نساء فاس بالحايك تحت عدسة غايتان غاسيان دو كليرانبو
كاركاسون- المعطي قبال
ولد غايتان غاسيان دو كليرانبو في سنة 1872 بمدينة بورج. عرفت الحقبة التي ولد فيها هزيمة فرنسا على يد القوات البروسية حيث ضمت ألمانيا منطقتي لالزاس -لورين. تنسب أصوله إلى الفيلسوف رونيه ديكارت والأديب ألفرد دو فيني. تلقى تربية محافظة لعب فيها والده الدور الأكبر في توجهه الدراسي، والتربوي حيث فرض عليه هذا الأخير دراسة القانون والتخلي عن دراسة الفنون. وإن امتثل لأوامر والده، فإنه لم يكف عن الخوض في ممارسة الفنون، بحيث سيتعاطى للرسم وكتابة الشعر. غير أن القسم الأكبر من حياته، 30 عاما، سيقضيه بالمصحة الخاصة التابعة لمقاطعة شرطة باريس. مكنه هذا الموقع من نحت مجموعة من المفاهيم التي شكلت العمود الفقري للطب النفسي، الفرنسي بل العالمي، مثل مفهوم «التلقائية العقلية». اعترف جاك لاكان بأنه يتعرف في دو كليرامبو على أستاذه الوحيد. ولربما كان جاك لاكان من وراء إعادة اكتشاف دو كليرامبو ثم شهرته فيما بعد.
إلا شهرة هذا الأخير ساهمت فيها إلى حد كبير نساء فاس اللائي لعبن دور الموديلات أمام عدسة الكاميرا التي كان «مسلحا» بها خلال إقامته بالمغرب والتي تمت على فترتين: الفترة الأولى سنة 1915 والتي استمرت لأزيد من 3 سنوات والفترة الثانية التي حل بها من أجل النقاهة عام 1919 واستمرت لمدة عام درس خلالها فنون الحايك المغربي وثوب الحرير المثير لدى بعض النساء للإثارة الجنسية، الشيء يفسر حسب تفسيره رغبتهن في سرقة كل ما يتعلق بالحرير باعتباره استعارة باذخة لكل ما هو جنسي. جاءت نصوص دو كليرانبو نيرة وشديدة الدقة. اختلفت الآراء حول عدد الصور التي التقطها لنساء فاس: فيما أشارت إليزابيث رونار، التي أعدت بحثها الجامعي عن حياة ونتاج دو كليرانبو سنة 1942 والذي يعتبر أول بحث تقييمي…
أكد سيرج تيسرون على العكس بأن عدد هذه الصور لا يتجاوز العشرة آلف صورة موزعة بين «متحف الإنسان» لو ميزيون دو لهوم ، ومتحف جاك شيراك. وكان تيسرون وراء المعرض الفني لبعض من هذه الصور والذي أقيم بمركز جورج بومبيدو . علاوة على أنه خصصت لنتاجه العديد من الأبحاث والدراسات.
يعتبر هذا البحث، «الدكتور دو كليرامبو: نظرة اخصائي نفساني أستاذ بمدرسة الفنون الجميلة. بحثا عن «الجمال المطلق» والذي يقع في 206 صفحة إضافة تكميلية لما سبق إنجازه. الهدف منه هو البحث عن الرابطة بين الصور وثنايا الثياب المغربي، وكذا عن مشغوله في مجال الاخصاء النفسي ودروسه بمدرسة الفنون الجميلة لباريس. فقد تقاطعت نظراته الإكلينيكية، الأنثروبولوجية والتكنولوجية حول إشكالية الشكل النفسي وثنايا الثياب. ويعرف عن دو كليرامبو نزوعه إلى العزلة والخلوة للاشتغال والبحث. كما أن الوسط العلمي الذي نشط به كان يتبرم منه بدافع الغيرة والحسد. كان دو كليرامبو مدققا في تسجيله وتوثيقه للصور. في تلك التي التقطها لنساء المغرب، تشكل نساء فاس اغلبيتها. وقد جاء ترتيبها بحسب المدن التي التقطها بها هذه الصور. فيما كان الإحساس السائد هو أنه التقط جميع الصور بمدينة فاس. هكذا أشار إلى العلبة رقم 7 والتي تتضمن 3030 صورة التقط أغلبها بفاس فيما جاءت الصور الأخرى من الرباط، آسفي، سلا، مكناس، الدارالبيضاء، مراكش، الصويرة، ازمور. المفارقة وهو أنه لم يقم بالمهمة التي عهدت له لما أرسل للمغرب بعد إصابته في الكتف الأيمن لما كان بالجبهة الشرقية، هذه المهمة هي مهمة الإشراف وإعادة تأهيل المصحات العقلية بمدينة فاس. بدل ذلك تفرغ للتصوير واستقبال النساء لتصويرهن في لباس الحايك التقليدي. فيما بعد أصبحت النهاية المأساوية لدوكليرامبو محط قيل وقيل في الإعلام الفرنسي وذلك على إثر انتحاره بطلقة نار حين وضع مسدسه في فمه وضغط على الزر. اعتبر البعض ان نهاية دوكليرانبو كانت مكتوبة على جبينه فيما فسر البعض الآخر هذه النهاية من شدة عزلته في بيته في مدينة مونروج بضاحية باريس.
* إمانويل دروان، الدكتور دو كليرامبو: نظرة اخصائي نفساني استاذ بمدرسة الفنون الجميلة. بحثا عن «الجمال المطلق. 206 صفحة، منشورات لارماتان.
Visited 57 times, 1 visit(s) today