عن النفاق الأمريكي المُزمن

عن النفاق الأمريكي المُزمن

نضال آل رشي

“لا يتحدث الأمريكيون عن السلام إلا في حال كان سلاماً يبقيهم مسيطرين “

هو تشي منه (Ho Chi Minh)

       قد يكون النفاق السياسي الإيراني الحالي سبباً رئيسياً في الصراعات الدائرة في المنطقة والانهيار الكارثي لدولها وانفراط العقد الاجتماعي المترهل الذي كان يربط شعوبها، ولكن عند محاولة الحديث عن النفاق السياسي للولايات المتحدة الأمريكية يأخذ الحديث منحى أكثر عنفاً وعدوانية.

فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لعبت الأخيرة دوراً رئيسياً في تشكيل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، وبينما تدعو علناً إلى احترام حقوق الإنسان، فإنها لم تتوانى في دعم كل الأنظمة الاستبدادية طالما تضمن هذه الأنظمة مصالحها الاقتصادية والسياسية. كما أن الدعم غير المشروط لإسرائيل، رغم انتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني ودول الجوار كان ولا يزال يظهر التناقض بين الخطاب السياسي والممارسات الفعلية.

لطالما كانت الأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية عوامل رئيسية تؤثر في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية. وبينما تروّج واشنطن لمبادئ مثل الديمقراطية وحقوق الأقليات والعولمة والتجارة الحرّة، فإن الدافع الحقيقي خلف العديد من قراراتها يكمن في الحفاظ على تفوقها الجيوسياسي في منطقة استراتيجية كالشرق الأوسط.

الشرق الأوسط الذي يُعتبر ساحة تنافس رئيسية مع قوى أخرى كروسيا والصين، ما يدفعها دائماً لتوسيع نفوذها في المنطقة والاعتماد على إسرائيل كحجر أساس في مشروعها للحفاظ على نظام دولي أحادي القطب، تتحكم فيه واشنطن بمفاتيح القوة والنفوذ.

بعد السابع من أكتوبر، أظهر الواقع مرّةً أخرى أن المصالح الاستراتيجية والسياسية (قصيرة المدى) لواشنطن تتفوق على أي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية.

الرئيس الأميركي “جو بايدن” بات يخرج علينا بتصريحات هزيلة ومبادرات ميتة وكأنه رئيس إحدى دول الموز وليس رئيساً لأقوى دولة في العالم. وفي الوقت الذي تدعو إدارته إلى ضبط النفس وحماية المدنيين وضرورة إيقاف القتال، تقوم بتزويد إسرائيل بالأسلحة والدعم السياسي والمالي اللازمين للاستمرار في حملتها الهمجية لأطول مدّة ممكنة في فلسطين المحتلة.

يبدو أن هذا النفاق السياسي سيمتد على الصراع المندلع في لبنان حالياً وأنّ واشنطن ستستمر في لعب دور المؤمن بالسلام وبالحلول الدبلوماسية والرافض للحرب والحلول العسكرية، بينما يستمر جسرها الجوي بتزويد إسرائيل بكل ما يلزم لتحقيق أهدافها في ضمان أمنها القومي ولو كان على حساب تدمير لبنان وقتل وتشريد شعبه.

ربما لم تكن هذه المرة الأولى التي تنحاز فيها الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، لكنها كانت واحدة من اللحظات الأكثر وضوحاً وإظهاراً لمدى نفاقها المبتذل والرخيص واللامحدود.

لقد كان السابع من أكتوبر فرصة حقيقية لتغيير دفة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، إلا أنها فضّلت الاستمرار في نهجها المعتاد. نهج يفضّل فيه صانعوا القرار في واشنطن الاستفادة من الأزمات لتعزيز مصالحهم، دون اعتبار حقيقي للنتائج الكارثية على المستويين الإنساني والحقوقي، ضاربين بعرض الحائط كل الدعوات الدولية لإيجاد حلول سلمية شاملة ومستدامة. هذا النهج أضعف ولازال يضعف مصداقية الولايات المتحدة كشريك في السلام ويزيد من الفجوة بينها وبين شعوب المنطقة بما فيها شعوب الدول الحليفة لها تاريخياً، هذه الشعوب التي باتت مقتنعة دون أدنى شك في أنَّ السياسات الأمريكية ليست إلا عاملاً أساسياً في استمرار الصراعات وعدم الاستقرار، وأنّ الوقت قد حان للاستعانة بضامنين جدد يستطيعون ضمان حد أدنى من إمكانية تطبيق أي اتفاقيات مستقبلية تلوح في الأفق.

Visited 65 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

نضال آل رشي

كاتب وباحث