المبعوثة الأميريكية لمتابعة تنفيذ بنود الهدنة أوتمديدها

المبعوثة الأميريكية لمتابعة تنفيذ بنود الهدنة أوتمديدها

أحمد مطر

         مع وصول المبعوثة الأميركية للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، في زيارة هي الأولى لها بعد توليها منصبها الجديد. وستكون الزيارة مناسبة لوضع المسؤولين اللبنانيين في صورة التوجهات الأميركية الجديدة تجاه لبنان والمنطقة. وفي مقدمتها حرص واشنطن على دعم وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، إلى جانب التزام أميركي بتوفير المساعدات للجيش اللبناني، لبسط سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية، انطلاقاً من الجنوب في إطار تطبيق القرار 1701، بعدما كانت استبقت المسؤولة الأميركية زيارتها بيروت، بالتأكيد على أنه في إطار جهود الولايات المتحدة لدعم لبنان، تسعى واشنطن إلى مساعدته في تشكيل حكومة تتمتع بالكفاءة والقدرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. وهو أمر أكد عليه رئيس الجمهورية جوزاف عون، بأن ولادة الحكومة باتت قريبة، في وقت يعمل الرئيس المكلف على حل تعقيدات تشكيل الحكومة، مشدداً على أنه يجب الاستفادة من الفرص المتاحة، بما في ذلك الدعم العربي والدولي للبنان في هذه المرحلة.

لا يزال مسار تأليف الحكومة اللبنانية يشهد مراوحة في ظلّ تعقيدات سياسية آخذة بالتزايد، حيث يجد رئيس الحكومة المكلّف نواف سلام نفسه عالقاً بين ثنائيتَين تمنعان ولادة التشكيلة الحكومية. الأولى سياسية تتعلّق بالثنائي الشيعي، أي حزب الله وحركة أمل، وسط اتهامات للرئيس المكلّف بأنه تجاوب مع مطالبهما، والثانية هي ما يمكن تسميته بالثنائية الدستورية، أي تمسّك سلام بالشراكة الحصرية بينه وبين رئيس الجمهورية في عملية التأليف، ورفضه منح باقي الاطراف السياسية، خارج الثنائي الشيعي، الحق بتسمية وزرائهم.

هذا الاتهام باعتماد نهج متباين أثار انتقادات واسعة تجاه الرئيس سلام، خصوصًا أن معظم الكتل النيابية باتت مقتنعة أنه قدّم تنازلات للثنائي الشيعي، الذي لم يُسمّه في الاستشارات النيابية الملزمة، بينما تمسّك بقراءة متشددة للدستور في مواجهة بقية القوى السياسية التي سمّته، حيث يعتبر أن التأليف واختيار الوزراء حفّ دستوري مكرّس له بالتشاور مع رئيس الجمهورية، في حين أن تلك القوى ترفض أن تكون الثقة التي قد تمنحها للحكومة الجديدة مجانية، وتعتبر أن تسمية الوزراء يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أيضاً هذا المعطى الدستوري أي الثقة النيابية.

ليس من باب التجنيّ على الرئيس سلام، الاّ أنه من المنطقي استنتاج أنه لم يُرد ولا يريد ولا نحن نريده أن يخوض معركة سياسية أو دستورية مع الثنائي الشيعي في هذه اللحظة الصعبة، وبالتالي المفترض أن يتم تفهّم تجاوبه مع إبقاء وزارة المالية من حصة الطائفة الشيعية، رغم أن الرئيس المكلّف لم يحاول أصلاً الخروج من هذا الواقع السياسي الذي كرّسته الحكومات المتعاقبة، حيث كان «الثنائي» يعتبر أن الحصول على المالية يشكل ضمانة لحقوق الطائفة الشيعية في التوقيع الثالث على المراسيم. الا أن الاصرار الشيعي على الحصول على المالية هذه المرّة لم يقتصر على الحقيبة بل ترافق مع اصرار على تسمية الوزير السابق ياسين جابر لها دون فتح المجال للبحث بأي اسم شيعي آخر لها، ما فرض سؤالاً مشروعاً حول ما اذا الرئيس سلام يستمرّ في اعتماد ذات النهج الذي انتهجته الحكومات السابقة التي يُفترض أنه أتى ليقدّم نموذجاً مختلفاً عنها.

يُمكن القول أن المشكلة ليست تحديداً في تعاطي الرئيس المكلّف مع الثنائي الشيعي، لأن الواقعية السياسية والحلول على قاعدة أفضل الممكن تبقى ضرورية خاصة في ظلّ موازين القوى الحالية في المجلس النيابي حيث ينضوي جميع النواب الشيعية السبعة وعشرين ضمن كتلتيّ أمل وحزب الله. الا أن المشكلة بدأت حين إتبع الرئيس سلام نهجاً مختلفاً مع باقي القوى السياسية، خاصة السنّية والمسيحية، حيث رفض السماح لها بتسمية وزرائها، متمسكًا بتفسير ضيّق للدستور الذي ينص على أن تشكيل الحكومة هو من صلاحيات رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وليس الكتل النيابية، ما أظهر تناقضًا في مقاربة سلام لمسألة التأليف، دفع بمعظم القوى السياسية إلى التصويب عليه من زاوية عدم وحدة المعايير التي يتّبعها في اختيار الوزراء وفي تمثيل الاحزاب والكتل النيابية.

في مقابل هذا التصويب، يُنقل عن الرئيس سلام قوله أن مقاربته لمسألة اختيار الوزراء لا تأتي من باب استهداف الاحزاب والكتل النيابية، بل كونه يريد استعادة الصلاحيات الدستورية لرئيس الحكومة، ومنع تكريس أعراف تتجاوز ما ينص عليه الدستور. فبحسب المادة 64 من الدستور، يعود لرئيس الحكومة المكلّف، التشاور مع رئيس الجمهورية، تشكيل الحكومة، من دون أن يكون للكتل النيابية الحق في فرض أسماء محددة عليه.

وهنا تكمن المعضلة الحقيقية: فإذا كان الرئيس سلام يعتبر أن الدستور يمنحه ورئيس الجمهورية وحدهما حق تشكيل الحكومة، فلماذا لم يطبق القاعدة ذاتها مع الثنائي الشيعي؟ وإذا كان يرى أن التوازنات السياسية تفرض عليه تقديم تسهيلات للثنائي، فلماذا لم يتعامل بالمثل مع بقية الكتل. غير أن قريبين من الرئيس سلام يعتبرون أن ما يتم تداوله حول اعطائه الثنائي الشيعي ما يُريد هو غير دقيق ومن باب التحامل عليه، وأنه يُفترض عدم الحكم على التشكيلة الوزارية بالاستناد إلى الشائعات وانتظار صدور مرسوم تشكيلها بصيغتها النهائية.

ولذلك، فإن مواجهة التطورات الاقليمية والدولية . يتطلب وجود حكومة لبنانية جديدة مكتملة الصلاحيات تكون قادرة على مواكبة فاعلة وضاغطة لاستكمال الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، وتأمين متطلبات التزام إسرائيل بتنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار والقرار الدولي رقم 1701، ومنع خروقاتها للاتفاق المذكور تحت أي ذريعة كانت، كما مواجهة اي تداعيات ومخاطر لتطورات الاوضاع في قطاع غزة.

اما استمرار التأخير في تشكيل الحكومة الجديدة، لوقت غير محدد فيُبقي السلطة اللبنانية في حال فراغ جزئي، ويضعف الموقف اللبناني نسبيا في اي مواجهة سياسية محتملة مع إسرائيل بخصوص إكمال خطى الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الاراضي اللبنانية وتنفيذ القرار الدولي رقم 1701 ، ويعرض مصالح لبنان للخطر.

ويطال الضرر من تأخير تشكيل الحكومة الجديدة، إضافة إلى ممارسة الضغوط لإكمال الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، إبطاء عملية إعادة النهوض بالدولة والمؤسسات من جميع النواحي، والمباشرة بالاصلاحات الجذرية بالادارة،وبوضع الحلول المطلوبة للازمات المتراكمة، وفي مقدمتها حل الأزمة المالية والاقتصادية الصعبة، واطلاق عملية اعادة اعمار ما هدمته الحرب الإسرائيلية العدوانية على الجنوب والضاحية وباقي المناطق اللبنانية، وهو ما يستفيد منه اعداء لبنان.

ختامًا إن الظروف الصعبة التي يمرُّ فيها لبنان تتطلَّب إنجاز تأليف الحكومة اليوم قبل الغد، لتعزيز قدرة البلد على التصدي للمواجهات مع العدو الإسرائيلي، والذي مازال يناور لتأخير الإنسحاب من الأراضي اللبنانية ويمعن في سياسة التدمير والتخريب لمرافق الحياة الحيوية في القرى الأمامية.

مسؤولية التأليف يتحملها الرئيس المكلف، حسب الدستور، ولكن الولادة الحكومية تبقى أمانة وطنية في ذمة القيادات السياسية والحزبية، التي اعتادت العرقلة والتعطيل، عوضاً عن التسهيل، وتناتش الحقائب الوزارية ولو على حساب مصلحة الوطن واستقرار مواطنيه.

Visited 37 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني