فى الذكرى 62 لرحيل بطل الرّيف الزّعيم محمّد عبد الكريم الخطّابي

فى الذكرى 62 لرحيل بطل الرّيف الزّعيم محمّد عبد الكريم الخطّابي

د . محمد محمد خطّابي

ذكراك فى  القلوب راسخةٌ يا غرّة الأوفياء

         فى السادس من الشهر الجاري فبراير من عام 1963 انتقل أسد الريف، الزّعيم البطل المغوار المشمول برحمة الله محمّد بن عبد الكريم الخطابي، إلى الباري جلّت قدرته بمدينة الألف مئذنة القاهرة، تغمّده الله تعالى بواسع رحمته، وأنزل عليه شآبيب رضوانه وغفرنه، وأسكنه فسيح فراديسه وجنانه، واستبشاراً، واستحضاراً واستذكاراً، واستغواراً، وتخليداً لما قام به وأنجزه هذا الرّجل الشّهمُ، وحيد دهره، وفريد زمانه إلى جانب المجاهدين الصّناديد، والشّهداء الأبطال الآخرين رحمهم الله تعالى جميعاً بواسع رحمته، الذين أعطوا النّفسَ والنّفيسَ، من أجل صَوْن كرامتهم، وشهامتهم، والذّوذ عن شرفهم، ونخوتهم، خلال الملاحم البطولية الرّائعة والفريدة التي خاضها أجدادُنا الميامين ببسالة، وشهامة، وبشجاعة منقطعة النّظير ضدّ المستعمِر الاسباني الغاشم، والتي سَمَتْ بالمغرب، وبالمغاربة الأحرار قاطبةً وبالرّيف الوريف إلى أعلى مراتب العزّة والكرامة، وأسمى منازل السّؤدد والمجد، وبوّأت هذا البلد الأمين مغربنا الحبيب أرقى مقامات الرّفعة، أسمى ومنازل  السموّ والخلود، فى مختلف بقاع وأصقاع المعمور.

فى مثل هذا اليوم المشهود ، وفى هذا التاريخ المعهود، أي منذ إثنيْن وستّين عاماً، طُوِيتْ صفحةٌ مشرقة من صفحات تاريخ النضال البطولي المغربي ممثّلاً فى الحرب الرّيفيّة التحرّرية الدفاعية الماجدة ضدّ الاستعمار الغاشم، ولم تُطْوَ أصداؤها، ولم تُمْحَ مناقبها  ولن تنسى أبعادُها، وأمجادها ومآثرها، التي ما إنفكت الأجيال تحتفي وتحتفل وتتغنّى بها فى مختلف ربوع هذا البلد الامين من أقصاه إلى أقصاه، وتشاركه فى الاحتفال بهذه الملاحم البطولية كلّ شعوب العالم التوّاقة إلى الحرية والانعتاق، وما برحت تذكّرنا هذه الذكرى التاريخية العتيدة تلقائيّاً وعفويّاً بالمعارك الكبرى الباسلة التي خاضها المجاهدون الصّناديد  الأفذاذ ضدّ المستعمِر الإسباني وضد كلّ من ساعده وسانده.

وما زالت ذُرَّة المعارك الخالدة، والبطولات  الفريدة، وذِرْوة الانتصارات، وأمّ المعارك فى تاريخ المغرب المعاصر المجيد معركة ”أنوال” الماجدة خالدة فى أذهان، وعقول، وقلوب، ووجدان المغاربة قاطبة إلى اليوم  وبهذه المناسبة نتضرّع إلى المولىَ جلّ وَعَلاَ ليشملَ كافةَ مجاهدينا الأشاوسَ الأبرار، وشهداءَنا الميامينَ الأخيار في أعالي شمال المغرب وأقاصي جنوبه وفى شرقه وغربه بواسع رحمته، و أن يُسكنهم اللّهُ تعالى جميعاً فسيحَ فراديسه وجنانه، وأن يُمطر عليهم شآبيبَ رضوانه وغفرانه، إنه تعالى على ما يشاء قدير والإجابة جدير.

وأذكر من بينهم فى هذا المقام (جدّنا الأبرّ من والدنا المُنعّم تغمّدهما اللهُ تعالى بواسع الرّحمات) المجاهد الصّنديد “مُوحْ نَ سِّي أحمد الورياغلي الأجديري خطّابي”، شهيد معركة أنوال الخالدة، إلى جانب العديد من الشّهداء الآخرين الأبرار، والأبطال والميامين الأخيار فى غرّة  يوم الأربعاء 21 من شهر يوليو 1921.

وعلى الرّغم من شحط المزار، والنأي عن الديار، والبُعد عن الوطن الغالي الحبيب، تفتّقت القريحة، وجاد العقلُ، وتدفّق القلبُ، وانتشتِ الرّوحُ، وتحرّك الوجدانُ، ونطق الِلسانُ، وفاض الجَنانُ بهذه الإفصاحات التلقائية، والإجهاشات الإستكناهية، والمشاعر الاسترجاعية، وبهذا الدّفق المتنامي، والتداعي العفوي العميق، فأقول:

 ذكراك فى  القلوب راسخة يا غرّة الأوفياء

تَداعىَ بناءُ المجد بالكوكب الدرِّي/

ونورُ شموس اللّه غاب مع الظّهرِ/

تَداعىَ حِمَى الإيمانِ والعَدلِ والهُدَى/

وقوّةُ بأسٍ دونها قوّة الذرِّ/

أبطالٌ بـ”أنوال” جاشت نفُوسُهم/

فأصبحُوا نورَ التّرب والمِسكَ للقبر/

فهامت عقولٌ كانت بالأمس رشدَها/

وزاغتْ عيونٌ دمعُها لجّةُ البّحر/

أشاوسُ طابت لكم الشّهادةُ والعُلا/

واسمُكمْ على كلِّ لسانٍ به يَسْرىِ/

لقد هبّ المغاربة عن بكرة أبيهمُ/

وحلّت على الأعداء قاصِمَةُ الظّهرِ/

وَكَالطّيرِ مقصوصِ الجناحيْن فارْتَمَى/

على الصّخرِ منهوكاً تحطّم بالكسرِ/

كأنّ لدَى استشهادكُمْ يا نخوةَ أَرْضِنَا/

جُسُومٌ بلا رأسٍ أيادٍ على البَّتر/

أبناءُ الأماجدِ والأفاضلِ والحِجَى/

أحفادُ المَكَارِم والميامين والفخْرِ/

كلّ المداشرِ والعشائرِ تزدهي/

ببسالتكم دَوْماً من نَصْرٍ إلى نصر/

فخرَ الأمازيغ والصّناديد والنُّهَى/

مجدَ المعالي والنّدَى وغُرّة الدّهرِ/

أساسُ جِهادُكمْ فرقانٌ وشهادةٌ/

وذِكْرُكُمُ للّه فى السرِّ وفى الجَّهْر/

ذكراكمُ فى القلوب لنا تميمةٌ/

وحبّكم فاضَ من حيثُ أدْرِى وَلاَ أدْرِى/

هذا “أَجْديرُ” قد ألقى إليكمْ بسَمْعِه/

وذِكْركم فى كلّ رياضٍ به يَجري/

من العُجْب أنْ يُرَوَّعَ الرُّومِيُّ ويَنْثني/**

تحت أَقْدَامِكُم وإِقْدَامِكُم سَاعَةَ الظّفرِ/

طلائعُ النّور ترنو إليكمْ بقلبها/

وذكراكمُ فى كلِّ نفسٍ عاطرةِ الذّكر/

حُشْدٌ على الحقِّ صُنَّاعُ المَجْد والفِدَا/

مع كلِّ طلعةِِ شمسٍ أو قمَرٍ أو بَدْرِ/

أنوالُ يا مَعْقِلَ البطولات بأسرها/

أدواحُكِ الفيحاءُ دائمةُ النّضر/

____________________________________________________________________________________

*- تحريراً فى السادس من فبراير 2025 بـ “حيّ المزمّة” (أجدير) الحصين – الحسيمة.

** الرُّوميّ” أو ذَارُوميِ، هو الاسمُ أو الصّفة أو النّعتُ الذي كان يطلقه أهلُ الرّيف على الإسبان، أو على الأجنبيّ بشكل عام، وواضحٌ أنّ هذا الاسم يعود لعهد الرّوم منذ وجود الإمبراطورية الرّومانية قبل الفتح الإسلامي بشمال إفريقيا، وجَمْعُه” إِيرُومِييّن”.

Visited 5 times, 5 visit(s) today
شارك الموضوع

د. محمد محمد الخطابي

كاتب، وباحث، ومترجم من المغرب عضو الأكاديمية الاسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم بوغوتا كولومبيا