تصدير المنتجات الزراعية، دون سابق إنذار أو تفسير لهذه الدول، في فترة الحرب الأوكرانية، كونها هي الأولى بهذه المنتوجات، الأمر الذي شكل نوعا من الامتعاض لدى قادة هذه الدول.
ويُظهر المراقبون بأن بضائع الدول الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (أرمينيا، بيلاروسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان)، لم تتمكن من دخول السوق الروسية بشكل كامل، بسبب الحواجز البيروقراطية العديدة التي أنشأتها روسيا. ومع ذلك فقد تم الترويج للسلع الروسية بنشاط كبير، ويتم الترويج لها في أسواق دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي، مما يؤكد أحادية الجانب فيما يسمى بالتكامل.
روسيا تقف بوجه الحلفاء
من أجل حماية نظامها الاقتصادي، تنتهك روسيا من جانب واحد وباستمرار، العديد من مبادئ “التعاون المتبادل المنفعة” داخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي/الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. حيث يستخدم الاتحاد الروسي أساليب تنظيمية غير جمركية. مما يخلق عقبات مصطنعة أمام المنتجين الكازاخستانيين والأرمن والقيرغيزيين والطاجيكيين لدخول السوق الروسية. فاليوم تفقد روسيا أهميتها السابقة بالنسبة لحلفائها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي/الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، باعتبارها منطقة عبور وسوق عمل. وأصبحت رهينة لاستعدادهم للعب دور محفوف بالمخاطر بموجب العقوبات.
لقد أدى تشديد العقوبات ضد الاتحاد الروسي، إلى إرساء الأسس للتنويع الناجح للنماذج الاقتصادية لبلدان آسيا الوسطى والقوقاز، ولا سيما في مجال الحد من تصدير المواد الخام. وتوسيع نطاق معالجتها لإنتاج منتجات ذات أسعار أغلى على القيمة المضافة. مثلا قبل الحرب الشاملة ضد أوكرانيا، فرضت روسيا نحو 70 قيدًا غير جمركي على الدول الحليفة. وهكذا قام روسيلخو زنادزور بتقييد توريد اللحوم ومنتجات الألبان، من 60 منتجًا بيلاروسيًا، ومنتجات اللحوم من كازاخستان، والمنتجات الزراعية من قيرغيزستان. وبدلًا من الاعتراف بموضوعية دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والسعي وراء جاذبيتها الخاصة، تطالب موسكو من الجمهوريات السوفياتية السابقة، بعدم تدمير الهيمنة التاريخية التي ورثها الكرملين.
بالمناسبة، لقد أتيحت لروسيا كل الفرص لضمان جذب الدول الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى هذه الطرح، ولكنها بدلاً من ذلك تحاول قمعهم. لهذا فإن النفوذ الروسي في دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي بات ينحدر تدريجيا ويتراجع, ما لم يعد الكرملين النظر في توجهاته في التعامل مع السياسة الخارجية. ولا يمكن أن نتوقع هذا من روسيا بوتين. في هذه المرحلة المهمة التي قد تفقد فيها روسيا حلفاءها التاريخيين. لأن مشكلة روسيا تكمن في الحفاظ على نظام بوتين العدواني والانتقامي، والذي يشكل تحديًا غير مسبوق لأمن كافة بلدان ما بعد الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية، أي دول ما بعد الاشتراكية دون استثناء، والتي قد تصبح أهدافًا للعدوان الروسي لاحقا. لذلك تحاول هذه الدول قراءة التجربة الروسية في أوكرانيا، في محاولة التوجه إلى الغرب من أجل الحماية.
نظام بوتين هو تهديد للدول المجاورة
لأن بوتين يريد أن يحكم روسيا المنغلقة على نفسها وإبعادها عن الدول الديمقراطية. وهذا من حقه أن يجعل نظام الكرملين محكمًا تمامًا، لكن ليس من حقه أن يشكل تهديدًا شديدًا للجزر، ومصدر قلق وخوف لهم، لأن تصرفاته الإضافية لن تكون قابلة للتنبؤ بها على الإطلاق. لذا يسعى “الرئيس الروسي” إلى “التفوق” على الغرب والقضاء قدر الإمكان على إمكانية التصرف وفقًا للقواعد والمعايير والأعراف الغربية. ولكن لابد من القول بأنه على خلفية تنصيب الحكومة الروسية وتجميع السلطات لـ”الرئيس المنتخب حديثًا”، اشتدت الصراعات بين مختلف مجموعات النفوذ في الكرملين. فاليوم باتت تظهر في الأفق معركة بين المقربين السيطرة على المناصب والصلاحيات والتدفقات المالية.
إن الحظر المفروض على “قضية نائب مدير وزارة الدفاع الروسية تيمور إيفانوف”، في البرامج الدعائية النهائية للتلفزيون الفيدرالي، يعني أن إجماع النخبة الداخلي حول هذه القضية في الكرملين لم يتشكل بعد. ومن الواضح أن توقيت الكرملين الداخلي (انتظار التنصيب وتعيينات الموظفين في الحكومة) كان السبب وراء بدء هذه القضية. حقيقة إن أحداث تنصيب الرئيس أولت قدرًا كافيًا من الاهتمام لمنظري “الوطنية” الروسية، تشير إلى نواياهم في إحياء مواقعهم تحت سلطة الكرملين. على وجه الخصوص، يُظهر منح الأيديولوجي دوغين، منظر الكرملين، الوضع الرسمي لرئيس المدرسة الفكرية، لأن “الوطنيين المرحب بهم” هم الذين حصلوا على تفويض مطلق لتشكيل صورة جديدة للعالم الجديد وللمواطنين الروس.
مع الافتتاح لهذه الولاية سيتم إظهار مهام جديدة، وهي تطوير إستراتيجية لمنع السكان من أعمال الشغب. وسيتم اتهام المسؤولين الأفراد بالفساد. والذي لن يصبح مجرد جريمة اقتصادية، بل سيكتسب طابع “الخيانة”، مما سيوسع إمكانية سيطرة الجهاز القمعي.
وخلال فترة ولايته الخامسة، يريد بوتين أن يحكم دولة، حيث سلوك سكانها غير عقلاني في الأساس، وظائفي في بعض الأحيان، ولا علاقة له بالمبادئ الديمقراطية المستدامة..
لذلك يعتبر منظرو الكرملين تنصيب ف. بوتين بمثابة فرصة لإظهار قوة روسيا وتصميمها على محاربة “الأعداء الغربيين”، فضلًا عن إظهار الأصل الذكوري للحكومة الروسية الحالية، القادرة على تحدي “القطب الواحد”.
في عالم يتم المراهنة فيه على الصورة القوية لرئيس الدولة الروسية، فيما يتعلق بضرورة إمساك البلاد على خلفية فضائح الفساد الواسعة النطاق، ولا سيما في وزارة الدفاع، وعدم وجود استجابة كافية من السلطات إلى الكوارث الطبيعية وتدمير مرافق الإنتاج وخسائر كبيرة في الحرب غير المبررة في أوكرانيا. لكن بعد التنصيب سيتم إدراج السكان الروس في الإطار الصارم للحرب. وعدم السماح بالاحتجاجات لأي سبب من الأسباب”. وسيتم إطلاع الشركات والنخب على المسافات المسموح لهم بإبعاد أنفسهم عن الكرملين، وطلبات مصادرة ممتلكاتهم. وسيتم تشكيل الأصول بسبب عدم الولاء للسلطات في “عمليات التطهير” العامة العسكرية وستتم على خلفية المنافسة بين الخدمات الخاصة والجيش.
نظام حديدي صارم أي ديكتاتورية حديدية تختلف عن دكتاتوريات “جمهوريات الموز”. ووفقًا لولاية بوتين الخامسة. يجب على الحكومة الجديدة للاتحاد الروسي أن تؤدي وظيفة الشاشة، حيث تبث رسالتين متعارضتين – فيما يتعلق باستقرار الاتحاد الروسي وإمكانية التنبؤ بـ “الأصدقاء” المشروطين، فضلاً عن عدم الفهم وعدم القدرة على التنبؤ بـ ” الأعداء الغربيين”.
من هنا نرى بعد تنصيب بوتين، ستتوقف الحرب مع أوكرانيا عن كونها عملية خاصة محلية، وستتحول في النهاية إلى مواجهة عالمية مع دول الغرب. وفي هذا السياق فإن مسألة الأراضي التي تم ضمها لن تنظر فيها موسكو من حيث المبدأ. وسوف تصبح المفاوضات غير ضرورية بالنسبة للكرملين. وقد تبدأ روسيا عمدًا بسيناريو توسيع الصراع في أوروبا، والذي قد يصبح بالنسبة للجمهور الروسي حافزًا للتعبئة العامة (الاتجاه: جيش قوي – اقتصاد قوي – حكومة قوية). حيث يتعين على الغرب أن يتعلم التصرف بحزم في التعامل مع القيادة الروسية. التي تسعى إلى تنفيذ استراتيجيات إرهابية بما تتسم به من اللاعقلانية وعدم الأخلاق. وتجاهل القانون الدولي والمعايير الحضارية.
إن بحث الغرب العقلاني عن وسيلة للخروج من الأزمة وإنهاء الحرب، واستعادة المعايير الديمقراطية، لا يدفع بوتين إلا إلى السخرية من زعماء الغرب.
ووفقًا لهذه القراءة، فإننا أمام مرحلة جديدة في التعامل من قبل صقور الكرملين، القائمة على الدعاية والترويج لأفكار تخدم الشخص الواحد، الذي سيغير مجرى التاريخ الجديد، بالدعم والإقناع بتوجهاته وحماية مشروعه القومي الشوفيني.