حزب الله بين الشيخ نعيم قاسم والسيد حسن نصرالله!

حزب الله بين الشيخ نعيم قاسم والسيد حسن نصرالله!

سمير سكاف

       دخل الأمين العام الجديد الشيخ نعيم قاسم لعبة القرار والمرجعية كصاحب القرار الأول في حزب الله، بعدما كان الرجل الثاني لعدة عقود من الزمان، بشخصيته وخبرته الطويلة غداة اغتيال صديقه ورفيقه السيد الشهيد حسن نصرالله وبعده الأمين العام “الخلف” السيد هاشم صفي الدين

وهو، أي قاسم، وإن كان رفيقاً وفياً للسيد حسن نصرالله، إلا أن هناك نقاط تمايز كبيرة بين الرجلين في الشخصية، في الأداء، وفي إدارة حزب الله.

بعيداً عن الأحداث السورية التي كان يُفترض لحزب الله المساهمة فيها، لو كانت ظروفه أفضل، يأتي الشيخ نعيم قاسم بعد اغتيال السيد هاشم صفي الدين ليصبح أميناً عاماً لحزب الله بعد سلسلة اغتيالات كبيرة وعديدة للصفوف الأولى في الحزب،؛ اغتيالات لم ينجُ منها الكثيرون

ولكن الشيخ نعيم قاسم أصبح في الواقع أبرز شخصية في حزب الله بين تلك التي بقيت على قيد الحياة، خاصة وأنه وعلى الرغم من عمره، فهو من بين الأصغر بين جيل المؤسسين لحزب الله

وفي النظرة عن بعد يمكن القول إن السيد حسن نصرالله كان يملك كاريسما هائلة! كاريسما لا يختلف عليها أحد، لا بين جمهوره ولا بين خصومه، لا بين حلفائه، ولا بين أعدائه!

كان نصر الله يتحدث بتعابير مباشرة وسهلة الوصول إلى عقول وقلوب بيئته، وسهلة الوصول إلى عقول خصومه. كما كان يتحدث بلهجة قرار حاسمة ونبرة قوية. في حين أن الشيخ نعيم قاسم، لا يتمتع بالكاريسما نفسها، ولا يتحدث لا بالتعابير نفسها، ولا باللهجة نفسها ولا بالنبرة نفسها.

يتفوق الشيخ نعيم قاسم على السيد حسن نصرالله بخطاب أكثر واقعية، وبتحليل فيه تسلسل علمي وبسردية أقرب إلى الواقع. ولكنه يستعمل مفردات أكثر صعوبة على السامعين، مثل ‘أولي البأس” والتي لا يعرف الكثيرون أنها تشير إلى شجاعة مقاتلي الحزب الكبيرة.

في اللهجة، لهجة قاسم أكثر هدوءاً وأقل عدائية من لهجة نصرالله، مع حركة يدين وأصابع أقل تهديداً. في التعبير الجسدي، لا حركة للإصبع، بل حركة لليدين. يتحدث قاسم بمضمون تهديدي ولكن ليس بلهجة تهديدية. وهو دائماً ما يعطي تبريرات أكثر علمية من نصر الله.

تبدو شخصية الشيخ نعيم قاسم أكثر جدية من شخصية نصرالله! فهو نادراً ما يبتسم. بعكس شخصية نصرالله! فنصر الله كان قادراً أن يبتسم ويمازح جمهوره في أقسى لحظات خطابه.

خطوط حمر نصرالله الأخيرة أسقطها نعيم قاسم. ويعود ذلك بالتأكيد إلى التطورات الميدانية القاسية على حزب الله؛ التي بدأت بعملية البايجرز واللاسلكي، وصولاً إلى اغتيال نصر الله نفسه. وأيضاً بسبب فواتير القصف والتدمير والتهجير وشلال الشهداء والجرحى… 

وهو ما أدى بقاسم إلى التخلي عما كان يعتبره نصر الله مستحيلاً؛ أي التخلي عن حرب الإسناد وبالتالي فك الارتباط مع حرب غزة، والموافقة على التراجع إلى شمال الليطاني، والقبول بتنفيذ واسع للقرار 1701+، والموافقة على حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، والموافقة على لجنة رقابة برئاسة “الشيطان الأكبر”… وصولاً إلى ما هو وارد في نص الاتفاق من عدم إطلاق النار على إسرائيل وضرورة تسليم سلاح حزب الله!

علماً أن نصرالله كان فاوض الإسرائيلي، خلال قيادته لحزب الله، أكثر من مرة بشكل غير مباشر، إن في قضايا تبادل الأسرى أو في عملية الترسيم الحدود البحرية

وكان نصر الله قد وافق على تنفيذ القرار 1701 إثر حرب تموز 2006. ووافق على عدة مستندات أممية تذكر بالإسم “دولة إسرائيل”! ما اعتبره كثيرون نوعاً من أنواع التطبيع، ولو غير المباشر.

في الشكل، وصل الشيخ نعيم قاسم إلى الأمانة العامة بعمر 71 عاماً (وهو من مواليد شباط/فبراير 1953)، أي بضعف عمر نصرالله (مواليد 31 آب/أغسطس 1960) عندما أصبح أميناً عاماً للمرة الأولى.

شعل نصرالله مركز الأمين العام، بعد اغتيال إسرائيل للأمين العام السابق لحزب الله السيد عباس الموسوي في 16 شباط/فبراير 1992. وقد شغله نصرالله مدة 32 سنة بين العام 1992 والعام 2024. وشغل نعيم قاسم مركز نائب الأمين العام 33 سنة بين العام 1991 والعام 2024 قبل اختياره أميناً عاماً مؤخراً.

نصرالله كان اختبر الشهادة باستشهاد ابنه البكر هادي عن عمر 18 سنة بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر 1997 في مواجهة مع الإسرائيلي.

إن السيد حسن نصر الله هو من مواليد منطقة النبعة – برج حمود في ضاحية بيروت الشرقية، وترعرع في منطقة ساحل المتن المختلطة مع المسيحيين. في حين أن الشيخ نعيم قاسم هو من مواليد كفركلا الحدودية الجنوبية

نصرالله بعمامته السوداء كان سيداً، في حين أن قاسم بعمامته البيضاء شيخاً، ولكنه ليس “سيداً“!

نصر الله درس الفقه في النجف على يدي الإمام محمد باقر الصدر حين أن قاسم يملك إجازة في الكيمياء وعمل مدرساً لها في المدارس الرسمية، بالإضافة إلى متابعته للدراسة الفقهية على يدي الشيخ العلامة محمد حسين فضل الله. قاسم وضع الكتاب الأبرز عن حزب الله، عن تاريخه وخبرته ومستقبله.

في العلاقة مع باقي اللبنانيين، يراعي قاسم أهل البلاد أكثر من نصرالله. وهو أكثر انفتاحاً للتعاون مع باقي اللبنانيين. وقد يبرر ذلك شخصية قاسم الأكثر أكاديمية من نصرالله، ولكن الأقل تجربة في الميدان عسكرياً.

حزب الله الجديد سيكون مطبوعاً بشخصية الشيخ نعيم قاسم. وسيكون مختلفاً بالتالي عن حزب الله بقيادة نصر الله. علماً أن شخصية نصرالله هي، من دون شك، أكثر “قيادية” من شخصية قاسم!

ولكن يبقى الطاغي على قرار حزب الله المباشر هو المرجعية الإيرانية والانتماء إلى محورها

ويجب انتظار مدى التزام إيران الجديد مع الشيخ نعيم قاسم بعد غياب العامود الفقري لعلاقاتهما! هذه العلاقة التي بُنيت طويلاً على ركيزة الثنائي قاسم سليماني – حسن نصرالله!

فسليماني، صديق نصرالله، هو الذي ساهم بوصول الأموال الإيرانية بسرعة للسيد حسن نصر الله للمساهمة بإعادة البناء بعد حرب تموز 2006! فهل يجد الشيخ نعيم قاسم دعماً مماثلاً له اليوم في إيران؟!

حتى إيران اختلفت في زمن الشيخ نعيم قاسم عن زمن السيد حسن نصرالله. ونصر الله قد يكون دفع بحياته هذا الاختلاف مع تصاعد محور بازشكيان – ظريف المنفتح على “الأخوة” الأميركيين في وجه الحرس الثوري الإيراني المحافظ، والذي تخلى عن قسم كبير من الساحة الدولية للرئيس مسعود بازشكيان ولوزيره محمد جواد ظريف.

اختلافات كثيرة بين قاسم ونصرالله. ولكن السؤال الأهم هو هل ينقل قاسم حزب نصرالله من العسكرة إلى السياسة البحتة؟! وهل يقود قاسم سفينة نصرالله إلى الأمن والسلام، ولو بعد حين؟! إن الغد لناظره قريب!

Visited 7 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة