وساطاتٌ عربية دون وقف المجازر.. تكريسٌ لها

وساطاتٌ عربية دون وقف المجازر.. تكريسٌ لها

عبد السلام بنعيسي

       مذبحةُ مدرسة التابعين في حي الدرج وسط مدينة غزة التي استشهد فيها أكثر من 100 فلسطيني وأصيب خلالها عشرات آخرون، فجر السبت، والتي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بقصفه نازحين بشكل مباشر خلال تأديتهم صلاة الفجر، تُمثّلُ الجواب العملي لتعيين حركة حماس المجاهد يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي بديلا للشهيد إسماعيل هنية، كما أنها تشكل التعبير الأوضح عن الحالة النفسية البائسة التي يعيشها نتنياهو وقادة الاحتلال، مدنيون وعسكريون، إنها حالة اليائسين من إمكانية الخروج من الورطة التي وضعتهم المقاومة فيها، بعد عملية طوفان الأقصى المباركة.

رغم التدخل الأطلسي الذي حماها من المقاومة التي أوشكت على إسقاطها واقتلاعها من المنطقة بإجبار أغلبية مستوطنيها على الفرار من فلسطين عقب عملية طوفان الأقصى، ورغم مدّها بكل أساليب البقاء من مال وسلاح وتقنية متطورة، فإن إسرائيل تبدو عاجزة عجزا تاما عن القضاء على المقاومة والوصول إلى أهدافها التي أعلنت عنها، والمتمثلة في استرجاع أسراها وتدمير حماس، ومنعها من الاستمرار في حكم غزة حتى لا تشكل تهديدا محتملا للكيان الصهيوني في الشهور والسنوات المقبلة.

القتل الجماعي الذي يمارسه جيش الكيان الصهيوني العنصري المجرم ضد الأطفال والنساء والشيوخ من أبناء الشعب الفلسطيني دليلُ جبنٍ وضعف، وليس دليل منعة وقوة، والضربات التي يغتال بها بعض قادة المقاومة من قبيل إسماعيل هنية في طهران وفؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، ليست إلا ضرباتٍ استعراضية وعمليات تعويضية عن فشله في إيقاف الحرب، وفقا للشروط التي يحاول، دون جدوى، إملاءها على المقاومة.

أهالي الأسرى الصهاينة يريدون عودة أبنائهم إلى منازلهم، ولا تعني لهم شيئا الاغتيالات الاستعراضية التي يقترفها نتنياهو، ولا يمكن للقادة السياسيين والعسكريين الصهاينة قبول استمرار الحرب، كلّ هذه المدة الزمنية الطويلة، المُشْرفة على السنة كاملةً، لقد درجوا في حروبهم السابقة ضد الجيوش العربية النظامية، على إنهاء الحروب، في أوقات قياسية، حتى أن حروبهم تلك باتت تلقب بالحروب الخاطفة، وكانوا يحتلون خلالها أراضٍ عربية شاسعة، وكانت نهاياتها تتم ويدهم هي العليا.

 الاستمرار في الحرب على امتداد العشرة أشهر متتالية، يعني بالنسبة لدولة الاحتلال والعنصرية، الفشل في تمكنها من الحسم السريع على ساحة الميدان، بما تشتهي نفسها، ويعني لجيشها الإنهاكُ والتعب، ويعني لأفراد مجتمعها الشعور بالعجز، وعدم التمكن من السيطرة على أقلية فلسطينية محاصرة في بقعة جغرافية صغيرة، وتُصنف من طرفهم إرهابية، ويفترض فيها أن تكون ضعيفة، وأن يكون في المتناول القضاء عليها في ساعات، إن لم يكن في أيام وأسابيع معدودة، من طرف أقوى جيشٍ في المنطقة..

 استمرار الحرب يُسبّبُ للكيان الاستنزاف الاقتصادي والبشري، فكل شيء متوقف في مجمل ساحته الجغرافية، سواء، السياحة، أو الصناعة، أو الفلاحة، وحتى التجارة الخارجية، ويُفضي استمرار الحرب إلى لجوء آلاف المستوطنين من غلاف غزة ومن شمال فلسطين، إلى الداخل، وتركهم منازلهم وأغراضهم وحاجياتهم وراءهم، وشعورهم أنهم غرباء عن ديارهم، وبلا راحة ولا طمأنينة، ويؤدي هذا الاستمرار في القتال إلى الهجرة العكسية، حيث غادر آلاف الصهاينة الكيان دون رجعة، وهذا هو الكابوس الذي يؤرق دولة الاحتلال والعنصرية ويرعبها، ويجعلها تخرج عن طورها.

 نتنياهو الذي دمر قطاع غزة عن بكرة أبيه، والذي لجأ في وجه الشعب الفلسطيني إلى سلاح التجويع، والتعطيش، والحرمان من الاستقرار، ومن النوم، ومن الدواء، ومع ذلك لم يتمكن من إجبار الفلسطينيين على الرضوخ لإرادته، وتهجيرهم خارج وطنهم، وأمام صمود المقاومة ونجاحها في البقاء حاضرة توجه الضربات لقوات جيشه، وحين أعلنت حركة حماس اختيار زعيمها في غزة يحيى السنوار رئيسا لمكتبها السياسي خلفا لإسماعيل هنية، وقتها شعر نتنياهو أنه تلقى لكمة قوية وإهانة شخصية، وأن المقاومة تحاطبه قائلة له، إنك عاجز عن تحقيق ما تسميه ” النصر المطلق” الذي وعدت به مستوطنيك، ولذلك نجده بات كائنا مسعورا حقا، وصار يشفي غليله وعجزه في المدنيين الفلسطينيين العزل والأبرياء..

المقاومة الفلسطينية أدت الدور الذي عليها وبالقسط المعلى. واستمرار الحرب لا يخيف المقاومين. لكن الذي يزعجهم ويزعجنا جميعا هي هذه المجازر التي يقترفها الكيان ضد أبناء الشعب الفلسطيني. استمرار ما يسمى الوساطات القطرية المصرية بات يؤدي وظيفة تبرير الجرائم وتغطيتها. فكما شكلت المفاوضات والاتفاقيات العربية والفلسطينية مع الكيان الصهيوني، غطاء لتجذير الاستيطان الذي التهم جل الأرض الفلسطينية، فإن هذه الوساطات التي تقوم بها القاهرة والدوحة، تمثل المبرر الذي يوفر للدولة الصهيونية الغطاء للاستمرار في مذابحها في غزة.

يتعين أن يصبح استمرار الوساطات العربية مرتبطا بوقف المجازر ووضع حدٍّ لها، إن لم يكن الأمر كذلك، فمن الأفضل التخلي عن هذه الوساطات، لأنها لا تنتج شيئا مفيدا للشعب الفلسطيني، بقدر تصبح وسيلة لتغطية القتل، ولتلفي الضغط والإرهاب والابتزاز الصهيوني من نتنياهو المرعوب من نهايته المحتمة المتمثلة في دخول السجن جراء فساده، وعجزه عن استقراء إمكانية حدوث عملية طوفان الأقصى، وصدّها قبل وقوعها..

المفارقة في كل هذا الذي يجري أمامنا، هي أن أقطاب النظام الرسمي العربي الذين تسابقوا للاتصال بالرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، بغرض الاطمئنان على سلامته، بعد الخدش الذي أصابه في أذنه، جراء تلقيه رصاصة طائشة، هؤلاء الحكام لا يلتفتون صوب هذه المذابح المقترفة ضد الشعب الفلسطيني، ولا تحرك فيهم فظاعاتها ساكنا. إنها فضيحتهم الكبرى، أمام العالم، وأمام شعوبهم، مهما حاولوا تجاهلها ومداراتها.

Visited 30 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام بنعيسي

صحافي وكاتب مغربي