الفخ الأكبر للبنان

الفخ الأكبر للبنان

نضال آل رشي

       نتيجة الاستعصاء الدبلوماسي الذي يلقي بظلاله على الحرب الدائرة في لبنان، يبدو ان الأمور ذاهبة باتجاه المزيد من التصعيد العسكري، بالتزامن مع واقعٌ سياسيٌ داخلي ليس فيه جديدٌ يُذكر بل قديمٌ يُعاد، مراوحة بالمكان هنا وجعجعة بلا طحين هناك، هكذا أدار الساسة في لبنان بلدهم منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.

مخطئ من يظن بأنّ إسرائيل ستأخذ على عاتقها تحرير لبنان من النفوذ الإيراني وإنهاء وجود حزب الله أو حتى نزع سلاحه بالكامل. إسرائيل واضحة وخبيثة بذات الوقت في طرحها “سلاح حزب الله إلى ما وراء الليطاني”، لم يطالب أي مسؤول رسمي إسرائيلي بتطبيق القرار 1701 أو 1559، فهذه طروحات دولية وإن كانت برأيي لم تعد كافية لضمان الأمن والاستقرار في لبنان إلا أنها في ذات الوقت تتعارض مع المخطط الإسرائيلي.

المخطط الإسرائيلي هو “تحييد المخاطر القريبة من الكيان مع إبقاء لبنان متورطاً في نزاعاته الداخلية”. نتنياهو ومن حوله يريدون الإبقاء على الجزء غير الفعّال من سلاح حزب الله، وجعل هذا السلاح مشكلة لبنانية ولبنانية فقط. لا سلاح قريب من الحدود الإسرائيلية قد يهدد المستوطنين في شمال الجليل المحتل ولا كميّة كبيرة من الصواريخ بعيدة المدى أو الدقيقة التي قد تبقي الإسرائيلي متوجساً من أي اشتباك مباشر وواسع النطاق مع طهران في المستقبل، ولكن كمية من السلاح والمسلّحين المضغوطين في مساحة أصغر يهددون الداخل اللبناني المترنح ويمهدون لانفجار داخلي.

حزب الله وإن خرج ضعيفاً من هذه الحرب سيبقى أقوى من أقوى حزب لبناني، في ظل غياب المنافسين وتشرذم الخصوم وفائض القوة الذي راكمه خلال أربعين عاماً وما يمتلكه وسيبقى يمتلكه من إمكانيات عسكرية وسياسية ومالية وإدارية.

حزب الله بدون قياداته التي تعرف جيداً دهاليز السياسة في لبنان وكيفية المناورة والهروب من الصدام المباشر، وبدون صمام أمان مثل حسن نصر الله الشخص الذي نقول عنه بالعامية “بيمون ع الكل”، ومع قيادة جديدة لا تريد البدء بمشوارها مهزومة وعليها إعادة انتاج سردية “الحزب الحامي والمُعز للشيعة في لبنان”، والرغبة في استرجاع المعنويات واثبات القوة للمناصرين.

حزب الله وفي مقابله أحزاب بدأت بمحاولة التمادي عليه حتى قبل أن يُهزم فعلياً، وواقع لبناني داخلي مهترئ واقتصاد منهار.

لبنان مع مئات الآلاف من المهجرين ممن فقدوا منازلهم ومصدر رزقهم، ومئات آلاف اللاجئين السوريين العالقين، الذين فقدوا بلدهم ومن ثم فقدوا حتى البيئة الهشّة التي قاموا ببنائها خلال العشرة أعوام الماضية.

ألا تبدو هذه الوصفة مناسبة جداً وكافية لتفجير حرب أهليّة لا تبقي ولا تذر؟

على اللبنانيين عدم الوقوع في الفخ الإسرائيلي أو الدولي. ستحرص إسرائيل على وجود قوات دولية مسلحة وذات سلطات واسعة لتحمي حدودها مهما جرى في الداخل اللبناني وستحرص على انسحاب حزب الله وراء الليطاني، ضعيفاً وبأقل سلاح ممكن، ولكن “بسلاح”. بسلاحٍ استخدمه فيما مضى في الداخل اللبناني وتعرف يقيناً بأنه سيستخدمه مجدداً إن بقي.

حزب الله إن خرج مهزوماً بسلاحه سيكون حاله كحال العسكريين العائدين من الحرب الذين نقرأ عنهم في صفحات الحوادث، عادوا فاقدين للهوية ومصابين بالتروما ولديهم ضغط نفسي هائل وسلاح بين أيديهم لم تعد أسباب وجوده واضحة، ليدخلوا مدرسةً للأطفال ويفتحوا النار على كل من فيها فيقتلون الجميع ومن ثم يطلقون رصاصة في رأسهم أو تأتي قوات الأمن متأخرةً كالعادة ليضع قناص رصاصة في مكان ما.

لم يدرك اللبنانيون بعد أن هذه الحرب ليست حربهم وأنه كما لم يكن لهم القرار ببدئها فلا قدرة لهم على إنهائها وأن جلّ ما يمكن فعله هو تحصين ما تبقى من جبهتهم الداخلية. وأهم أجزاء هذا التحصين هو انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة من خارج الطبقة السياسية، وقرار دولي يحمي لبنان ويناسب الوضع الراهن وألّا يخرج حزب الله بسلاحه مهما كان الثمن.

ما ينتظر لبنان أكثر بكثير من تطبيق القرارات الدولية الموجودة على الطاولة، وعليه ألّا يقبل بأي منها، فلبنان بحاجة لقرار دولي جديد يأخذ بعين الإعتبار كل المتغيرات التي حصلت، قرار يساعد في تنظيم أكثر من مئة ألف مقاتل لم يعودوا مقاتلين، وجيش بحاجة إلى تسليح، ونازحين بحاجة إلى إعادة إعمار وتعويضات، وأزمة لجوء بحاجة إلى حل واقتصاد بحاجة إلى مساعدات دولية.

ختاماً، بوجود ملوك الطوائف على رأس السلطة في لبنان، وانشغالهم بالولدنة والمحاصصة والنكد السياسي، وفي منطقة لا تقبل التعدد ولا التنوع ولا الحرية ولا السلام، أخشى ما أخشاه بأنّ أيّاً مما ذكر لن يتم تحقيقه وأنّ هذه الحرب الإسرائيلية سيتبعها حرب أهليّة أخيرة لدولة أو لحلم دولة كان اسمها لبنان.

Visited 82 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

نضال آل رشي

كاتب وباحث