لهذه الأسباب كلها اغتالوا جورج حاوي

لهذه الأسباب كلها اغتالوا جورج حاوي

 علي أحمد مراد

       من سمات الاغتيال السياسي في لبنان أنه غير متوقع. يقع الحدث ومن بعده يبدأ التحليل في محاولة لفهم اسباب اختيار الشخص والتوقيت.

تحليل لا طائل منه ربما بعد وقوع المحظور، لكنه أمر يفرض نفسه على تفكير كل واحد منا. هذا هو حال كل من استهدف في السنوات الأخيرة.

لكن اغتيال جورج حاوي يبقى الأكثر غرابة… أو ربما خلاف ذلك!   

جورج حاوي جرى اغتياله، ليس فقط من أجل ماضيه، ليس فقط من أجل دوره المستقبلي في مرحلة ما بعد انسحاب النظام السوري، ليس فقط لأنه يعرف الكثير، لكنهم اغتالوه من أجل كل ذلك.

في المقابل، هنالك عقل مصر على تجهيل قاتل جورج حاوي، وكذلك كل الاغتيالات السابقة واللاحقة.

غير صحيح أن “النظام الطائفي” هو من اغتال جورج حاوي، كما صرّح أحدهم. جورج حاوي اغتيل ضمن مسار اغتيالات واضح، معروف كيف بدأ ومتى توقف وكيف توقف. في حينه موقف جورج كان حاسما وواضحا، لا بل قاله بمنتهى الوضوح من مكان اغتيال سمير قصير قبل ثلاث اسابيع على استشهاده.

حق كل إنسان أن لا يوافق مع خيارات أبو أنيس، كما أن لا أحد منا باستطاعته التنبوء عن مواقفه وتبدلها في حال لم يتم اغتياله. لكن يبقى أن جورج حاوي في لحظة اغتياله كان في موقع المواجه والمتناقض مع النظام السوري وأدواته اللبنانية. وأي تحريف لهذه اللحظة، هو كذب ورياء وإن أتى ممن نصّبوا أنفسهم آمنين على إرثه، من باب القرابة العائلية أو غير العائلية.

لم يكن جورج شخصا عاديا، ذكاء حاد، صاحب كاريزما منذ طفولته، شجاع، لمّاح، مناور، متلاعب، يسحر (أو فلنقل يستلب) محاوريه.

من الصعب الحكم الموضوعي والنقدي على الأشخاص بعد رحيلهم، فكيف إذا كانوا قد سقطوا شهداء!؟

كيف نحكم على جورج حاوي وهو كان من صناع مرحلة طويلة من تاريخ اليسار والشيوعية في لبنان والمنطقة، ومشارك في القرار السياسي في مرحلة طويلة من تاريخ لبنان؟

هل نحاسبه على الماضي، بالنظر إلى ما آلت إليه الأمور اليوم فنظلمه؟ أو نحكم عليه بالنظر إلى ظروف المرحلة بكل تعقيداتها ومخاطرها.. فنبرر له؟

لا هذا ولا ذاك. الحكم لن يكون عادلاً كيفما نظرنا لها

 جورج حاوي هو جزء من تاريخنا الجماعي والفردي، بكل ما له وما عليه. جورج حاوي الذي خاض بشجاعة مواجهات بدت مستحيلة في وقتها فأطلق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في لحظة الهزيمة الكبرى، وناور في السياسة المحلية والإقليمية إلى حدود المغالاة.

في برنامج “حوار العمر” لجيزيل خوري مع جورج حاوي، كان أول سؤال في الحلقة هل “بتغرين” بلدة جورج حاوي أو ميشال المر؟ كان جواب جورج: “بتغرين” لا هي بلدة حاوي ولا بلدة المر، “بتغرين” هي بلدة الشهيد ميشال صليبا أحد أبطال عملية تفجير إذاعة “صوت الأمل” التابعة لجيش لحد.

هذا الـ “جورج حاوي” بماضيه وحاضره ومستقبله، بنجاحاته وإخفاقاته، هو من أراد القاتل أن يخرجه من معادلة السياسة في مرحلة إعادة ترتيب البيت الداخلي بعد زلزال اغتيال رفيق الحريري وخروج قوات احتلال النظام السوري من لبنان تحت ضربات حناجر اللبنانيين.

المجد والخلود لذكرى جورج حاوي، أبو أنيس، المجد والخلود كذلك لذكرى فرج الله الحلو، أبطالا مناضلين سقطوا تحت ضربات الطغاة العرب

 وهنا أصل كل الحكاية.

Visited 209 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

علي أحمد مراد

أستاذ جامعي وناشط سياسي