بمناسبة اليوم الوطني للمسرح: المسرحي بنعيسى بين “القـرش والشرق”!

بمناسبة اليوم الوطني للمسرح: المسرحي بنعيسى بين “القـرش والشرق”!

نجيب طلال

       حينما نستحضر مدينة وجدة، “بوابة الشرق” تلك المدينة الشهباء، المناضلة والعامرة بنسائها ورجالها الأشاوس، إلا ويحضر شبابها الجَـسور، شباب سطع نجمهم وأبدعوا في عِـدة مجالات فنية وإبداعية وإعلامية، أبهروا المتتبعين والعُـشاق سواء في “الصحافة” أو”كرة القدم” أو فلكلور “الركادة” و”القوال” أو “المسرح” وهذا الأخير: الذي يعَـد من أهم الروافد الثقافية، التي تأسست عليها حضارة الشعـوب، لقد أنجَـب في الفضاء الوجدي , وجوها وأسماء بارزة. إذ  يصعُـب ذكرها الآن، ولكن عبر الذاكرة يمكن أن يتم استحضار: أسماء وفعاليات كان لها الحضور في الميدان الفني والثقافي. من خلال أحد الوجوه الألمعية، الفنان المبدع عبدالرزاق بنعيسى، هذا الاسم له وقعه في السجل التاريخي، ومن أبرز الوجوه “المسرحية” في زمانها الوجْـدي “مسرحيا” وحضورها الفاعل على الساحة الوطنية قبل المحلية، والمحلية قبل العربية. وجه مشرق وهب عن طواعية، وبكل تفانٍ. روحه للفن وللبلد،. مؤمنا بأن المسرح في عمقه الأساس. مهمة اجتماعية / إنسانية/ حضارية/ ينبغي أن يمارس بكل جدية ونكران الذات لكن كالعادة! من كانوا يناضلون بصدق وإخلاص، فلم يجنوا سوى الريح والخيبات، ونكران الجميل ونموذجنا عبد الرزاق بنعيسى، الذي أمسى يمتطي كرسيا متحركا، بـعْـد بتر رجله؟ فقبل البتر وضعـف البصر.
   ففي سياق اليوم الوطني للمسرح. هذا اليوم لما لا يكون يوما للحوار الاجتماعي، بين الفنانين والمبدعين، ولو باختلاف نقاباتهم ومصالحهم (؟) وكذلك لما لا يكون: يوما لإختيار فنانين أو فنان يعـيش على حافة القفر المدقع. وما أكثرهم ببلادنا، لكنهم صامتون يتوجعون في دوامة لا تنتهي من الإهمال والتهميش.. ومن الصراع ضد الأمراض، اختيار للتعـريف به، ومؤازرته وطنيا. وليس للاتجار به كما يقع في العديد من ملفات الطلبات أو التكريمات؟
   وتأسيسا على هاته الرؤية: فاختيارنا للمخرج عبد الرزاق بنعيسى مقصود، وله دلالة خاصة. دلالة تدفع بنا مرغمين، لترسيخ ثقافة الاعتراف، ماديا ومعنويا: لمن هم أهلها؟ رغم الإختلاف، ورغم المناورات والتحالفات واللوبيات، التي أفسدت المشهد. وكذلك دلالة لتذكية ثقافة الأسئلة المؤرقة أمام مسرح [المحرومين] الذي أطلقه (ع الرزاق بنعيسى) كاسم وصفة! حتى لا يكفن المبدع في أكــفان اللامبالاة والنسيان.
   فالفنان بنعيسى، إن حاولنا نبش تاريخ عطائه الإبداعي يطول وسيطول، من  يوم انخراطه، في جمعية  المسرح البلدي رفقة الراحل بنيحي عزاوي وجلول الأعرج ومحمد مسكين… مرورا بجمعية المسرح الشعبي، التي  التحق بها جماعة من الشباب المتعطش للمسرح كالمرحوم محمد مسكين، وجميلة يعقوبي، وعائشة عوالي، ومحمد بنقدور، وعبد القادر الدقاق، وبنعسى وجلول الأعرج…”علاقته بمسلسل” مولاي إدريس” رفقة الكاتب عبدالسلام لوديي، شفاه الله من كل سقم. ولقد أبان عن طاقته الفنية والتشخيصية في مسرحية “سجل يا تاريخ” مع المسرح البلدي. في المهرجان الوطني 17 لمسرح الهواة بأكادير، وعن طاقته الإخراجية في مسرحية “مرايا الزمن المحزون” مع جمعية المسرح الشعبي سنة1977، ليلتحـق بفرقة المعمورة مشاركا في “العنترية” و”عين والخلخال” لكن بعد مشاركته في مسرحية “الليل يموت عند الفجر” 1982 مع المسرح الشعبي، فضل أن ينفي نفسه في ليبيا عشقا للفن والمسرح، لكنه التحق بالتلفزيون الليبي، لإنجاز برامج وثائقية. مما راودته فكرة الالتحاق  بـ[الجبهة الشعبية لتحرير] فلسطين. فمنعته إحدى المناضلات من ليبيا، مشيرة بقولها حسب تصريحه وتدوينته: يكـفينا فخرا أنكم أنتم المغاربة تؤمنون بالقضية الفلسطينية، فأنـثم مفخرتنا .وأنت فنان ناضلْ من موقعك مسرحيا وابداعيا. والمسرح في حد ذاته نضال. وفعلا قـدم مسرحية (النزيف) رفقة المسرح الحر الليبي، مشاركا في المهرجان الدولي ببنغازي 1985 وفي المهرجان الدولي بأصيلا. وهذا العمل ومخرجه (عبدالرزاق بنعيسى) تم احتضانه من لدن الفعاليات الليبية، وذلك على إثر إطلاق سراحه من المعتقل السياسي في ليبيا سنة1983، بعْـدما رفض الفنان الوطني الغيور “بنعيسى” أن يخون وطنه، بإنجاز شريط وثائقي عن “البوليساريو”، وطبيعي ستكون هنالك مضايقات وحصار وضغوطات نفسية، رغم أن السلطات الليبية، تركته يشتغل (شكليا) مما فضل العودة لبلاده “وجدة – الشرق”، لينطلق في عشقه وجنونه الفني. منجزا بعض الأعمال من بينها ومسرحية “مجنون المدينة” لحوري الحسين في إطار الأيام الدراسية لبلدية “الجرادة” سنة 1996. لكن وجَـد نفـسه بين القـرش والشرق في دوامة لا تنتهي من الإهمال والتهميش، وخاصة أحس أنه  أمام أنياب “القرش” باعتباره رمز للشراسة البحرية. إن بقي في الشرق سيلتهمه القرش، ففضل الهجرة من وجدة مرة أخرى، نحو الجنوب المغربي، ليستقر في إحدى قرى مدينة بني ملال، مؤمنا بمقولة: [امشي على قدميك المكسورة. ولا تترك أثر يدك على كتف أحد]، التي ينسبها العَـديد لوليام شكسبير، ولكن في الأصل هي مقولة “دوستويفسكي” هذا توضيح فقط.
   وفي استراحة الفنان عبد الرزاق بنعيسى، بإحدى الفضاءات المطوقة بالقصب بدوار العيايطة ــ ببني ملال “المغرب”، ولازلتُ أتذكر” الصورة” التي التقطها أحـد “الماكرين”، صورة تبدو مفجعة عن حال الفنان المغربي الأصيل، والأنكى! ما تم تشييعه على خلفية الصورة؟ أفظعها أن (ع الرزاق بنعيسى) في رحاب “بويا عمر” قبل أن يُغلق! لكن في واقع الأمر، فضل رحلة – اكتشاف وابتعاد- دامت عشر سنوات، ليرتاح من عبء الزمان، وضغط المدينة “الوجدية” على نفسيته؟ علما أنه إنسان مسالم لا يحمل ضغينة ولا حقدا لأحد . وفنان مؤمن إلى حد الهَـوس بالفعل المسرحي، وما دونه مجرد “ترهات”، عنده. لكن اصطناع صراعات وهمية، مجانية، مرفقة بالكذب والبهتان على شخصه، كانت هي سبب تدمير حياته، من لدن العديد من المسرحيين؟
   ومن الطرائف، أن تذييع خبر موته للقاصي والداني، حينما يسألون عنه؟ وهاته حقائق، صاحبها لازال حيا، هذا الحي “بنعيسى” اقتنع بعودته للمدينة، ليقاوم ما تبقى له من العمر؟ رغم أنه يشعر بتهديدات القرش، حـسب إحـدى تدويناته الحاملة للتفاؤل والأمل، القائلة بخطه: [لقد حاولوا مرارا دفننا لكننا كبذور تخرج في كل حين جوكر] (بالإمكان الاطلاع على جداريته في “الفايسبوك”)، بحيث انطلق يشتغل في سياق سينمائي، مستفيدا من خبرته واحتكاكه بمخرجي الأشرطة الوثائقية  والتلفزية في [ليبيا ]. حيث أنجز، من خلال شركة المخرج”كمال كمال” شريطين وثائقيين (فن الطرب الغرناطي بوجـدة / تاريخ المدينة الألفية)، واشتغل معه مؤخرا في الشريط السينمائي “الصوت الخفي”، رغم ما أصابه من بثر لساقه اليسرى، وظروفه الاجتماعية المزرية، فعلا مزرية بلا رياء ولا مسرحة: إذ لا دخل له، ولا صناديق ولا بطائق لتطبيبه وعلاجه!! إنه يكابد في صمت، والأمل يعلو محياه يوميا.
    المبدع ع الرزاق بنعيسى،هـذا نموذج من بين المئات من الفنانين، الذين هم في مصاف المحرومين، لكنهم صامتين، فما أهمية اليوم الوطني للمسرح، إن لم يكن محطة، إنزال لمثل هاته الظواهر المقرفة، والبئيسة التي يعيشها جملة من فناني المسرح في المغرب؟ فنانون يكابدون في صمت، فلماذا الإحتراف إذن؟ ولماذا انوجاد النقابات الفنية، المهنية، إن لم تكن صوتا جهورا، وليس كـُوليسا، تجاه كل فنان “متفرغ” محترف”؟ وإلى متى يمكن أن نفصل بين فنانين لهم مداخل قارة، من قطاعات مؤسساتية، خدماتية. وبين فنانين دخولهم من عَـرق اشتغالهم فـوق الركح أو البلاطو؟ بين فنان له التغطية الصحية من مؤسسته، وبين فنان لا يملكها؟
    وللإشارة لذوي من سيستوعب هذه المقالة؟ فالفنان “بنعيسى” لم يكن موظفا ولا أجيرا في شركة ولا سمسارا ولا انتهازيا، بل صنعه الله في قالب مسرحي، مهوس به، حتى نسي نفسه. ولكن بإرادة المبدعين الصادقين، بإيمانهم المتجلي في سريان عروق الإنسانية البهية، لننتبه لهؤلاء، لنقل ولو كلمة اعتراف في حقهم، كلمة نابعة من خياشيم الصفاء، أليست ” الكلمة نور وبعض الكلمات قبور؟”
   لتكن كلماتنا نورعلى نـور:  بدل التطبيل والتهليل والدعـم لـ(فنانين) لهم بيوت تطل على شواطئ خيرات بلادنا. ولهم دخول خارج الدعـم أو التوطين والترويج… فاللهم نسألـك خير هذا اليوم ، وخير ما بَـعْـده. رغم أننا طرحنا سؤالا على جداريتنا، مفاده: يوم الثلاثاء (14/ مــايو/2024) سيطل علينا اليوم الوطني للمسرح! يوم لا مثيل لــه: فماذا أعدت له وزارة الشؤون الثقافية؟ وهل ستحتفل المؤسسات التعليمية بأسلاكها الثلاث، بهذا اليوم، ارتباطا بالمسرح المدرسي؟ وهل فكرت عمادة الكليات تنظيم لقاءات ثقافية وأكاديمية لهذا اليوم، على غرار ما نسمع بوجود: مسرح جامعي؟ وأي أوراق ستقدم النقابات المهنية صنف (المسرح)؟ وأي أوراق ستقدم النقابات المهنية صنف (المسرح)؟ وماذا ستعـد دور الشباب التابعة لوزارة الثقافة والاتصال، لهذا اليوم؟ وماذا سيعد علماء المسرح في المغرب من أفكار ومقترحات وتنظيم ندوات ولقاءات تطوعية في مدنهم؟ سننتظر؟ مادامت بعض الأصوات، تصرح بأن المسرح في المغرب بخير ومنعش؟؟؟؟ وكالعادة! وأجـمل عـادة! لا تفاعل ولا تجاوب بشكل ملموس، بل هنالك تفاعل مدسوس، وفي خــلقه شـؤون!!

Visited 117 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

نجيب طلال

كاتب مغربي