شوقي ضيف.. مكتبة متنقِّلة (1-2)

شوقي ضيف.. مكتبة متنقِّلة (1-2)

سعيد بوخليط

       إبَّان أولى أيام التحاقي بكلية الآداب، دارسا للغة العربية، وقد مرَّت الآن أكثر من أربعة وثلاثين سنة على تلك الفترة، وأنا أحاول استكشاف طبيعة الأجواء الجديدة، والسعي إلى سبر أغوار  بعض خبايا السُّبُل المجهولة، وفهم كيفيات بلوغ المنتهى بكيفية فعالة، لازلت أذكر التقاط مسامعي باستمرار لإشارة أشبه بخلاصة مكثَّفة، من لدن الطلبة القدامى؛ السابقين إلى المضمار والحلبة، ومنهم من تجاوزت مستوى أقدميته الحدود المعقولة زمنيا، جراء انغماسه اللامشروط في أنشطة ثقافية وسياسية داخل الحرم الجامعي.

إجمالا، أخبِرت حينها بما يلي:

 – ”عليكَ بكتابات شوقي ضيف، إنَّه دَبَّابة الأدب العربي!”.

المقصود بالدَبَّابة مثلما وَظَّفها زعماء طلبة قسم اللغة العربية آنذاك، موسوعية شوقي ضيف المتعدِّدة، بين تاريخ الأدب العربي، النقد،اللغة، البلاغة، السير،التحقيق.

حينما انتقلت إلى السنة الثانية، بدأت أفكِّر في مباراة مدرِّسي التعليم الإعدادي، فَوُجِّهت مرة أخرى إلى دروس شوقي ضيف، مثلما وردت الإحالات غير مامرة إلى جابر عصفور، تحديدا كتابه ”الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب”، وإحسان عباس من خلال دراسته ”تاريخ النقد الأدبي عند العرب”، ثم محمد مفتاح  وكتاب ”في سيمياء الشعر القديم”.

لكن نصيب الترشيحات حقيقة لم تتوقف عن ترديد شوقي ضيف، باعتباره المرجعية الأولى قياسا لباقي الأسماء المشار إليها، بخصوص الاطلاع على مصادر ومرتكزات الأدب العربي الحديث ومتونه القديمة: ”فالرجل رائد في النقد والدراسات الأدبية. وهو رائد في تأصيل مناهج جديدة للبحث العلمي. وهو رائد في الدراسات القرآنية والإسلامية. وريادته لتلك المجالات كلَّفته الكثير، فقد وهب حياته كلها للبحث العلمي”(1).

شوقي ضيف موسوعة الأدب العربي الحديث، ضمن حلقة أعلامه البارزين، الذي عكس مشروعه نفس روح جيل النهضة العربية، وأحد تلاميذ طه حسين المباشرين، أقول ولد في قرية دمياط شمال مصر سنة 1910، اسمه الحقيقي أحمد شوقي عبد السلام ضيف، بحيث أطلقت عليه أمه تسمية أحمد شوقي تيمُّنا بذاكرة أمير الشعراء.

عاش خلال طفولته تجربة مماثلة لما اختبره سلفا طه حسين،فقد أصيب بمرض كاد أن يأتي على بصره تماما: ”فقد رمدت عينه اليسرى وهو في المهد، وأمه لاتزال تضمه إلى صدرها، فلم يذهب به أبوه إلى طبيب عيون، إذ لم يكن في دمياط على مايبدو طبيب عيون في العقد الثاني من القرن الحاضر، فذهب به الأب إلى طبيب كان يذهب إليه كثيرون من أهل القرية لفحص جميع أمراضهم وكان على هذا الطبيب حين رأى عين الصبي الرمداء أو المريضة وأن سحابة هبطت عليها، أن ينصح أباه باستشارة طبيب عيون. وبدلا من ذلك أجري للصبي عملية في عينه، وظن الأب أنها نجحت وهي لم تنجح فقد ظلت السحابة تحجب نظر العين، وفقد الصبي عينه اليسرى إلا بصيصا ضئيلا”(2) .

استمرَّ معه تأثير ذلك، غير أنه أكمل حفظ القرآن في سنِّ العاشرة، ثم بداية انتماء شوقي ضيف الراسخ إلى عالم المكتبة، بحيث لم ينفصل ربما يوما عن النبش في ذخائرها سوى يوم وفاته يوم 13 مارس  2005: ”نشأ الصبي يرى في مكتبة أبيه كتب فقه وحديث مختلفة، وكان جدُّه شيخا مثل أبيه، وكان لهذه النشأة في بيئة دينية أثر عميق في نفسه، فقد نما عوده على محبَّة الإسلام ورسوله الكريم وإعزازهما وتوقيرهما وتقديسهما. وكان في مكتبة أبيه بعض كتب تاريخية وأدبية مثل فتوح الشام وديوان ابن الفارض وقصة ماجدولين للمنفلوطي، فكان الصبي ينظر في هذه الكتب وأمثالها أحيانا وفي بعض الكتب الدينية”(3) .

اشتُهر شوقي ضيف، حسب إجماع الشهادات في حقه، بأنَّه مثقف متواضع قدر رصانته العلمية، زاهد في المناصب والجوائز ودواعي الجاه والسلطان، كرَّس مجمل حياته إلى التحصيل العلمي، بكل اجتهاد وشغف ورغبة عارمة قصد النهوض بالمجتمع العربي والمصري عبر إعادة الاعتبار للهوية الحضارية، بمساءلة التاريخ والفكر ثم طبيعة حدود تداخلهما وتباينهما، وكذا الحصيلة المعرفية الكامنة في تلك النتوءات، لذلك نهل من ينابيع وروافد الأدب ومختلف حقوله اللغوية، البلاغية، الفنية، فقد اشتغل مشروعه على جبهتي القديم والحديث، وفق رؤية موضوعية أساسها مقتضيات السؤال العلمي، ضمن أفق مدرسة تالية لمعالم وعناوين جيل الرواد: طه حسين، حسين هيكل، مصطفى عبد الرزاق، أمين الخولي، أحمد أمين، عبد الوهاب عزام، عباس العقاد، عبد القادر المازني، عبد الرحمان شكري، سلامة موسى، صادق الرافعي…، تزعَّم شوقي ضيف قيادتها: ”بحكم تكوينه الفكري والروحي، وثقافته الخصبة ودراساته المتنوعة، في معاهد الأزهر، وتجهيزية دار العلوم، وكلية الآداب، للقيام بهذا الدور”(4). مدرسة، رفضت الاندماج تماما في التراث القديم أو الاكتفاء بالذوبان في التيارات الأوروبية المعاصرة.

حسب مرتكزات هذا المنظور،تجلَّت معطيات نظرياته التي قاربت خمسين كتابا مرجعيا أكاديميا،بحيث لايمكن لأيِّ باحث السعي إلى دراسة الأدب والبلاغة والشعر والنحو والنقد،دون العودة إلى مضامين صفحاتها.

ترعرع شوقي ضيف الطفل، تحت سماء قرية دمياط بحيثياتها الريفية البسيطة والمحافِظة، ثم انتقل إلى دار العلوم في القاهرة، فالأزهر وكذا كلية جامعة القاهرة، ليحصل على شهادة الإجازة سنة 1935، والماجستير سنة 1939، بموضوع تناول الآراء النقدية في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وأخيرا درجة الدكتوراه سنة 1942 حول موضوع ”الفن ومذاهبه في الشعر العربي”، بإشراف معلِّمه الأول طه حسين، الذي صرح خلال تلك المناسبة: ”وإذا كنت حريصا على أن أقول شيئا في التقدمة، فإنما هو تسجيل الشكر الخالص للجامعة التي أنتجت الدكتور شوقي ضيف الذي أنتج هذه الرسالة”.

  ابتدأ تكوينه دينيا في معهد دمياط، منكبّا على دروس علوم اللغة والدين والنحو والبلاغة وأصول الفقه ثم التفسير، ملتهما متون الألفية والأجرومية وقطر الندى ومغني اللبيب. خلال مرحلة ثانية، صادف طبعا الحضور الملهم لطه حسين، مثلما اكتشف أشعار أحمد شوقي، عباس العقاد، صادق الرافعي، محمد حسين هيكل، وكذا شعراء المهجر.   

مرحلتان فكريتان أساسيتان، صاغتا البناء الفكري عند شوقي ضيف، أحد أبرز أسماء الجيل الثاني، الذي واصل حمل مشعل جيل الرواد واضع أسس ومرتكزات الحلقة الجامعة بين الدراسات التراثية واستيعاب متونها، وفي الوقت ذاته مواكبة التطورات الحديثة للمعارف الجارية، هكذا راكم شوقي ضيف أوراشا بحثية يصعب حصر أبعاد هوية خريطتها، كأنَّه أراد الكتابة في كل شيء تقريبا:

الحب العذري عند العرب، الأدب العربي المعاصر في مصر، البلاغة تطور وتاريخ، تعريفات العامية في الفصحى، المدارس النحوية، تيسيرات لغوية، في النقد الأدبي، فصول في الشعر ونقده، في الأدب والنقد، الوجيز في تفسير القرآن الكريم، سورة الرحمن وسور قصار، الحضارة الإسلامية من القرآن والسنة، عالمية الإسلام، معجزات القرآن، محمد خاتم المرسلين القسم في القرآن الكريم، تجديد النحو،تيسير النحو التعليمي قديما وحديثا، ابن زيدون الشاعر الأندلسي، شوقي شاعر العصر الحديث، حافظ إبراهيم، إسماعيل صبري، أحمد محرم، معروف الرصافي، خليل مطران، جميل صدقي الزهاوي، علي محمود طه، أبو القاسم الشابي، تاريخ الأدب العربي بمختلف عصوره وأقاليمه في عشر مجلدات، ثم تحقيق مخطوطات ”الردّ على النحاة” (ابن مضاء القرطبي)، ”المغرب في حلى المغرب” (ابن سعيد المغربي الأندلسي)، ”السبعة في القراءات” (ابن مجاهد)، ”الدرر في اختصار المغازي والسير ”(ابن عبد البر)، ”نقط العروس في تواريخ الخلفاء “(ابن حزم)، ”رسائل الصاحب بن عباد” (الصاحب بن عباد)… 

عناوين عريضة لمخطَّط  مترامي الأطراف، متنوع المشارب والطموحات، مكتنز نظريا ومركَّز منهجيا، شَغَلَ آلاف الصفحات، طواها كما قلت خمسون مؤلفا متينا، جعلت شوقي ضيف علامة مضيئة بخصوص ترسيخ متن المنظومة النقدية العربية المعاصرة، وتقديم تراكمات كبيرة،نتيجة ذلك وإلى جانب أستاذيته اللامعة داخل فضاء كلية الآداب في جامعة القاهرة، انتُخِبَ عضوا في مجمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1976، وأمينه العام سنة 1988 ، ونائبا لرئيسه سنة 1992، ورئيسا له سنة 1996، ثم رئيسا لاتحاد المجامع اللغوية العربية، آخذا على عاتقه مهمة تطوير اللغة العربية.

والحالة كذلك، بدا حتميا تتويج مساره بجوائز تقديرية، تثمينا من طرف الأوساط العلمية للمباحث التي أرسى شوقي ضيف معالمها النوعية، أبرزها: جائزة مجمع اللغة العربية (1947)، جائزة الدولة التشجيعية في الآداب (1955)، جائزة الدولة التقديرية في الآداب (1979)، جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي (1988)، جائزة مبارك للآداب (2003) .

بجانب بداية اكتشاف شوقي ضيف الشاب، لأسماء أدبية تؤثث مقالاتها صفحات صحيفتي البلاغ الوفدية والسياسة الدستورية، فقد انطلق اهتمامه بالدرس النقدي الحديث نتيجة حدثين نوعيين:

أولا، صدور كتاب طه حسين ”في الشعر الجاهلي”، والضّجَّة الكبيرة التي أثارها نتيجة بلورة أطروحته التشكيكية نحو جانب كبير من الشعر الجاهلي، فأغلبه منتحل حسب هذا التصور، مما أثار حفيظة المنظومة المعرفية المهيمنة، فوجَّهت إلى طه حسين المفكر والشخص، كما يعلم الجميع جملة انتقادات عنيفة جدا، صارت حملة ملأت الصحف غاية البرلمان: ”وقدَّم طه حسين إلى الجامعة استقالته، ولولا سعة أفق الحكومة لطوِّح به، فقد ردَّت إليه استقالته، واكتُفي بمصادرة الكتب. وكانت النيابة قد حقَّقت معه، وثبت لها حسن نيته، وأمرت بحفظ الدعوى. ومرت العاصفة سياسيا، ولكن ظل لها دويّ واسع في الأوساط الأدبية، وألفت كتب مختلفة في الردّ على طه حسين. وأعاد طبع الكتاب باسم جديد هو في ”الأدب الجاهلي” وقد صوَّر فيه مناهج النقد الغربي في دراسته الأدب”(5).

ثانيا، الاحتفال بالشاعر أحمد شوقي وتتويجه بلقب أمير الشعراء، فقد انعقد: ”مهرجان كبير برياسة سعد زغلول لتكريم شوقي شاعر مصر الحديثة اشتركت فيه جميع البلاد العربية بمندوبين من كبار أدبائها وشعرائها كي يضعوا في مفرقه – مع كبار الأدباء والشعراء في مصر-تاج إمارته للشعر العربي الحديث وشعرائه المعاصرين على اختلاف بلدانهم وأقطارهم”(6).

جَسَّد اسم طه حسين، ورمزيته الكبيرة، حافزا ملهِما بالنسبة للشاب شوقي ضيف كما الحال مع أجيال متوالية، كي يختار خلال الموسم الدراسي (1930-1931) الالتحاق بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة: ”وقُبِل بين كثيرين كانوا نحو ثمانين طالبا من الأزهر والتجهيزية. جاءوا جميعا مشوقين إلى الاستماع لطه حسين ولمحاضراته وما يحدث من دراسات نقدية جديدة في الأدب العربي وأدبائه. ورأى قسم اللغة العربية أن ينتظموا في سنة تمهيدية قبل دخولهم السنة الأولى بالكلية يتعلمون فيها اللغات الأجنبية حتى يصبحوا على قدم المساواة في تلك اللغات مع من ينتظمون في الكلية من طلاب المدارس الثانوية. وخُيِّر هؤلاء الطلاب الجدد بين تعلم اللغات: الانجليزية والفرنسية والألمانية ليتخذوا من إحداها لغة أساسية أولية ومن ثانية لغة فرعية. واختار الفتى الانجليزية لغة أولى والفرنسية لغة ثانية. وعكف على درس هاتين اللغتين الأجنبيتين ليل نهار”(7).

إذن، بعد منظومة التعليم الأزهرية، الموسومة أصلا بالطابع التراثي واللغوي والديني، انتقل مسار شوقي ضيف، إلى مدرَّجات وفصول الجامعة حيث عميدها طه حسين ورئيس قسم اللغة العربية، أفسحت مجال المعرفة والتعلُّم في تخصُّصات اللغات الأجنبية أساسا الانجليزية والفرنسية، ثم الدراسات القديمة اليونانية واللاتينية والفلسفة والتاريخ والجغرافيا.

وقف شوقي ضيف في سيرته عبر فقرات مطولة، للاحتفاء بذاكرة الأساتذة الذين ألهموه إلى جانب طه حسين، وأرسوا مشارب معرفية أخرى، وشكَّلوا له موضوع تقدير كبير؛ معرفيا وإنسانيا، سواء من خلال رصانتهم في مجالات تدريسهم أو طبيعة شخصياتهم، وكذا نوعية أساليب التدريس التي وظَّفوها ورسَّخوها في علاقاتهم بالطلبة، بحيث أشار تحديدا إلى:

 إبراهيم مصطفى أستاذ النحو: “يدرس لهم النحو بطريقة جديدة لم يألفها الفتى حتى في الأزهر ولا في تجهيزية دار العلوم ولا في كتب النحو القديمة التي اطلع عليها. طريقة نقدية تحليلية، يُدْرَس فيها الباب من أبواب النحو دراسة تاريخية، تصور آراء النحاة القدماء فيه على مر الأجيال، ولا يكتفي الأستاذ بذلك، بل يعرض الباب مبينا ما جاء عن العرب من شواهد شعرية فيه محاولا أن ينفذ من خلال ذلك إلى رأي جديد يبسطه للفتى ورفاقه، وكان قد وضع نصب عينيه أن يخلِّص النحو من شوائبه الكثيرة التي جعلته أشبه بغابة ملتفة”(8).  

أمين الخولي أستاذ البلاغة :”يجمع بين القديم والجديد مع محافظة واضحة على القديم،فقد عاد بعد رجوعه من الغرب إلى الزيّ الأزهري، وهو مع ذلك يكره الجمود ويحب التجديد، وكان يحاول أن يصطنع نهجا جديدا في تدريس البلاغة، وكان لايزال يدفع الفتى ورفاقه إلى نقد كل مايقرؤون وأيضا إلى نقد كل ما يدلي به من آراء”(9). 

عبد الوهاب عزام أستاذ الفارسية: ”كان مثلا رفيعا من أمثلة الدأب العلمي الخصب،وهو أول أستاذ مصري علَّم الفارسية للطلاب في جامعة القاهرة، وكان يؤمن بالعروبة والإسلام إيمانا عميقا شاعرا بأن الوطن العربي جميعه وطنه بل إن الوطن الإسلامي جميعه وطنه”(10).

الشيخ مصطفى عبد الرزاق أستاذ الفلسفة الإسلامية، وأحد تلامذة محمد عبده: ”وكان قد تعمق الثقافتين: الأزهرية القديمة والفرنسية الحديثة، فكان محافظا وفي الوقت نفسه كان مجددا. أو بعبارة أخرى كان يجمع بين المحافظة وخير مافيها والتجديد وخير ما فيه، فهو من الرعيل الذي استظهر إلى أقصى حد شخصية أمته الإسلامية العربية المصرية مع التزود بالفكر الغربي الحديث تزودا من شأنه أن يجلو هذه الشخصية ويبرز خصائصها العقلية على نحو ما كان يبرز الشيخ مصطفى عبد الرزاق الفكر الإسلامي بخصائصه ومقوماته وطوابعه” (11).

أحمد أمين أستاذ الحياة العقلية الإسلامية: ”يعد في طليعة من جمعوا بين الثقافتين القديمة والحديثة جمعا رائعا يعينه عقل بصير ونظر دقيق ودأب لا يماثله دأب في البحث واستيعاب لايدانيه استيعاب لكنوز الفكر الإسلامي وذخائره. وكان يحاضر الفتى ورفاقه في الحياة العقلية الإسلامية، ولم تكن صورة هذه الحياة واضحة في نفوس المثقفين فأكبَّ عليها يدرسها ويذلِّل صعابها وعقابها”(12).

أشرف آنذاك أحمد أمين على مجلة ”الرسالة”، التي كانت واجهة إعلامية متميِّزة  لمشاهير الأدب المصري، تنشر مقالات طه حسين وعباس العقاد وعبد القادر المازني وعبد الرحمن شكري، وبجانب هؤلاء أتاحت للشابِّ شوقي ضيف، سنة 1934، أول موعد له مع بداية تراكمات الكتابة والنشر، عندما هيَّأ أول مقالاته النقدية تحت عنوان: ”حول الموضوع والغموض” كي يعضِّد رأي طه حسين الوارد بين طيات تحليله قصيدة الشاعر الفرنسي بول فاليري ”المقبرة البحرية”، بحيث أشاد بغموض أبياتها الشعرية. غير أنَّ، مقاربة طه حسين تلك، انتُقِدَت من طرف كاتب عراقي، توخى الدفاع عن نظرية مغايرة مفادها عدم اجتماع الغموض والجمال الفني ضمن بوتقة واحدة، لذلك يظلّ الوضوح مرجعية أولى للجمال الشعري.

هوامش:

 (1) عبد العزيز الدسوقي: شوقي ضيف رائد النقد والدراسات الأدبية،دار المعارف، 1987، ص : 8 – 9   – (2) شوقي ضيف: معي (سيرة ذاتية)، 1985، دار المعارف الطبعة الثانية، ص 28 – 29- (3) نفسه ص 23- (4) عبد العزيز الدسوقي: شوقي ضيف رائد النقد والدراسات الأدبية، ص 16 – (5) شوقي ضيف: معي، 1985، دار المعارف الطبعة الثانية، ص75- (6)نفسه ص 76- (7) نفسه ص 96-97- (8) نفسه ص 104 – 105- (9) نفسه ص 105- (10) نفسه ص 106- (11) نفسه ص 113- (12) نفسه ص 107

Visited 52 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

سعيد بوخليط

كاتب ومترجم مغربي