الدبلوماسية الدولية وفتيل الحرب في الجنوب اللبناني

الدبلوماسية الدولية وفتيل الحرب في الجنوب اللبناني

أحمد مطر

       بخلاف ما كان الوضع عليه في المواجهات المحتدمة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي منذ 8 أكتوبر-تشرين الأول، بدأت الجبهة الإسرائيلية مع الجنوب اللبناني تشكل مصدر قلق عسكري وسياسي، على إيقاع التصعيد النوعي الذي ساد الجبهة في الأيام الأخيرة، وتجاوزت العمليات اليومية المناطق الحدودية إلى أهداف في العمق على جانبي الجبهة، مما أثار المخاوف باندلاع حرب شاملة، وجاء تحرك البيت الأبيض السريع بإيفاد الوسيط آموس هوكشتاين إلى تل أبيب وبيروت، لتطويق الاحتمالات المتفجرة، والعمل على تبريد الجبهة، طالما من المتعذر التوصل إلى اتفاق لوقف النار، قبل وقف الحرب على غزة.
    زار هوكشتاين لبنان وإسرائيل أكثر من مرة، لتنفيذ المهمة المكلف بها، مستفيدا من خبرته وعلاقاته مع الطرفين، عندما تولى التوسط لإنهاء الخلاف على الحدود البحرية بين الدولتين في السابق، ونجح في التوصل إلى اتفاق نهائي لترسيم الحدود البحرية الدولتين.
    ترددت معلومات مفادها أن هوكشتاين، حقق تقدما في مهمته واستطاع وضع مسودة اتفاق، لإنهاء المواجهة العسكرية وإعادة الوضع إلى طبيعته، إلا أن ما يؤخر ذلك ، إصرار حزب الله على ربط الموافقة على أي اتفاق، بإنهاء حرب غزة أولاً.
    من الواضح أن هوكشتاين الذي استهل جولته بزيارة إسرائيل، حمل في جيبه رسالة أميركية واضحة بضرورة تبريد الجبهة مع لبنان، وهو أطلع رئيس الحكومة الإسرائيلية على مخاطر توسع إطار هذه الجبهة، في ظل رغبة الرئيس جون بايدن بوقف هذه الحرب لغايات سياسية تتعلق بالانتخابات الأميركية بالدرجة الأولى، وثانيا بفعل انشغال واشنطن بما يجري بين روسيا وأوكرانيا.
    تختصر المواقف التي أطلقها كبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين بعد لقائه عدداً من المسؤولين، خلال زيارته الطارئة إلى بيروت، خطورة الأوضاع العسكرية على جانبي الحدود، والتي باتت قاب قوسين من الخروج عن السيطرة، في ظل ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية ضد حزب الله والمطالبة بخروجه من منطقة جنوب الليطاني. وقد بدا واضحاً أن واشنطن التي تنظر بعين القلق الشديد من انفجار واسع بين لبنان وإسرائيل، وضعت كل ثقلها من أجل خفض حدة التصعيد على الحدود. وفي دلالة واضحة على الدور الذي ينتظر الجيش اللبناني على الحدود، فقد استهل هوكشتاين محادثاته بلقاء قائد الجيش العماد جوزف عون، ومن ثم التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حيث استحوذت تطورات الأوضاع المتفجرة في الجنوب، على محادثات المسؤول الأميركي مع هذه القيادات. 
وفي حين شدد هوكشتاين، على أن الوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل في غاية الخطورة، ونسعى لوقف التصعيد تفاديا لحرب كبيرة، مشيراً إلى أن النزاع المستمر حول جانبي الخطّ الأزرق استمر طويلاً، ومن مصلحة الجميع وقف النزاع، والوضع دقيق جدا في لبنان. فقد سرت معلومات أن مستشار الرئيس الأميركي أبلغ من التقاهم أن بلاده قلقة للغاية من احتمال حصول انفجار واسع بين لبنان وإسرائيل، إذا لم يبادر الطرفان إلى اتخاذ خطوات لخفض التصعيد القائم. وأشارت المعلومات، إلى أن واشنطن لا تضمن بقاء الوضع تحت السيطرة، إذا لم تتخذ خطوات جدية لوقف التصعيد، وبما يفسح في المجال أمام عودة المدنيين. 
    وعلى الرغم من أن الأجواء التي سادت لقاءات هوكشتاين مع المسؤولين اللبنانيين، أشارت إلى أن الوضع قابل للتهدئة على الرغم من التصعيد الاخير بين حزب الله وإسرائيل، إلا أن الوسيط الأميركي كان واضحاً في ما نقله عن قيادات جيش الاحتلال من تهديد صريح، بأن استخدام القوة قد يكون أمراً لا مفر منه، إذا أخفقت الدبلوماسية، لإبعاد حزب الله عن الحدود. وعلم أن هوكشتاين حمل معه في جولته رسالة إسرائيلية شديدة اللهجة وأكثر خطورة من الرسائل الماضية، بضرورة التفاوض ووقف إطلاق النار على الحدود وإلا فإن التصعيد سيصبح حتميًا.
    وإذ كشفت المعلومات أن الوسيط الأميركي أبلغ من التقاهم أن مصلحة لبنان في التزام التهدئة وعدم الإصرار على ربط مصيره بما يجري في غزة، فإنه بعث برسائل إلى حزب الله عبر الرئيس بري، بضرورة الاستجابة لمساعي التهدئة، وعدم جر لبنان إلى حرب واسعة، قد لا يكون لواشنطن التأثير على وقف تمددها، في حال أخذت إسرائيل قراراً بشنها ضد لبنان، إذا استمرت المواجهات. وعلم أن الجهود الأميركية التي يقودها هوكشتاين، تركز على وقف الاعمال العسكرية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، وفقاً لما يقوله القرار 1701، توازياً مع عودة آمنة لسكان المناطق الحدودية على الجانبين اللبناني والإسرائيلي. 
    كذلك العمل على انتشار الجيش اللبناني في المناطق الحــدودية وعلى الحدود بعديد يبلغ حوالي 15 الف عسكري جنوب الليطاني، ما يستلزم تعزيزه بحوالي 5 آلاف ضابط وجندي بتجهيزات كافية، بالتنسيق والتعاون مع قوات اليونيفيل، وعلم أن هناك جهوداً أميركية فرنسية تبذل من أجل الاتفاق على تثبيت النقاط الحدودية الـ 13 المختلف عليها بين لبنان وإسرائيل، مع العلم أن هناك 7 نقاط منها حسمت لصالح لبنان وبقيت 6 نقاط يطالب ويؤكد عليها لبنان منها نقطة B1. كذلك سيتم البحث من أجل تأمين منطقة خالية من الوجود العسكري لحزب الله بعمق 8 كيلومتر أو أكثر بقليل عن الحدود الجنوبية، فيما يشدد لبنان على التزام إسرائيلي الكامل بتنفيذ القرار 1701، إضافة إلى استعادته تلال كفرشوبا والغجر ومزارع شبعا، ووقف الاعتداءات والخروقات الإسرائيلية.
    ختامًا هذا الوضع المريب، والحافل بشتى عوامل التأزم، وضع الحزب، ومعه كل لبنان، أمام خيارين لا ثالث لهما: إما استخدام العقل والحكمة واعتماد الجهود الديبلوماسية الدولية سبيلاً للحل السياسي وترسيم الحدود الجنوبية، وإحباط مخطط نتانياهو. وإما اللجوء إلى استخدام العضلات العسكرية، والانزلاق إلى حرب مفتوحة مع العدو الإسرائيلي، مع كل ما يحمله هذا الخيار من مخاطر القضاء على البقية الباقية من مقومات صمود اللبنانيين في هذه المرحلة الصعبة.
    يبقى السؤال لمن ستكون الغلبة لأهل الحكمة والعقل، أم لأصحاب العضل وخيار المواجهة العسكرية المفتوحة.
 
ما بعد بعد حرب الاسناد 
    إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخشى انتهاء الحرب، لأنه، بانتهائها سينتقل من غرفة العمليات إلى قاعة المحكمة، فإن في لبنان مَن يخشون انتهاء الحرب، لأنهم سيجدون أنفسهم وجهاً لوجه مع شعبهم وبيئتهم، وسيجدون أنفسهم في قفص الاتهام لأنهم سيُسألون وسيخضعون للمساءلة تحت عنوان ماذا حققت لنا حرب الإسناد.
    لن يستطيع أحد هذه المرة أن يقول: إننا انتصرنا، فالمعني الأساسي في هذه الحرب، حركة حماس لم تنتصر، فإذا كان الأصيل لم ينتصر، فما هي حال المسانِد.
من دون مسايرة، عملية طوفان الأقصى لم تكن حرب حزب الله، فهو قال في بداية الأمر إن وحدة الساحات، والمقصود غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران، سيتم تفعيلها، لكن شيئاً من هذا لم يحصل، فتحت جبهة جنوب لبنان، وأقفلت جبهة الجولان، وغابت جبهة العراق، وفُعِّلت جزئياً جداً جبهة إيران، وكانت جبهة اليمن جبهةً عن بعد، فلم يبقَ في الميدان سوى حزب الله، وكان تحريك مدى قوّته النارية يأتي من طهران، إما عبر وزير الخارجية الراحل حسين أمير عبد اللهيان، وإما من خلال وزير الخارجية بالوكالة الذي زار لبنان أخيراً.
    مهما يُقال من كلام، يستشَفّ منه رفع المعنويات وتأكيد النصر الآتي من دون أن يقال كيف، فإن ما بعد بعد الحرب أصعب بكثير على حزب الله، مما هو عليه الوضع أثناء الحرب، فحتى لو انتهت الحرب اليوم، كيف سيبرر الحزب سقوط أكثر من أربعمئة مقاتل من قوات النخبة وغير النخبة لديه، كما كيف سيبرر هذا الدمار الهائل الذي لحق بالجنوب في الشهور الثمانية من الحرب، ما هو معيار هذا الانتصار المكلِّف، إلى اليوم، في الخسائر في الأرواح والممتلكات، لعلّه من الأفضل لحزب الله أن تستمر الحرب من دون مساءلته، على أن تنتهي وتبدأ مساءلته.
    في حرب تموز 2006، ومع أن حزب الله هو الذي أعطى الذريعة لإسرائيل لشنها، فإنه لقي تعاطفاً، وكان بإمكانه أن يتحدّث عن انتصار، أو على الأقل عن عدم هزيمة، لأنها كانت حرباً بينه وبين إسرائيل، ولم تتدخل أي دولة أخرى أو حركة أخرى أو حزب أو تنظيم آخر في إسناده في حربه، وفي عرقلة الخطة العسكرية لإسرائيل. تحدّث «الحزب عن انتصار، واستثمر فيه إلى آخر درجات الاستثمار، لم يكن أحد قادراً على مناقشته في انتصاره .
اليوم الوضع مختلف، الحرب منذ السابع من أكتوبر- تشرين الأول 2023، لم تكن حربه، والإسناد الذي قدّمه لـ حماس، لم يخدمها في شيء، ها هي غزّة مدمّرة، والمعركة تدور في آخر جيب، فيها، رفح.
    حرب تموز 2006 دامت ثلاثة وثلاثين يوماً، حرب الإسناد دخلت شهرها التاسع، وليس في الأفق ما يشير إلى قرب انتهائها، وفي كل يوم تأخير، يتضاعف الصداع السياسي لدى حزب الله، بسبب صعوبة إيجاد المبررات، الفعلية وليس الكلامية، لِما أقدم عليه، خصوصاً أنها أطول الحروب، حتى أن حرب 1982 واجتياح بيروت، لم تدم طول هذه المدة .
    هل كان الدخول في هذه الحرب مغامرة غير محسوبة النتائج، هل يتهي بحزب الله انتهاءها، أي انتصار سيعلنه، وهل يتحمّل إعلان الهزيمة، نهايات الحروب أقسى بكثير من بداياتها.
Visited 70 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني