المُشرّع على صواب في قانون المسطرة المدنية
عبد السلام بنعيسي
يصعب على المرء أن يفهم لماذا وقع التركيز من طرف بعض المحامين في مشروع قانون المسطرة المدنية على الفقرة التي تشير فيه إلى أن حق الدفاع ليس حقا فئويا خاصا برجال ونساء الدفاع فقط، ولكنه بالأساس حق لجميع المواطنين كأطراف في المساطر القضائية، كيفما كانت مراكزهم القانونية، سواء كانوا مدعين أو مدعى عليهم.
يفترض في توكيل مواطن لمحامٍ للمرافعة دفاعا عنه في قضية معروضة أمام القضاء، أن يكون أمرا اختياريا، ومسؤولية التوكيل مع العواقب الناجمة عنه فإنها تقع على المواطن، خصوصا حين يكون هو صاحب الدعوى والمطالب بحقوقه. إذا كان هذا المواطن يستأنس في نفسه القدرة على المرافعة مدافعا عن نفسه، ويشعر بإمكانية شرح وجهة نظره أمام القاضي وإقناعه بها، فلماذا إلزامه بتوكيل محام رغما عن إرادته؟ أليس في هذا الإلزام حدٌّ من حرية المواطن؟ ألا يتضمن مصادرةً لحقه في عرض قضيته أمام القضاء اعتمادا على نفسه؟؟ لماذا نتصور أن عموم المواطنين سلبيون وعاجزون عن الدفاع عن قضاياهم أمام القضاء؟ أليس في هذا تبخيس لهذا المواطن، ونظرة دونية لشخصه وكفاءته؟
حين يكون المواطن في خصومة قانونية مع محام ويرفع دعوى قضائية ضد هذا المحامي، فإنه يكون، ملزما بتعيين محام آخر لكي يجيب كتابة على كل المراسلات القضائية المتعلقة بالدعوى، والطامة الكبرى تتجلى في كون المواطن يجد صعوبة كبيرة جدا في العثور على محام يرافع دفاعا عنه، ضد محام زميل له من داخل الهيئة. فالمواطن القاطن في الرباط مثلا يتعين عليه البحث عن محام من خارج هيئة الرباط. عليه أن يجد محام من القنيطرة، أو الدار البيضاء، أو فاس، أو طنجة.. والتعلة هي أن ما يسميه المحامون أخلاقيات المهنة لا تجيز لهم المرافعة ضد زملاء لهم من نفس الهيئة، وأحيانا يرفض بعض المحامين حتى من خارج الهيئة المرافعة ضد زملاء لهم في المهنة. وهذا تصرف يلحق ضررا كبيرا بالمواطنين المتقاضين ضد بعض المحامين، إذ يحرمهم من حقٍّ من حقوقهم الأساسية في الدفاع عن أنفسهم أمام القضاء.
أكيد أن المحاماة مهنة شريفة، وأغلبية المحامين الذين يمارسونها أناس شرفاء ومناضلون ويساندون المواطنين في كفاحهم في المحاكم من أجل نيل حقوقهم، ولكن توجد فئة من المحامين ليست لها علاقة بالنزاهة بتاتا، ولا تروم البحث عن العدل والإنصاف، هذه الفئة تستغل معرفتها بالقانون وبتفاصيله لتعبث بحقوق المواطنين ولتتسلط عليهم وتسعى لابتزازهم ونهب حقوقهم، وأحيانا الاعتداء عليهم. فكيف يقبل المحامون الشرفاء عدم المرافعة ضد هؤلاء في القضايا التي يكونون فيها محل منازعة مع المواطنين؟ أليس في هذا الموقف تحيزا لهؤلاء القلة من المحامين الذين يسيئون لمهنة الدفاع ويضربون أخلاقياتها في الصميم؟ بل كيف تقبل هيئة الدفاع وجود بينها طينة من هذا النوع من المدعين لصفة المحاماة؟ ألا يتعين على الهيئة التبرؤ منهم وطردهم من صفوفها؟
الحرص من طرف بعض المحامين الانتهازيين على رفض مشروع قانون المسطرة المدنية وذلك لإجبار المواطن على توكيل محام للدفاع عنه، ليس الغرض منه خدمة المواطن والدفاع عن مصالحه، الغرض من ذلك يكون بالنسبة لهؤلاء استنزاف جيب المواطن وحلبه. والمؤسف هو أن بعض المحامين والمحاميات الاستغلاليون/ات يشعرون، وكأنهم محصنون من المرافعة ضدهم من طرف زملائهم في الهيئة، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع حقوق المواطنين المتخاصمين معهم أمام القضاء، حيث لا تتاح للمواطنين، ولو محاولة الدفاع عن أنفسهم أمام المحكمة، رغم استئناسهم القدرة في ذواتهم على القيام بذلك.. وعلى هذا الأساس، فإن المُشرِّع لقانون المسطرة المدنية الحالي، محقٌّ في الحسم في هذه القضية لفائدة المواطن. إنه على صواب في هذه النقطة بالتحديد..