الإعلام وتشكيل المواطنة النشيطة
عائشة بوزرار
تشغل العلاقة بين وسائل الإعلام والمواطنة، عددا من الباحثين الأكاديميين والمهنيين لأهمية الموضوع المرتبط بقضايا متصلة بالتفكير في المواطنة والتمثلات المتفرعة، وتُعد لوري أوليت Laurie Ouellette الباحثة الأكاديمية الأمريكية المتخصصة في الإعلام، والأستاذة بجامعة مينيسوتا، واحدة من الباحثات التي تشتغل في أبحاثها على التلفزيون وسياسة الإعلام وكيفية تشكيل البرامج التلفزيونية للهوية والمواطنة، وقد كتبت ضمن بحثها عن المواطنة في علاقتها بالإعلام، وتُعتبر وسائل الإعلام أحد العناصر الأساسية في تشكيل المجتمعات الحديثة، حيث تلعب دورًا محورياً في نقل المعلومات، وتشكيل الرأي العام، وتعزيز المشاركة السياسية. ومع تطور هذه الوسائل، بدءًا من الصحف والمجلات وصولًا إلى التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت العلاقة بينها وبين المواطنة أكثر تعقيدًا. فمن جهة، تساهم وسائل الإعلام في توعية المواطنين وتمكينهم من المشاركة في الشؤون العامة، بينما من جهة أخرى، تُثير مخاوف بشأن تأثيرها السلبي على الديمقراطية، من خلال التركيز على المحتويات السطحية والترويج للقيم الاستهلاكية. لذا، فإن فهم هذه العلاقة المتناقضة يتطلب تحليلًا دقيقًا للتحديات والفرص التي تطرحها وسائل الإعلام في سياق المواطنة في العصر الحديث.
فمنذ ظهور وسائل الإعلام الجماهيرية، أبدى علماء الاجتماع والنقاد مخاوفهم بشأن تأثيرها الضار على الديمقراطية لأنها قد تُستخدم للتحريض على الكراهية والعنف ضد فئات مُعينة من المجتمع، مما يُؤدي إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية، وتهديد السلم الأهلي، أو التلاعب بالرأي العام من خلال استخدام تقنيات إعلامية مُتقدمة، مثل الإعلانات المُستهدفة، والتحليل النفسي للبيانات، مما يُؤدي إلى تقويض حرية الاختيار للمواطنين، وكذلك تركيز ملكية وسائل الإعلام في أيدي عدد قليل من الشركات أو الأفراد قد يُؤدي ايضا إلى تقليل التنوع في الرأي، ويُحد من حرية التعبير.
وتستند هذه المخاوف عادةً إلى افتراض أن وسائل الإعلام التجارية تتاجر بالمتع التافهة والعواطف والقيم الاستهلاكية التي تعيق المشاركة العامة في الشؤون السياسية. ومع ذلك، فقد تم فهم وسائل الإعلام الجماهيرية أيضاً على أنها “آلات المواطنة” التي يمكن تسخيرها لتوجيه وتشكيل المواطنين (أو شرائح منهم) من أجل الديمقراطية والحياة العامة – وهو جدول أعمال أدى إلى ظهور أنظمة البث العام الوطنية في القرن العشرين.
إن انتشار وتجزؤ وعولمة الثقافة الإعلامية في العقود الأخيرة، وتطوير أطر مفاهيمية جديدة (مثل الدراسات الثقافية) لتحليلها، تطلب إعادة تقييم نقدي للمواطنة. وفي حين أن حالة الأخبار “الجادة” والمعلومات العامة المهمشة والمتدهورة لا تزال مصدر قلق للكثيرين، فإن مجموعة متزايدة من الدراسات النقدية تعترف بدور الترفيه الشعبي في تكوين المواطنة كهوية اجتماعية وممارسة يومية لا تقتصر على المجال السياسي الرسمي.
تقليديًا، كانت المواطنة تشير إلى حالة الانتماء إلى كيان سياسي والاستمتاع بالحقوق والواجبات كعضو أو رعية. يعود أصل المصطلح إلى الكلمة اللاتينية “civitas”، التي تعني سكان المدينة، وهي مركز الحكم المنظم في العصور القديمة. ومع نشأة الدول القومية، يرى أحدهم أن المواطنة أصبحت مرتبطة بـ “مجتمعات متخيلة” تتجاوز الروابط المحلية.
ومن أهم سمات “المجتمعات المتخيلة”:
- الشعور بالانتماء: تشترك المجتمعات المتخيلة في شعور قوي بالوحدة بين الأعضاء، رغم عدم معرفتهم الشخصية ببعضهم.
- الروابط الثقافية: تعتمد على الرموز الثقافية والتاريخية المشتركة، مثل اللغة والدين والتقاليد.
- الإعلام والتواصل: تلعب وسائل الإعلام، مثل الصحف والمجلات، بدور حاسم في تشكيل الوعي الجماعي وتوزيع الأفكار.
- الهوية الجماعية: تعزز الهوية الوطنية أو القومية، مما يساعد الأفراد على تصور أنفسهم كجزء من مجموعة أكبر.
- التخيل الجماعي: تعتمد على القدرة على تخيل المجتمع بوصفه مجموعة متماسكة، رغم عدم وجود تواصل مباشر بين جميع الأفراد.
تساعد هذه السمات على بناء الشعور بالانتماء إلى أمة أو مجتمع أوسع، مما يعزز الفهم المشترك والهوية.