تقرأ لهم تُدهش.. تقرأ عنهم تزداد دهشة…
رضا الأعرجي
كتًاب وأدباء وفنانون ونجوم سينما، رجالاً ونساءً، انغمسوا في ممارسات كثيراً ما أثرت على حياتهم وأعمالهم، وشكلت صدمة حقيقية لجمهور القراء والمعجبين. والمفارقة، اعترافهم الصريح، في يومياتهم ومذكراتهم وسيرهم الذاتية، بهذه الممارسات التي أقل ما يقال عنها أنها شاذة ومنحرفة.
من الصعب حصر أعداد هؤلاء لكن بينهم من بلغت شهرته الآفاق من أمثال اللورد بايرون، كازانوفا، رودولف فالنتينو، شارلي شابلن، مارلون براندو، جيمس دين، دييغو ريفيرا، فريدا كاهلو، كوليت، جيرترود شتاين، فرجينيا وولف، أندريه جيد، أوسكار وايلد، رامبو، سومرست موم، جوزفين بيكر، يوكيو ميشيما، ماركيز دو ساد، بازوليني، إميلي ديكنسون، إديث بياف، تشايكوفسكي، سارتر ، سيمون دو بوفوار، السير مايكل ريدغريف، بول باولز، خوان غويتيسولو، جان جنيه، بول ايلوار، جان كوكتو، ألن غينسبرغ، اناييس نن، سوزان سونتاغ، غريتا غاربو، تينيسي ويليامز، جوان ديديون، جوديث بتلر …….. والقائمة تطول.
يُعد أندريه جيد (1869 – 1951) الكاتب الفرنسي المعروف بكتاباته شبه الذاتية، والحائز على جائزة نوبل في الأدب، من بين أبرز هذه الشخصيات التي لم تتورع عن الاعتراف بشذوذها.
ولد جيد بباريس في أسرة ثرية. الأب بول جيد أستاذ قانون والأم جولييت روندو سيدة بيت مثقفة إلا أنها صارمة متزمتة ومهيمنة.
كان جيد طفلاً وحيداً مريضاً، عُرف بالغباء في المدرسة، وقد طُرد منها مرة، عندما كان في الحادية عشرة من العمر، بسبب ممارسته الاستمناء في الفصل. أخذته أمه وهي تبكي إلى طبيب. هدده الطبيب بإخصائه لإجباره على التوقف عن هذه العادة.
في الثالثة عشرة، وقع جيد في حب ابنة عمه البالغة من العمر خمسة عشر عاماً: مادلين روندو التي أطلق عليها “حجر المغناطيس الصوفي”، وعبدها طوال حياته.
في العشرين، حصل على شهادة البكالوريا. ومنذ ذلك الحين تخلى عن مواصلة الدراسة وكرس وقته للموسيقى والكتابة والسفر.
وفي سن الخامسة والعشرين، أعلن صراحة أنه من الشواذ.
بعد وفاة أمه، تزوج من ابنة عمه لكن الزواج لم يكتمل قط حيث كان يعانى من “الملائكية” وهي حالة تمنع من ممارسة الحب مع الحبيب أو مع كائن مثالي (كما في الأساطير التي تتحدث عن ملائكة السماء وعدم التزاوج بينهم). وفي حالته كانت “الملاك” زوجته.
على مدى حياته، كان جيد ممزقاً بسبب الصراع بين الجانب الحسي والجانب الروحي في طبيعته. وكانت كتاباته محاولة للتوفيق بين هذين الجانبين.
كانت مادلين ذكية وشبه قديسة. لم تشتك من علاقتها الأفلاطونية بجيد، وكانت راضية طالما كانت قادرة على الاعتقاد بأنه نصفها الروحي. لكن في سن السابعة والأربعين وقع جيد في حب مارك أليجريت الذي تعرف عليه في حفل زفاف وكان يبلغ من العمر ستة عشر عاماُ.
لقد صدمت صراحة جيد، التي عبر عنها في أعماله، الجمهور وألحقت أذى عميقاً بزوجته. وعلى الرغم من أنه كان كاتباً ذا تأثير أدبي كبير في عصره، فقد حظرت الكنيسة الكاثوليكية أعماله، كما حُجِبَت عنه الأوسمة حتى عام 1947، عندما حصل، وهو في الثامنة والسبعين، على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة أكسفورد وجائزة نوبل في الأدب.
تطورت علاقة جيد بمارك إلى علاقة دائمة، وقد عانى من عذاب الغيرة لأول مرة عندما عاد مارك إلى المنزل في وقت متأخر من إحدى الليالي بعد زيارة الكاتب والفنان جان كوكتو شبيهه في الشذوذ.
وانتقاماً لـ “الخيانة الروحية” لجيد، أحرقت مادلين جميع رسائله إليها، ومع ذلك ظلت مخلصة له طوال حياتها وحتى وفاتها عام 1938.
فشلت المحاولات التي بذلتها عائلة جيد لقمع ميوله المنحرفة، وبسبب مواقف والدته، كان يعتقد أن النساء “الطيبات” لا يشعرن بأية مشاعر عاطفية.
بعد وفاة زوجته، عانى جيد من مشكلة هويته الجنسية ومدى ملاءمته للزواج. بيد أن محاولاته مع النساء باءت بالفشل هي الأخرى. وفي حين كانت لقاءاته مع الصبية الصغار مرضية له باستمرار استشار طبيباً بشأنها معترفاً بما اعتقد أنه انحراف ميؤوس منه. فحصه الطبيب، واستمع إليه، ثم قدم له بعض النصائح المتفائلة: تزوج.. تزوج دون خوف. وستدرك بسرعة أن كل ما تبقى ليس سوى خيالك.
كانت أول تجربة جنسية لجيد في الثالثة والعشرين من عمره مع فتاة عربية تبلغ من العمر أربعة عشر عاماً. كانت تتسكع في فندقه في تونس. عرضت عليه نفسها، وبعد تردد مصطنع استسلم لها بسعادة.
في وقت لاحق، حاول “تطبيع” شذوذه من خلال ممارسة الحب مع مريم، وهي بغي تبلغ من العمر ستة عشر عاماً لكن العلاقة انتهت عندما جاءت والدته إلى تونس لتمريضه من اصابته بالسل.
في العام التالي، التقى جيد، في الجزائر، بأوسكار وايلد وحبيبه اللورد الفريد دوغلاس. وفي إحدى الليالي، استقدم وايلد لجيد موسيقياً شاباً يدعى محمد. وقد اعتبر جيد ذلك الحادث ذروة تجربته العاطفية حيث أمضى وقتاً طويلاً في حالة من الابتهاج!
في الجزائر، تعلق جيد بخادمه الصبي الجميل عثمان البالغ من العمر خمسة عشر عاماً، والذي أطلق عليه اسم “اللؤلؤة السوداء”. وعندما كتب إلى والدته بشأن ارسال عثمان إلى باريس “للمساعدة في المنزل”، قالت له: لا أستطيع أن أتحمل هذا.
لم يستمع جيد إلى قرار امه، وظل يتجادل معها مدة شهر، ويتبادل الرسائل الغاضبة، وعندما وجهت له إنذاراً بأن خادمتها ستغادر إذا تم جلب “زنجي” إلى المنزل، اضطر جيد للرضوخ وترك الصبي، ولكن بعد أربع سنوات عاد إلى الجزائر، وعثر على عثمان وعاد به إلى باريس.
في السادسة والأربعين من عمره، بدأ جيد علاقة عاطفية مغايرة مع إليزابيث فان ريسلبيرج، ابنة صديق عمره. وقد أرسل إليها رسالة يقول فيها إنه يرغب في إنجاب طفل، وهي الأمنية التي تحققت في عام 1923 عندما ولدت ابنتهما كاثرين. وقد اعترف علناً بإنجابه لهذه الطفلة، وعاش ليصبح جداً.
عندما كان جيد صبياً كان يجد مشاعره تتحفز وتستثار بكثرة الألوان أو الأصوات الجميلة الصاخبة، وكذلك بـ “فكرة التدمير”. كان يشعر بالإثارة عندما يُفسد لعبة مفضلة لديه أو يسمع قصة عن تحطم الأواني الفخارية وتحولها إلى قطع. وفي وقت لاحق، كان ينجذب إلى الأطفال المعوقين أو المشوهين أو المتوحشين الذين كان يتعرف فيهم على بعض جوانب شخصيته.
قال جيد ذات مرة: إن جان جاك روسو كتب اعترافاته لأنه كان يعتقد أنه فريد من نوعه. وأنا أكتب اعترافاتي لسبب معاكس تماماً، ولأنني أعلم أن الكثيرين سيجدون أنفسهم فيها. ولكن لأي غرض؟ أعتقد أن كل ما هو حقيقي يمكن أن يكون مفيداً، وإن من الأفضل أن يكرهك الناس على ما أنت عليه من أن يحبوك على ما لست عليه.
Visited 27 times, 1 visit(s) today