ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
كاركاسون- المعطي قبال
ستكون أجندة العام الجديد مرشحة لسلسلة أحداث ووقائع بدأت تشغل الرأي العام السياسي والإعلامي الدولي والعربي. ونظرا لطبيعتها الصادمة قد يحرك بعضها في الوعي واللاوعي شعور الكراهية والنبذ لكل ما هو عربي ومسلم. ومن المرتقب أن تجني إسرائيل في الأخير ثمار هذا النبذ. أول حدث بدأ يشغل اهتمام الرأي العام الفرنسي بكل أطيافه هو مرور عشر سنوات على الهجوم على مقر جريدة “شارلي ايبدو”، والذي ذهب ضحيته 11 شخصا ما بين صحافي وعامل تقني. ويعتبر الرسامون الثمانية الذين قضوا في الهجوم من خيرة الكاريكاتوريين الفرنسيين.
بهذه المناسبة تصدر “شارلي ايبدو” عددا خاصا في 32 صفحة، وفي عنوان «هاشتاغ لنسخر من الرب». وفي نفس السياق نشرت أو تنشر جل الصحف والمجلات الفرنسية أعدادا خاصة للاحتفاء بهذا الحدث الذي نقل العنف إلى قلب الجمهورية الفرنسية وخلخل أسس الديمقراطية العلمانية التي تقوم عليها فرنسا. كما تنظم مظاهرات مساندة، تلقى بودكاستات وتسجيلات حية لوقائع هذا الحدث.
هذا يدل على أن الإسلاموفوبيا نشاط نابض لكن الإسلام رغم محاولات نبذه من المجال السياسي يبقى مكونة أساسية من المكون الفرنسي. على ضوء هذا «الاحتفال» سنسمع خطابا مكرورا ومجترا يختلط فيه الشعبوي بالقومي وتوجه فيه الأنظار إلى العرب والمسلمين. وتأتي هذه الذكرى في ظرفية تعرف فيها صورة إسرائيل ترديا بل انتكاسة واضحة. ومن غير المستبعد أن يصب الحدث في خانة إسرائيل ويعطيها «مصداقية» لإبادة الفلسطينيين.
الحدث المميز الثاني الذي بدأت تجلياته في التجسد هو بداية العهدة الثانية لدونالد ترامب بدءا من 20 يناير بعد فوزه على الديمقراطية كمالة هاريس. ويصبح بذلك الرئيس 47 للولايات المتحدة الأمريكية. ومن بين أولوياته، كما أشار، هو الشروع في تطبيق أكبر عملية طرد للأجانب في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ووضع حد لما أسماه هذيان التحول الجنسي. ويلعب إيلون ماسك دور الظل لدونالد ترامب، حيث لا يمر يوم من دون أن يخرج من جعبته قرارا صادما ومتطرفا. ويبقى ملف السياسة الخارجية لأمريكا محكا على لما ستقوم به في قضايا ساخنة مثل الحرب الأوكرانية الروسية، أو ملف الشرق الأوسط الذي ينظر له إن تحقق السلم كساحة للتبعية الأمريكية، وإلا أشعل فتيل المواجهات داخل البلد الواحد.
وفي الحرب على غزة، أعرب ترامب بصريح العبارة عن رغبته في تحويل القطاع إلى مقبرة، في الوقت الذي لا تعدو فيه شيئا آخر غير كونها مقبرة لم تعد تستوعب قتلاها!
ثمة أحداث تعرفها السنة تتعلق بمحاكمات لممثلين سينمائيين، مثل محاكمة جيرار دوبارديوه، أو محاكمات سياسية بسبب اختلاسات، مثل محاكمة الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، وذلك في قضية تمويل حملته الانتخابية لعام 2007 بأموال ليبية، أو تنظيم الأورو النسائي لكرة القدم بدءا من ثاني يوليوز، أو عودة المجموعة الموسيقية وازيس إلى حلبة الغناء بعد 15 عاما من الخصومة والصمت.
أي مصير ينتظر سوريا بعد هروب الأسد؟ يعتبر هذا السؤال أحد أهم الأسئلة التي ستشغل أحداث 2025. بدأت الزيارات المكوكية للأوروبيين على وجه خاص، وذلك خوفا من التأثير والنفوذ التركي، الذي قد يستحوذ على البلد. بيد تركيا بالفعل أوراق ضغط كثيرة وقوية ويطمح أودوغان، في مرحلة أولى إلى أن يكون الوسيط الفعلي للأوروبيين. فهل سيقبلون بهذا الدور، أم سيتعاملون مباشرة مع أسياد سوريا الجدد، وفي أسوأ الحالات أن يمروا عبر دول الخليج لفرض سلطتهم على دمشق؟
الحدث الثالث الذي ستكون له انعكاسات عالمية، هو انعقاد قمة البيئة بمدينة بيلين بالبرازيل، وهي القمة الثلاثون والتي ستحاول أن تكون أفضل من سابقتها بعد أن سجلت مقاييس الحرارة في العالم معدلات قياسية. وبعودة ترامب إلى الحكم والذي يعرف بمواقفه الارتيابية تجاه الاقتراحات التي تصدرها الهيئات والمنظمات التي تسهر على البيئة ستكون المهمة جد صعبة على المنظمين لإقناعه بتغيير موقفه.
في الثالث عشر من نوفمبر «تخلد» فرنسا مجددا الهجمات التي قام بها كوماندوس عام 2015، والتي طالت كلا من قاعة الباتكلان للحفلات الموسيقية وبعض المقاهي والملعب الكبير، ستاد دو فرانس بالسان دونيه والتي خلفت 130 قتيل. سيعيش عام 2025 على بقايا العام الماضي، وينضاف له عنف من نوع آخر، آلام، مآسي وكوارث بمستوى غير مألوف.
على أي، وكما قال طرفة ابن العبد: ستُبْدي لكَ الأيّامُ ما كنتَ جاهلاً، ويأتيك بالأخبار من لم تزود.