الفسادُ السياسيُّ والماليُّ في العراقِ.. أزمةُ مستمرة
عقيل وساف
إنَّ الفساد السياسي والمالي هو ترابط تفرضهُ معطيات الواقع ومخرجات العملية السياسية الراهنة والضغوط الخارجية؛ والفساد من السمات التي كانت ولا تزالُ تُميّزُ حكومات دول العالم الثالث، وقد لا يكون الفساد وليد البيئات المحلية، إنما هو المطلوب من الحكام والساسة والمسؤولين والموظفين في هذا البلد أو ذاك.
في الواقع العراقي، نعلمُ علم اليقين بأن قوى الاستعمار والاستكبار، ومنذُ تأسيسِ الدولة العراقية المعاصرة عام 1921؛ أمرت الحكّام والساسة المحليين بالبيروقراطية وسوء الإدارة والدكتاتورية والفساد بكافة أشكاله وأنواعه وبالعنف والقسوة، إذ يجانب الحق والصدق من يدّعي أن الأمريكان وسائر القوى والجهات المتنفذة لا تعلم بحقيقة المشاريع الوهمية والاستثمارات في العراق أو لا تعلم بمقدار الأموال المسروقة والمهربة إلى الخارج، فكل هذه الصفقات والعمليات المشبوهة تجري بعلم هؤلاء الكبار، مقابل رهن كل ثروات وإمكانيات البلاد بالإرادة الأجنبية.
إن هذا لا يعفي الشعب بجماهيره ونخبه من مسؤولياته التاريخية والوطنية، فليس من المعقول أن تأمر القوى الأجنبية جماهير وساسة الشعب بالفساد، فيهرعوا مسرعين إلى الفساد عن بكرة أبيهم من دون تأنيب ضمير أو خوف من العواقب؛ امتثالا للأوامر الأجنبية؛ فلولا تشجيع الأجنبي لما أقدم المواطن على الفساد، ولولا ضعف شخصية المواطن وانعدام وعيه لما استطاع الاجنبي من تنفيذ اجنداته التخريبية. لقد أصبح صغار الفاسدين من لوازم وجود حيتان الفساد واستمرارها، فعلاقتهم متداخلة وقائمة على المنفعة المتبادلة، فعندما تباع الوزارة على الوزير والدائرة على المدير والوحدة العسكرية على الضابط بأموال طائلة ومبالغ كبيرة، فهذا يعني أن أمام هؤلاء طريقان لا ثالث لهما، إما أنهم اشتروا المنصب بأموال خارجية وهذه القوى الخارجية سوف تسترد هذه الأموال من خلال تقديم التسهيلات لها وحصولها على الاستثمارات والامتيازات، أو إنهم اشتروا المنصب بأموالهم الخاصة أو الحزبية والتي سوف تسترجع وبأضعاف مضاعفة من خلال التلاعب بمقدرات الوزارة أو الدائرة أو الوحدة العسكرية.
ونشاهد السعي في مكافحة الفساد واضح وجلي في هذه الحكومة الحالية, إذ بذلت الوزارات جهداً كبيرا في التصدي لهذه الحالات والحد من الفساد واستغلال السلطة والنفوذ.
وعلى الرغم من إعلان الحكومات العراقية المتعاقبة عن تشكيل العديد من اللجان لمكافحة الفساد والدعوات والإجراءات التي تهدف الى مكافحة الفاسدين؛ تبقى معدلات الفساد موجودة، إذ أن الحاكم والمسؤول والسياسي والموظف الحكومي منوطة به مسؤولية حماية الوطن والمواطن وعدم التفريط بالمصالح الوطنية.
وليت الامر يقف عند خيانة هؤلاء وفسادهم بل يمتد إلى عموم طبقات الشعب بما فيها النخب. لذا فإن أي نية حقيقية و إرادة وطنية للإصلاح يجب أن يسبقها التفكير خارج هذا الصندوق, واختيار أشخاص مستقلين ووطنيين يتصدون للفساد من خارج المنظومة السياسية والاقتصادية، وليس من داخلها كون أغلبهم مرتبطين بهذا المنظومة الفاسدة بطريقة أو بأخرى من خلال المحاصصة والمصالح الحزبية أو العائلية والارتباطات الخارجية المشبوهة.