غزة وضمير العالم!
عبد العلي جدوبي
ضمير العالم أصبح اليوم بعد أحداث غزة الدامية ضميرا مشلولا عاريا من الفضيلة الإنسانية، ومن إنسانية الإنسان المتحضر، وسقطت كل الأقنعة الغربية والعربية أمام ما حدث ويحدث الآن في القطاع.
تبا لهذا العالم “المتحضر” الهمجي، المتوحش الذي لا تحركه سوى عقيدة دعم القاتل والمجرم، والتنكيل بالمظلوم، فلا دين ولا أخلاق ولا قيم كلها شعارات زائفة لمسها الجميع بعد أزيد من ثمانية أشهر من عمليات التقتيل الممنهج.
الغرب يؤكد في أسطواناته المشروخة “حق اسرائيل في الدفاع عن النفس”، وتعتبر المقاومة الفلسطينية إرهابا! فيهود بولندا مثلا قاوموا النازية، ولم يصنفهم الغرب إرهابيين! أمريكا نفسها قاومت الاستعمار الانجليزي ولم تسجل في تاريخ هذه المقاومة كحركة إرهابية! والغرب الآن يقف ككتله واحده تبارك تدمير شعب بكامله سلبت منه أرضه وقتل أطفاله وشيوخه ويتهم مقاومتهم بالإرهاب..!!
لقد امتلأت شاشات تلفزيونات في كل العالم بالدم وبأشلاء الأطفال المتطايرة، وتحجرت الدموع في عيون المشاهدين، وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء، وهي تقف عاجزة أمام المذابح اليومية، والجرائم البشعة التي يندى لها الجبين أمام مرأى ومسمع العالم المتحضر، الذي ثبت على مدار الـ 24 ساعه يوميا، وهو ما يؤكد أن ما يطلق على تسميته بـ”المنتظم الدولي” قد فقد منذ عدة سنوات السيطرة على الأزمات الدولية، وباتت محاولته لإيجاد حل النزاعات والأزمات مجرد أوهام أمام الغطرسة الأمريكية والفيتو الامريكي.
فالحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة حسب مراقبين، هي في الأساس حرب أمريكية بريطانية وبدعم متواصل من فرنسا وألمانيا، الهدف منها تهجير شعب بكامله والقضاء على المقاومة الفلسطينية، وقد لاحظنا أن الولايات المتحدة الأمريكية التي استعملت حق الفيتو في مجلس الأمن أكثر من مرة لدعم الكيان الصهيوني في مواصلة الحرب وقتل الفلسطينيين، فهي لم تكن جادة في مسعاها السلمي، وإلا لوضعت حدا للمجرم نتنياهو، وأمرته بالتوقف عن العدوان! لكنها لم تفعل ذلك لاعتبارات السياسة الداخلية الإسرائيلية، وايضا تجنبا للصورة المخيبة للجيش الإسرائيلي والتي قد يكون لها أثرها الرجعي على صورة واشنطن الداعمة لتل أبيب بكل الأسلحة الحديثة والمتطورة.
فأمريكا الداعمة لإسرائيل على إبادة شعب غزة، فهي ايضا من تخوض حروبا شرسة عديدة في كل من اليمن والعراق وسوريا.. فالسياسة الأمريكية الإسرائيلية كلها ليست سوى لعبة لتوزيع الادوار والمواقف عسكريا وإعلاميا..
سياسة البيت الأبيض ترتكز بالأساس على التلاعب بالكلمات، واستبدال العبارات بأخرى، في كل التصريحات حسب الغرض المطلوب، وتستخدم مصطلحات خاصة، فتارة يتم التلويح بضرورة حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية، وفي الوقت نفسه يتم العمل على إجهاض كل المبادرات الإيجابية من أجل ولادة الدولة الفلسطينية سرا وعلنا.
يقول وزير الخارجية الأمريكي طوني بلينكن أن إدارة بلاده تعمل “للحد” من قتل المدنيين الفلسطينيين في غزة، ولكنه لا يطالب بإيقاف اطلاق النار! أما مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سولفان فيقول إن الإدارة الأمريكية تعمل على مدار الساعه على وقف إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وليس لإيقاف الحرب وحماية المدنيين الفلسطينيين، وإيقاف نزيف إزهاق الأرواح!!
وفي كل خطاباته يؤكد الرئيس الأمريكي جو بيدن من جانبه دعمه المطلق لإسرائيل..
أما في العواصم العربية فتشكل علاقات هذه الدول مع إسرائيل، الآن وأكثر من وقت مضى، هاجسا أساسيا حول مدى ثقتها في قدرات تل ابيب على ضمان سلامة وأمن الدول الحليفة معها، والمطبعة، بعدما افتقدتها المقاومة الفلسطينية توهجها الواهن في الهيمنة، وبعدما عرى “طوفان الأقصى” حقيقه “قوة ” الكيان الزائفة.
Visited 56 times, 1 visit(s) today