أحمد جارْك.. بعيدا عن الشمس.. قريبا منها

أحمد جارْك.. بعيدا عن الشمس.. قريبا منها

 المصطفى اجْماهْـري

       عندما انتقلت من الدار البيضاء للعمل في مدينة الجديدة سنة 1976، كنت أحيانا أمر إلى عملي من شارع الجيش الملكي، حيث المحكمة الابتدائية القديمة، وفي مقابلها كانت توجد مكاتب بعض المحامين، من بينهم ذ. مصطفى وقاص، والنقيب عباس المرابط، وذ. أحمد جارك، وذ. أحمد جكاني، التلميذ السابق بثانوية الإمام مالك بالدار البيضاء التي انتميت إليها في بداية السبعينيات، وكان ذ. جكاني قد التحق بها قبلي.

ورغم مغادرتي لمحطة الإذاعة بعين الشق وانتقالي إلى الجديدة، ظل الحنين يرافقني إلى الدار البيضاء وعوالمها الجميلة، فاستمررت في الارتياد إليها، خاصة في نهاية الأسبوع، لزيارة الصديق الشاعر الميلودي بلحديوي، والقاص المعروف محمد زفزاف وعازف العود الراحل إبراهيم حراشي (أيضا من قدماء ثانوية الإمام مالك).

وفي إحدى الزيارات سألني محمد زفزاف عن سبب غيابي، فأخبرته بأنني قدمت استقالتي من محطة إذاعة عين الشق، وأنني وجدت وظيفة ثانية بالجديدة، قريبا من عائلتي. فبادرني بالسؤال:

  • وهل التقيت أحمد جارْك؟

قلت له:

  • الاسم قرأته في اللوحة المثبتة أمام مكتبه، فهو محام.

فرد علي الراحل:

  • أنا لا أكلمك عنه بصفته محاميا بل بصفته قاصا لامعا..

كان الراحل أحمد جارك، المزداد سنة 1939، قد توفي في سن مبكرة سنة 1983، وهو لم يبلغ بعد الخمسين عاما. ولم يكن معروفا بالجديدة سوى عند من يعنيهم الأمر. فقد كان  يعيش في الظل، بعيدا عن الأضواء وعن الإعلام، وبالتالي لم يكتب لي أن أتعرف عليه وقتذاك، أو أن ألتقيه في قراءات ثقافية أو في إطار جمعيات أو ما شابه. بل لم يكن نهائيا معروفا بالجديدة ككاتب أو قاص ليس لضعف باعه، بل لأنه سرعان ما توفي بالجديدة، ثم لأنه لم يصدر مجموعة كاملة، كما أن المهتمين بالكتابة وقتها في هذه المدينة كانوا يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة.  

وكان الصديق مبارك بيداقي قد جالس أحمد جارك مرة واحدة في إحدى مقاهي الجديدة، بدعوة من صديقهما المشترك المحامي مصطفى وقاص، الذي كان زميله وشريكه في مكتب المحاماة. وخرج من ذلك اللقاء، كما قال لي، بانطباع أن المرحوم يتوفر على ثقافة أدبية موسوعية ويهتم كثيرا بالجانب الفكري.

وإذا كان أحمد جارك وقتها مجهولا كأديب بالجديدة، فلأنه ترك وراءه أصدقاءه الأدباء والكتاب بالدار البيضاء نحو دكالة. وقد حدثني الراحل محمد زفزاف عن جارك بكثير من التقدير والتنويه. وكان الراحل جارك صديقا أيضا للقاص البشير جمكار والروائي أحمد المديني، والشاعر أحمد الجوماري صاحب ديوان “أشعار في الحب والموت”، وإدريس الخوري.  وكثيرا ما كانت المجموعة تلتقي في “لابريس” بالمعاريف أو بإحدى المقاهي القريبة من سينما الكواكب، كما قيل.

إدريس الخوري أشار إلى جارك في مقالة له بموقع “السؤال الآن” (21 فبراير 2023)، يشير فيها إلى أن قلة من يعرفون هذا القاص البعيد عن الشمس، إذ يقول: ” أحمد جارك (من يعرفه؟) لقد نشر هذا السوسي الجميل الأنيق في لباسه وفي خطه المشرقي وسلوكه الإنساني الراقي، نصوصا لافتة في كل من “العلم” و”الآداب”.

كان أحمد جارْك ينشر القصة القصيرة بجريدة “العلم”، وهو يعد من بين أوائل الكتاب المغاربة الذين نشر لهم سهيل إدريس في مجلته “الآداب” والتي نشر فيها جارك قصته “درهم السل”، قبلما ينشر فيها محمد شكري، وذلك في العدد السادس، الصادر في يونيو من سنة 1963. وشارك في نفس العدد المسرحي السوري المعروف سعد الله ونوس والكاتبة العراقية المعروفة ديزي الأمير. وترجمت القصة إلى اللغة الروسية وأصبحت مقررة، في فترة معينة، في بعض المناهج.

في عدد مجلة “الآداب” الموالي، وكما جرت عادة المجلة، فقد خصصت ركنا نقديا تحت عنوان “قرأت العدد الماضي” قدم فيه القاص أبو المعاطي أبو النجا رأيه في قصص عدد يونيو ومنها قصة “درهم السل”. ويظهر من خلال قراءة الناقد المصري بأن القصة لم تعجبه مادامت، حسب قوله، لم تأت بتصور جديد، فهو يرى بأنها “ليست قصة رديئة ولكن هذا لا يكفي الآن”، كما يقول.

وأخبرني الصديق محمد صوف بأن فرع اتحاد كتاب المغرب بالدار البيضاء، أيام كان كاتب الفرع في الثمانينيات، نظم للفقيد أحمد جارك لقاء احتفائيا بعد وفاته، تكلف بتنظيمه ذ. أحمد زيادي. وفي هذه المناسبة قرئ نص للراحل سبق نشره في العلم تحت عنوان  “يوسف في الجب”.

والملاحظ أن اسم الراحل لا يرد في الأحاديث والحوارات والدراسات، كما لم يرد ضمن أنطولوجيا القصة القصيرة (الصادرة سنة 2004)، وذلك بالنظر لكون وفاة الراحل مضت عليها ثلاثة عقود وكذا لكونه لم يترك عملا مطبوعا يسهل الاطلاع على إبداعه.

رحم الله المبدع الفقيد.

Visited 78 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المصطفى اجماهري

كاتب وناشر مغربي