التسويات في المنطقة على نار هادئة وأثمانها غالية
أحمد مطر
دخلَت المنطقة منعطفاً خطراً بعد اغتيالات متزامنة، بدأت مع اغتيال القائد العسكريّ للحزب فؤاد شكر السيد محسن في الضاحية الجنوبية لبيروت ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران. وبين الاغتيالين سقطَ عدد من خبراء صناعة وتطوير الطّائرات المسيرة تابعون لكتائب حزب الله العراقي، أبرزهم أبو حسن المالكي، وذلك في منطقة جرف الصخر، بحسب مصدر أمني عراقي.
سلسلة اغتيالاتٍ تتحدى نظرية وحدة الساحات بما يمكن تسميته وحدة الاغتيالات، وتضع المحور برمته من الضاحية إلى طهران مروراً ببغداد واليمن، أمام خيارين، أحلاهما مر. فإما السكوت وتلقّي المزيد، وإما التصعيد وإعطاء بنيامين نتنياهو ما يريد، وهو فرصة ضربِ البرنامج النووي الإيراني، أو الحد من نفوذ طهران العسكري في المنطقة.
كلام الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في اطلالته الثانية، بعد استهداف إسرائيل القيادي العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية بطهران، قلل فيه من حملة التهديدات المتبادلة بين طهران وتل ابيب وحملات التهويل بحرب اقليمية واسعة، في إطار الرد الإيراني على اغتيال هنية وشكر، بقوله: ليس المطلوب من ايران وسوريا الدخول بقتال دائم، بل المشاركة بالدعم السياسي والمادي والعسكري والمعنوي والتسهيلات، وفيه اشارة واضحة إلى تبرير تراجع النظام الايراني عن مسلسل وعوده وتهديداته، التي اعلن عنها أكثر من مسؤول بارز، من رأس النظام ومرورا بكبار قادة الحرس الثوري الإيراني، بعد حادثي الاغتيال، بتوجيه ضربات مدمرة لإسرائيل، بالرغم من تشديده بأن إيران سترد حتما على هذين الاغتيالين، ولكن من دون تحديد كيفية هذا الرد وموعده.
في مقابل ذلك، حمل نصرالله لبنان الوزر الاكبر في المواجهة العسكرية المتواصلة جنوباً، مع تاكيده تفعيل العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الميدان، متوعدا اسرائيل أكثر من مرة، بالرد على عملية اغتيال شكر، وإن كان يغلب في تهديده على إبقاء موعد هذا الرد مبهماً، وهاجساً يقلق الإسرائيليين ويقض مضاجعهم، إما لتعذر القيام به في الوقت الحاضر، لاعتبارات لها علاقه بالظروف والفرص المتاحة لتنفيذ الرد المطلوب، بمستوى عملية الاغتيال، أو لتفادي ردود فعل ومخاطر غير محسوبة.
كلام الامين العام لحزب الله بابقاء لبنان في صدارة المواجهة العسكرية مع إسرائيل جنوباً، بمعزل عن وحدة المسارات، مع تحييد ايران وسوريا، يحمل في طياته أكثر من مؤشر، أولها إبقاء العمليات العسكرية الدائرة بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي جنوباً، مع زيادة الضغط بتوسيع مدى المواجهة، لتشمل مناطق ومراكز حساسة، بقيت خارج الاستهداف طوال المرحلة الماضية، ثانيا عدم تحويل زخم المواجهة المحتدمة باتجاهات اخرى، ردا على اغتيال شكر، لتشتيت فاعلية المواجهة وتقليص الضغط العسكري على قوات الاحتلال الإسرائيلي وثالثا، إبقاء لبنان كله، معرضا لردود الفعل ومخاطر استمرار المواجهة العسكرية الدائرة بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي جنوبا، والخشية من تدحرج المواجهة الى حرب واسعة النطاق على لبنان كله.
ختاماً، قلص نصرالله احتمالات ومخاطر الحرب الاقليمية الواسعة، بتراجع ايران عن تهديداتها بالحرب ضد إسرائيل، وبتحييد سوريا كليا عن أي مواجهة، وبإبقاء جبهة الجنوب مشتعلة مع حرب غزة، مع ما يحمله، هذا الربط من مخاطر وتداعيات خطيرة، واستمرار لبنان رهينة لمصالح ايران وصفقاتها مع الادارة الأميركية الديمقراطية، تكرارا لصفقة الملف النووي عام 2015، في ظل احتدام المنافسة الحاصلة في الانتخابات الرئاسية الاميركية بين المرشحة الديموقراطية التي تحبذ ايران وصولها للرئاسة، في مواجهة المرشح الرئاسي الجمهوري المنافس، الذي يفضله رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو.
Visited 95 times, 1 visit(s) today