العهد الجديد أمام القرارات الدولية وإعادة هيكلة المؤسسات
أحمد مطر
الاختراق الكبير الذي تحقق من خارج ما اعتادت عليه المنظومة السياسية، مع انتخاب العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية، وتكليف رئيس الحكومة نواف سلام، تشكيل الحكومة الجديدة، يكون لبنان قد قطع شوطاً لا بأس به لتحصين نفسه، من جملة تحديات تعصف بالمنطقة، داخليا وخارجيا، وفي مقدمتها، إعادة النهوض بالدولة والمباشرة بحل الأزمات والمشاكل الضاغطة، ماليا واقتصاديا، ومتابعة الجهود والمساعي المبذولة، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الجنوبية، واستكمال تنفيذ القرار الدولي رقم1701 ونشر الجيش اللبناني بالتعاون مع قوات الامم المتحدة في هذه المناطق.
التحدي الأساس الذي يواجه الدولة بعد اكتمال تشكيل الحكومة الجديدة، استكمال تنفيذ القرار الدولي رقم 1701، بشقيه لنشر الجيش اللبناني جنوبا حتى الحدود الدولية، وتسلم كل مواقع ومخازن اسلحة حزب لله بالمنطقة، ومواجهة الخروقات الإسرائيلية، والثاني منع الظهور المسلح لأي جهة حزبية بالداخل اللبناني، أي شمال نهر الليطاني ومصادرة مخازن الأسلحة، لصالح الدولة اللبنانية، استنادا لمندرجات القرار المذكور بالرغم من محاولات حزب لله، إعطاء تفسير مغاير للقرار المذكور، وإعطاء نفسه حق الاحتفاظ بسلاحه شمال الليطاني، كما أعلن الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم بهذا الخصوص أكثر من مرة، ما يطرح تساؤلات واستفسارات عن كيفية حل هذا التباين بين الدولة والحزب، لاسيما وأن رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، أعلن في خطاب القسم أنه لن يكون هناك سلاح، غير سلاح الدولة اللبنانية.
لن يكون موضوع سلاح الحزب بالداخل معزولا عن باقي تحركات الدولة لتنفيذ القرار 1701، مهما حاول الحزب فبركة التفسيرات والاجتهادات المنقوضة، لإبقاء سلاحه خارج سلطة الدولة وقرارها، لاسيما وأن المجتمع الدولي، يراقب كيفية تعاطي لبنان مع تنفيذ القرار المذكور، وأي تلكؤ في خرقه أو تغاضي الدولة اللبنانية عن القيام بمهامها ومسؤولياتها، لقمع المخالفات المتعلقة به، يعرض لبنان، للمساءلة واتخاذ التدابير التي تعيق خطط الدولة، لإنقاذ لبنان من أزماته ومشاكله المالية والاقتصادية، وتوقف المساعدات المطلوبة لإطلاق ورشة إعادة إعمار ما هدمته الحرب الإسرائيلية على لبنان، في هذا السياق ليس من قبيل الصدفة تطرق الرئيس المكلف نواف سلام، إلى الالتزام بالدستور في معرض رده على مسار المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة.
البعض يعتبر أن سلام، يتعمد الرد بشكل غير مباشر، على كل ما يثار ويطرح من مواقف ومطالبات بالحصص الوزارية والحقائب الوازنة بالتشكيلة الوزارية الجديدة.
ما يريده الرئيس المكلف من تكرار تمسكه بالدستور المنبثق عن الطائف في مشاوراته مع كل الأطراف، قوله إن تجاوز الدستور بعملية تأليف الحكومة الجديدة، كما كان يحصل في العقود الثلاثة الماضية، بقوة الأمر الواقع، تارة بوجود الجيش السوري وتارة أخرى بهيمنة سلاح حزب الله، لا يتلاءم مع مرحلة التغيير السياسي التي بدأت، ويبقى الاحتكام إلى الدستور هو الفيصل في حسم الخلافات، على الصلاحيات، أو تشكيل الحكومة كما قال، وإن كان ما يهدف إلى تحقيقه دونه تشبث بعض هذه الأطراف، بالمكاسب التي حققها في السابق، وهو يعاند ويخترع الحجج ويعطل التشكيل في سبيل الاحتفاظ بها باستمرار.
هناك تحديات أخرى أمام الدولة اللبنانية أيضا، تكمن في المتغيرات المتسارعة بعد سقوط نظام بشار الأسد والإجراءات الاستثنائية المطلوب اتخاذها، لمنع أي مخاطر ناجمة عن عمليات تهريب الأسلحة أو احتمال تسرُّب عناصر إرهابية إلى الداخل اللبناني، وغير ذلك من التجاوزات اللاقانونية على جانبي الحدود اللبنانية السورية، وإعادة النظر بجملة من الاتفاقيات المعقودة بين البلدين في المرحلة المقبلة.
بوجود سلطة متكاملة للدولة اللبنانية، يمكن تفادي أي تداعيات محتملة، لتوتر العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموما مع إيران، وإمكانية حصول صدام عسكري محتمل بينهما، مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو التقليل من مفاعيلها السلبية على لبنان.
ختامًا مهمة الحكومة المقبلة ستكون صعبة جدا ومليئة بالألغام السياسية، على الرغم من أن الداخل والخارج يعلم جيدا أنها ستكون حكومة مهمة مدعومة دوليا. ومهمة هذه الحكومة يمكن اختصارها بـ”حكومة العبور إلى مشهد سياسي مختلف في البلد.