تحييد على شكل ترقية: تعيين السنوار في قيادة حماس

تحييد على شكل ترقية: تعيين السنوار في قيادة حماس

نضال آل رشي 

      بعد أكثر من 300 يوم على بداية العدوان اللإسرائيلي الغاشم على قطاع غزّة، كرد فعل انتقامي على أحداث السابع من أكتوبر، قامت إسرائيل باغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة طهران.

وعلى إثر هذا الحدث ووسط التخبط الذي تعيشه الحركة بين الداخل والخارج، منذ صباح السابع من أكتوبر وانتشار الحديث أكثر فأكثر عن وجود انقسام داخلي حتى وإن غير معلن، قررت الحركة في مطلع الأسبوع الجاري تعيين يحيى السنوار رئيس الحركة في قطاع غزّة وأحد أبرز قادة أحداث السابع من أكتوبر خلفاً لهنيّة في قيادة المكتب السياسي للحركة.

هذا التعيين ألقى بظلاله على المشهد العام واستدعى ردود أفعال داخلية وخارجية كان أبرزها الموقف الغربي المدين لهذا الاختيار باعتباره تصعيداً وموقف محور الممانعة الداعم له باعتباره الرد الأمثل على جريمة اغتيال هنيّة.

ولكن بعيداً عن التصعيد والمزايدات وفي حين لا يزال من غير الواضح إن لم يكن من المستحيل للسنوار أن يقوم بمهامه الجديدة وسط حرب الإبادة الدائرة في القطاع ووجوده (المحتمل) حتى الآن كشاهد أخير على بقايا ما حفره من أنفاق طيلة السنوات الماضية، لا يسعنا إلى التفكير في بعض الفرضيات المحتملة لتأويل قرار الحركة وديناميات العمل في المرحلة القادمة وكيف قد يكون الجناح المعارض للسنوار بهذا القرار قد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد:

خليل الحيّة رئيس الظل للمكتب السياسي:

    قد يكون خليل الحيّة هو كلمة السر وسط كل هذه الضوضاء الإعلامية. فالسياسي المخضرم ابن حي الشجاعية الفاقد لـ 19 شخصاً من عائلته في محاولتي اغتيال منفصلتين ومسؤول ملف المفاوضات الدائرة حالياً، النائب في المجلس التشريعي وعضو المكتب السياسي للحركة والأهم من هذا وكله بأنه نائب يحيى السنوار في رئاسة الحركة في قطاع غزة طوال السنوات الماضية وخط الاتصال المفتوح بين القيادتين في الخارج والداخل والرجل الأول لخالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي، لابد أن يكون الأقدر على قيادة الحركة وسط هذا التسونامي ومحاولة الرسو بها على شاطئ ما بأقل الخسائر الممكنة.

وبينما يكون الحيّة متفرغاً لإدارة الحركة من الدوحة حيث يتمتع بحماية لا تجرأ إسرائيل على اجتيازها حتى لو استطاعت على الأقل في المرحلة الحالية، ستكون إسرائيل والعالم مشغولين بملاحقة رئيس الحركة (على الورق) السنوار في إنفاق القطاع أو في الخارج على أمل اصطياده وغسل العار الإسرائيلي الذي تسبب به في السابع من أكتوبر.

خروج السنوار من غزّة:

    لربما يكون تعيين السنوار رئيساً للمكتب السياسي للحركة إيذاناً بخروجه من القطاع المدمر. فلطالما كان العُرف عند الحركة أن يكون رئيس المكتب السياسي خارج فلسطين. هكذا كان الحال في فترة خالد مشعل واستمر بعد تعيين إسماعيل هنية خلفاً له في العام 2017 حيث خرج هو الآخر من القطاع إلى الدوحة.

 بالتالي حتى لو لم يكن خروج السنوارعلنياً أو لم يكشف عنه في الأمد القريب إلا أنه على الأقل في حال الكشف عنه في المستقبل أو تسريب نبأ حدوثه من قبل صديق أو عدو، لن يكون مدعاة لتخوين الرجل أو اتهامه بترك أرض المعركة لإنه تقليد متعارف عليه وليس خروجاً على أي قاعدة شرعية أو شعائرية وبالتالي سيكون خروجاً مشرفاً إلى حدٍ ما.

خروج السنوار لا يعني قدرته على مماسة مهامه رئيساً للحركة، فالرجل بدون مبالغة في ظل الرغبة الإسرائيلية الأمريكية بالإجهاز عليه يعتبر ميت يمشي على الأرض، وعليه فبعد أن كان حبيس الأنفاق البيتونيّة في غزّة سيغدو أينما استقر به الحال حبيس الإجراءات الأمنية بالغة التعقيد.

ليس خفيًّ على أحد بأنه ليس هنالك الكثير من الدول الراغبة في استقبال السنوار علناً أو سراً فهي بذلك تضع على نفسها إشارة هدف للموساد الإسرائيلي عدا عن العقوبات ومطالبات التسليم سواء للولايات المتحدة أو حتى من المحكمة الدولية.

إلا أن وجوده بشكل “سرّي للغاية ” أو ” سرّي للغاية متفق عليه ” في إحدى “الدول المارقة” كما يحلو للولايات المتحدة الأمريكية تسميتها قد يبدو سيناريو غير مستبعد وخاصة في ظل تجارب سابقة مثل وجود كبار قيادات تنظيم القاعدة في إيران وأبرزهم سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان) القائد الفعلي لتنظيم القاعدة حالياً و المتهم بالضلوع في تفجيرات السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا عام 1998 وحمزة بن لادن أحد أبناء أسامة بن لادن و الذي عاش في إيران مع عائلته منذ عام 2002 رغم الأخبار المتداولة عن أنه غادر إيران في السنوات الماضية.

وبالتالي قد تغدو الخطوة القادمة في حال الخروج هي المنفى الأبدي حيث يعيش مع عائلته بسلام بانتظار الموت الطبيعي أو الاغتيال بعيداً عن المهام السياسية الصوريّة المنوطة به.

قيادة جديدة للحركة في القطاع:

    رغم مقدار العنف غير المبرر الذي تستخدمه القوات الإسرائيلية في القطاع والذي أدى حتماً لانهيار كافة الخدمات إلا أنه من الواضح أن ما يمكن أن تقوم به الكوادر المدنية والتي تشكل العدد الأكبر أعضاء حماس في القطاع أكبر بكثير مما قامت وتقوم به حالياً.

 فكونها المجموعة الأكثر تنظيماً وتمويلاً ووصولاً يضع على كاهلها على الأقل مسؤولية تنظيمية للسكان الذي يظهرون منذ أكثر من عشرة أشهر هائمين على وجوههم وبلا قيادة مما يظهر فشل السنوار شخصياً في التحضيرات على المستوى المدني لما قبل وما بعد العملية.

يبدو بديهياً أنّ ما قامت به الحركة يوم السابع من أكتوبر أكبر بكثير مما قام به حزب الله عام 2006 في حادثة خطف الجنود الإسرائيليين، وكلنا يعرف كيف كانت ردة الفعل الإسرائيلية المدمرة على لبنان بشراً وحجراً والتي دفعت لاحقاً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى القول ” لو كنت أعلم “.

وبالتالي أي عاقل يفكر في عملية مشابهة لا بل ذات نطاق أوسع لابد أن يأخذ في الحسبان كيفية التصرف بناءً على أسوأ السيناريوهات الممكنة. على العكس من ذلك فكل ما شاهدناه على المستوى المدني منذ الثامن من أكتوبر وحتى اليوم لم يتعدى التخبط والقرارات العشوائية وليدة الساعة وانفصال تام بين الحركة والمدنيين خاصةً وأنّ جيش الاحتلال غير موجود على الأرض في أغلب مناطق القطاع. بالتالي كان هذا محط فشل ذريع يضع السلطة المدنية التابعة لحماس و على رأسها السنوار في خانة سبب إضافي للمقتلة الحاصلة في القطاع حيث أنه و منذ استلامه للسلطة أعطى الأولوية لكل ما هو أمني و عسكري على ما هو مدني الشيء الذي قد يبدو مقبولاً نسبياً في ظل الاحتلال و لكن ليس بهذه الحدّة التي بدت عليها الأمور حيث بدا أن الميزان غارق في الميلان إلى حد الإهمال التام.

وبناءً عليه فإن قيادة مدنية جديدة قد تكون أمراً هاماً لقيادة المدنيين في الوقت الحالي ولقيادة الحركة في المرحلة القادمة أو ما يسمى “باليوم التالي” والذي وبغضّ النظر عند شكله النهائي سوف يتطلب طريقة عمل مختلفة كليّاً عن الطريقة التي انتهجتها حماس منذ ما بعد أوسلو وحتى يومنا الحاضر.

ختاماً، يبقى ما سبق مجرد فرضية ورأي خاص قد تضرب بهما الأيام القادمة عرض الحائط، فبعد السابع من أكتوبر لن يفاجئنا أن تقوم حركة بإيديولوجيا وعقلية حماس بتعيين السنوار في هذا المنصب عن قناعة تامة وأمل لا يشوبه ذرة شك في أنّ مستقبل الحركة مشرق كالشمس وأن الأمور سترجع أفضل مما كانت عليه وعندها سيكون الشيء الوحيد المؤكد هو أن اختيار السنوار ورغم كونه تحدٍّ لإسرائيل إلا أنه تحدٍّ لجزءٍ لا يستهان به من الفلسطينيين في القطاع والضفة والداخل والشتات و لغير الفلسطينيين من المؤمنين بهذه القضية، والذين وبالرغم من تفرغهم التام منذ السابع من أكتوبر للتظاهر والضغط وفضح جرائم الاحتلال والتعريف بالقضية الفلسطينية، فهم لا يشاركون حماس ولا السيد السنوار الرأي فيما فعله صبيحة ذلك اليوم ويدعمهم في ذلك بديهيات المنطق و اختلال موازين القوى و أكثر من مئة ألفٍ بين قتيل وجريح وعشرات الآلاف من المفقودين ومثلهم من المعوّقين وكل الأطفال الجوعى وكل الثكالى وأحجار غزّة وحتى العصافير.

Visited 68 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

نضال آل رشي

كاتب وباحث