رحيل الشاعر المغربي محمد عنيبة الحمري
بعد معاناة مع المرض، توفي اليوم الأربعاء 25 دجنبر ،2024 بإحدى مصحات الدار البيضاء، الشاعر المغربي محمد عنيبة الحمري عن عمر 78 عاما.
الراحل محمد عنيبة الحمري من مواليد 1946 بمدينة الدار البيضاء. تابع دراسته الإعدادية والثانوية بمؤسسة مولاي إدريس الأزهر. التحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، وحصل على الإجازة في الأدب العربي سنة 1969، وعلى شهادة الدروس المعمقة سنة 1975. واشتغل بالتعليم الثانوي بالدار البيضاء.
صدرت له نصوص شعرية بمجموعة من الصحف والمجلات المغربية والعربية.
ومن أبرز دواوينه المنشورة: “الحب مهزلة القرون”، والشوق للإبحار” و”مرثية للمصلوبين”، و”داء الأحبة”، و”رعشات المكان“.
***
نعاه صديقه وزميله في الدراسة بجامعة فاس، الإعلامي والكاتب محمد بوخزار بكلمة عنونها ب: “عنيبة الحمري: الموت مهزلة الحياة!
جمعتنا مودة عميقة، خلال سنوات التحصيل الجامعي في فاس..كان دمث الخلق والأخلاق ،لطيف المعشر مع ميل الى خجل طبيعي فطري. لم اره يوما ،يرفع صوته على احد؛ في خضم النقاش الحاد والعادي بين الطلبة؛ أو حتى اثناء قراءة شعره ، بينما القاعة تطلب منه المزيد بصوت أعلى .
أتذكر فرحتنا بديوانه الأول( الحب مهزلة القرون) والطقوس الاحتفالية التي استقبلته بها المنظمة الطلابية الملتحمة الصامدة:الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. كانت ملانا الفكري والإنساني. في ظلها عرفنا من صاروا احبابا واصدقاء، وربما اصهارا في فاس
صار عنوان المجموعة، قولا مأثورا متداولا، بايحاءاته السياسبة المعلنة ؛ بل أصبح مضرب المثل في المجتمع الطلابي الزاخر بالصخب والأحلام المستحيلة الاي ميزت ذلك الوقت العصيب، من عقد الستينيات شديد الاحتقان وآلام انسداد الافق السياسي.
وخلال لقاءاتنا البعدية،القليلة في المناسبات الثقافية؛ في الدار البيضاء أو الرباط، وربما في أماكن اخرى، كنت القاه بنفس السمت والهدوء الطلابي. لم تتغير ملامحه كثيرا . واحيانا كنت اخاطبه مازحا : احمد الله أن الرأس اشتعل شيبا ،ولكن الشعر مقاوم، يرفض إخلاء الصلعة الصامدة .
واليوم وقد هزني هذا الخبر. لا ادعي معرفة استثنائية بالفقيد؛ فقد باعد بيننا الزمن وطبيعة عمله التعليمي قبل التقاعد؛ لكنني كنت احب الرجل بصدق واعزه كثيرا؛ لتواضعه الانساني الصافي. لم يكن مكثرا في الشعر ، لكن تجربته متفردة ونوعية في المشهد الشعري الحديث. وحمدا للله أن جائزة وزارة الثقافة أدركته دون أن يسعى إليها أو يشكل حواريين حوله. لم يكن نرجسيه قطعا ولم يتباه بشاعريته ابدا ؛ مثلما ظل صراعه مع المرض اللعين خفيا ، حتى فجعنا رحيله يوم ولد المسيح.
وداعا السي محمد ..السكينة لروحك. لم ندرك قلقك الدفين ووجعك الممض. اغفر لنا أن نسينا أو أخطأنا في حقك.. لم يكن الحب “مهزلة القرون” بالمعنى السياسي الذي قصدته..فقد آثرت عليه ” النضال” الطبقي..والحقيقة أن الموت؛ هو أو هي، “مهزلة الحياة” بقرونها الموغلة في القدم. غفر الله لنا ولك.
أما صديقه وزميله بنفس الجامعة، كلية آداب فاس السبعينيات، الشاعر والناقد عبد الجبار العلمي فكتب:
“ في تأبين صديقنا الشاعر المغربي الرائد محمد عنيبة الحمري،
عزاؤنا واحد في رفيق العمر الجميل في كلية آداب ظهر المهراز بفاس محمد عنيبة الحمري أحد رواد الشعر المغربي الحديث ، صاحب ” الحب مهزلة القرون ” الذي طبعه وهو مازال طالبا ً . الرجل البشوش الذي لا تفارق البسمة محياه منذ عرفته طالبا في فاس وأستاذا في الدار البيضاء . كنت كلما التقيته مصادفة في المدينة العصرية في الشوارع الرئيسية التي كنا نرتادها ، حيث أكشاك الجرائد والمجلات والكتب، يلقاني بابتسامته المعهودة ونسلم على بعضنا البعض بالأحضان . كان إذا جالسته في مقهى إلا وجعل الجلسة مفعمة بالمرح والبهجة بروحه المرحة وقلبه الذي لا يحمل إلا الطيبة والمحبة للجميع. وأشهد أنه كلما أصدر ديوانا من دواوينه أهداني إياها أذكر منها “الشوق للإبحار”و “رعشات المكان.”، ولا أنسى أنه كان يبعثها إلي عبر البريد. اشتغل ناظرا في ثانوية الإمام مالك الذائعة الصيت في البيضاء ، وكانت سمعته الطيبة تملأ الآفاق باعتباره شاعرا ومربيا وإداريا وإنسانا لبقا يحسن معاملة الأساتذة والتلاميذ. لا يُذكر سواء من لدن زملائه الأساتذة أو داخل أوساط الطلبة الذين تخرجوا من المؤسسة إلا بالخير والاعتراف بمكانته وفضله. كما لا يمكن أن أنسى تلبيته ، هو وصديقنا الحبيب الشاعر الرائد إدريس الملياني ، دعوةَ الثانوية التي كنت أعمل بها بحي سيدي البرنوصي للمشاركة في أسبوع ثقافي ذات سنة، وذلك بإحياء أمسية شعرية باذخة، ألقى فيها الشاعران جملة من أشعارهما. وحظي التلاميذ بالتعرف على شاعرين مغربيين رائدين ، واستمتعوا وأفادوا من تلقيهم لشعر جديد لا عهد لهم به في مقرراتهم الدراسية. لن ننساك ، شاعرنا المبدع ، ولن ننسى ابتسامتك المشرقة ، وعشرتك الطيبة ، وأخلاقك الرفيعة. وعزاؤنا أنك من زمرة الخالدين ضمن الشعراء الذين مازلت أسماؤهم باقية خالدة لا يمكن أن تمحوها يد النسيان .