الحسناء والكبش

الحسناء والكبش
عبد الرحيم التوراني
 
    ولأنها كانت فاتنة الجمال سعى للزواج منها.
ولأنه كان من أهل الغنى واليسار حصل له ما أراد.
ولأنها كانت فقيرة سعت إلى الثراء السريع، فتحقق لها في غمزة عين كل ما ابتغته من الدنيا.
ولأنه كان مسحورا بجمالها، اختار مناداتها دائما بـ”ساحرتي”. أما هي، فكانت لا تناديه إلا بـ”مسحوري”، ثم تسترسل بغباء في ضحكة ساخرة، ليسايرها هو، ضاحكا مزهوا بحبها وبرضاها، مثل من يكاد يطير فرحا.
ثم فجأة صارت غنية، أما هو فأصبحت هي كل ثروته، وكل ما يملك.
ولأنها في بداية هذه القصة، لم تكن تحب سوى ما كان يملكه، بدأت تخطط للانفصال عنه وتركه.
    في البداية حولته إلى قرد، فتملكها غضب لما وجدته طيعا سهل الترويض ومبهجا، بل أذهلتها حركاته ورقصاته، وما باتت تحس به من رنين عاطفي جذاب تجاهه.
ثم حولته إلى كلب، أمعنت في إهانته وفي تجويعه، فلم يصدر منه غير الوفاء والولاء، كلب ذكي يفهم من نظرتها وإشارتها ولغتها الجسدية ما تحبه وما لا تحبه.
    بعدها جربت مسخه إلى حمار، وبغل، وأرنب، وخنزير، وسنجاب… وغيرها من الحيوانات ذوات الأربع أو الزاحفة.
كانت غايتها أن تجعل من مسحورها يعاني أكثر ما يمكن من المعاناة، من شدة الخوف والقلق والألم والضياع وكره الذات، ويتخلى إراديا عنها.
لكنها لم تفلح ولو مرة في التخلص منه وتحقيق مبتغاها.
    خلال هذه المدة اكتشفت أن جميع أهل القرية باتوا يخافونها وينادونها بـ”الساحرة”. وانتقاما منهم قررت مسخهم كلابا ضالة، ولجأت إلى مسخ مسحورها قطا رمته للكلاب الضالة كي تنهشه، لكنها فوجئت بصداقة كبيرة وانسجام مثير بين زوجها وناس القرية. لذلك انتشلته من بينهم وعادت به إلى البيت لتمسخه هذه المرة كبشا، تعتني بتسمينه كي تذبحه في صباح عيد الأضحى.
لما حل يوم العيد تراجعت عن ذبح زوجها، بعدما اكتشفت أنها صارت متعلقة به، أصبح يبدو في عينيها سمينا وكبشا وسيما. اقتربت منه لتعانقه فقام بنطحها نطحة قوية أسقطتها أرضا. حاولت أن تنهض فألفت نفسها قد تحولت إلى حمار وبغل، ثم إلى أرنب وخنزير وسنجاب، وإلى قطة، ولما هربت خارج البيت وجدت أهل القرية لا يزالون كلابا ضالة، هاجموها، لكنها أفلتت منهم بمعجزة قبل أن يمزقوها أشلاء.
أطل الزوج الكبش من شرفة البيت، وشاهد ما حصل لساحرته، فتألم وبكى على مصيرها بكاء مرا. بعدها توجه إلى المصلى لأداء صلاة العيد، كان جميع المصلين أكباشا ونعاجا.
    وهو عائد من المصلى مستسلما لمصيره، شاهد على الرصيف المقابل نعجة محجبة. قال في سره:
– لو كان الإله يحبني حقا.. لزوجني من هاته النعجة الفاتنة.
وتمتمت هي من خلف نقابها:
– لو كنت محظوظة حقا.. لفزت بهذا الكبش الوسيم السمين.
    وما أن رفعت النعجة عيناها حتى التقت بعيني الكبش، كانا معا يركبان في مركبة “هوندا” صغيرة، وسمعا الراكب جنب السائق يرشده بالتوجه إلى “درب كناوة”، ويحثه على الدوس على مكبح السرعة قائلا:
– لقد تأخرنا، ولا شك أن الملك ذبح وانتهى.
التفتت النعجة إلى الكبش خائفة مذعورة، وقالت له:
– جابْ ليا الله بْحالْ اللّي كنحلم أو مسحورة! (يهيؤ لي كأني أحلم أو أصابني سحر!).
رد عليها الوسيم السمين:
– أنا مثلك أيضا يا ساحرتي.
Visited 20 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد الرحيم التوراني

صحفي وكاتب مغربي، رئيس تحرير موقع السؤال الآن