مذكرات الخريف: معارك خفيفة (2-6)
صدوق نورالدين
اتسعت تمارين الكتابة _ كما سلف _ بمحاولاتي الخجولة الكتابة في المجال الرياضي. هذه وجدت طريقها على صفحات جريدة “الأنباء” التابعة لوزارة الإعلام التي رأس تحريرها الصحافي عبد السلام البوسرغيني. لم أعرفه عن قرب، و لا سبق الحديث معه أو إليه، وإنما رأيته مرة في العاصمة الرباط يقطع شارع علال بن عبد الله. طويل القامة، نحيف، يحمل عوينات ويتأبط جرائد لا أستطيع تحديد ما إن كانت وطنية، عربية أو أجنبية.
جاءت محاولاتي في المجال الرياضي قريبة مما كنت أكتبه اجتماعيا. أنقل أخبارا من هنا وهنالك ترتبط بمدينة أزمور و الجديدة. وأحاول بتأكيدها أن أكون محايدا وموضوعيا، خاصة وأن ثقافتي في المجال الرياضي شبه منعدمة.
كان المسؤول عن الصفحة الرياضية وأظنه عبد الفتاح سباطة، ينشر المواد التي أبعثها تباعا. ومما أستحضره في هذه المحاولات أني أجريت حوارين رياضيين: الأول مع اللاعب الدولي أمان الله. وكنت حينها أتابع دراستي بالسنة الخامسة أدبي بثانوية ابن خلدون الموجودة بشارع ابن خلدون. والثاني مع أحد مدربي فريق الدفاع الحسني الجديدي، وكان من إحدى دول أوروبا الشرقية . إذ زرته في مقر سكنه وكان عبارة عن “فيلا” صغيرة يقيم فيها لوحده، ورتب أثاثها برغم قلته بذوق جمالي رفيع. لم تفارقني _ إلى اليوم _ صورة بيته التي تحفرني على المقارنة بين بيوتنا وبيوتهم. بيوتنا التي كلما تحركنا داخلها ركبنا خوف إسقاط ديكور ما.
أجريت الحوار باللغة الفرنسية وأقدمت على ترجمته، حيث خص بمساحة كبيرة وعناوين بارزة. إذ بمجرد نشره الأسبوع نفسه، حملت إليه نسخة فشكرني كثيرا.
على أن من معارك الكتابة في المجال الرياضي التي لا أستحضرها تفاصيلها بدقة، أني في أحد الأيام وبعد الظهر بالتحديد سمعت طرقا غير معتاد على باب منزلنا (أزمور الأمس ليست هي اليوم)، وبفتحه طلب مني شخص مجهول الانتباه إلى أن هنالك من يرغب في الحديث معي. كانوا أربعة داخل السيارة
المركونة في الظل. جميعهم من مسيري فريق الاتحاد الرياضي الأزموري، الذين أعرفهم ولا أعرفهم. أعرفهم بحكم كون المدينة صغيرة تجمعنا، ولا أعرفهم مادام لم يسبق لي الحديث معهم في هذا المجال بالضبط. بادر بوشعيب لغماتي (شويش) الذي كان مدرب الاتحاد إلى معاتبتي واعتبار ما كتبته عنه غير صحيح. وأذكر أن السي عبد الله أمهيضرة النجار (من علامات المدينة التي لا تخطئها العين) تدخل لإطفاء غضب المدرب وإصلاح ذات البين. عندها وعدت المدرب بإجراء حوار مفتوح معه له أن يقول فيه ما يريد. وهو ما حصل بالفعل، فشكرني السي بوشعيب رحمه الله تعالى.
ومن أطرف ما يحكى في هذه المعارك الخفيفة، أني في صباح أزموري قد من ذهب، كنت أنحث صمت الطريق قاصدا دكان السي عبد الله رضى، وما كدت أصل موقع السوق المركزي للمدينة (لم أرتح لموقعه في يوم ما. أتذكر القديم بحنين جارف) المقابل لدرب عبارة عن عقبة صاعدة يدعى القشلة حتى انتهى إلى سمعي منبه سيارة الأستاذ عبد الهادي الزوهيري(رونو 16). كان حينها يشغل منصب رئيس المجلس البلدي للمدينة والنائب البرلماني باسمها. نادى علي مبتسما. وبعد السؤال عن الحال (كان صديق والدي رحمه الله تعالى) قال: لقد أطلعوني في العمالة على المقالة التي كتبتها عني في جريدة “الأنباء”. وإذ أشكرك، بودي أن أعرف من أين حصلت على صورتي المرفقة بالمقال. ابتسمت واعترفت له بأني أخذتها من بيته لما كان يدرسنا مادة الرياضيات (كان أستاذا للرياضيات) أنا وأخي عبد اللطيف. وهنا فاضت جلجلة ضحكه، وطلب مني ألا أتردد في زيارته متى شئت، لولا أن ذلك لم يحدث. وكم أسفت للظروف التي عاشها في المراحل الأخيرة من حياته رحمه الله تعالى، حيث ظل متمسكا بركوب قطار السلطة الذي لا يمكن للبعض ركوبه ثانية وقد كان من هذا البعض.