هوامش في الأدب: الإرث

صدوق نورالدين
يموت الكاتب وتبقى بين يدي أفراد أسرته مخطوطاته التي تعد جزءا من آثاره، فلا يعرفون كيف يتصرفون حيال هذه التركة التي تحمل الاسم العلم الذي تدوول من زمن، ويتوقع أن يتداول في القادم من الأيام.
والكاتب في حياته يبتكر عزلته وصمته. يكتب ويبدع فيما يثيره ويحرك وجدانه. لا أحد يشاركه متعة اللحظة، و لا أحد يعرف فيما يخوض، وكأنهم معه وليسوا. أقول لا تربطهم به إلا أوقات مائدة الطعام، النوم أو فسحة الاستراحات لما يكون التعب أخذ مأخذه.
إن ما تقود إليه عزلة الكاتب وصمته _ كما سلف _ عدم معرفة أفراد أسرته فيما يعمل على إبداعه، وبالتالي ما يشغله، وذلك إلى لحظة ظهوره وذيوعه بين الناس. فإذا كانت الأسرة مهتمة بادرت بالسؤال عما صدر وموضوعه. وإن لم، فهي تراقب من بعيد في صمت يتماهى وصمت الكاتب.
تبقى أسرار الأدباء والكتاب في حقائبهم السرية. وليس غريبا أن يتحدث روائيون عالميون عن المودع داخل هذه الحقائب كإرث أدبي، أو ما أقدموا هم أنفسهم على إيداعه داخل هذه حقائب و لا يريدون لعين أو يد أن تصل إليه.
مات الشاعر عبد الله راجع وبقيت مخطوطاته لدى أسرته من دون أن يعرف أحد موضوعها ومحتواها. قيل حينها بأن جهة في شمال المغرب ستتبنى عملية إخراجها للنور، إلا أن لا شيء تحقق، ومع مر الأيام نسي الموضوع حتى أن اسم الشاعر عبد الله راجع لم يعد يذكر.
عرض علي الكاتب الكبير _ كما درج على تلقيبه وكان فعلا_ محمد زفزاف في إحدى زياراتي الأسبوعية له، أن أقوم بأخذ صور للمراسلات التي ربطته والعديد من الأدباء العرب والأجانب. إلا أني _ وأنا مسؤول هنا _ تقاعست عن إنجاز المقترح، فكان ما كان. و ردد البعض لاحقا بعد وفاته، بأن هذه المراسلات لم تعد بين يدي أفراد أسرته، وقد تكون لدى جهة ما مؤهلة أو غيره، للدخول في عملية نشرها.
بين غياب الكاتب الكبير (2001)، واليوم (2025)، جرت مياه وطوى النسيان ملف المراسلات,
هي الصورة ذاتها فيما جرى للراحل عبد الكبير الخطيبي. إذ المؤكد أن ثمة مخطوطات حبيسة الأدراج، فما دام الكاتب يقرأ إلا ويكتب، بم تتعلق؟ وما موضعها؟ لا أحد يمكنه التكهن وبالتالي هل جدت أسرته واجتهدت في البحث بين أوراقه وفي مذكراته، أم أن الأمر لم يعد يعني بالنسبة إليها أي شيء في غيابه.
ولعل المفارقة القاسية والمؤلمة _ والمشكلة هي دائما مشكلة الأسرة _ تتمثل عندما تسابق الأسرة الريح إذا تبث أن جهة ما ترغب في إعادة إصدار مؤلفاته أو إدراج أحدها في الصف الدراسي، ومن ثم تجدهم يفاوضون باسم الغائب ويستفيدون مما لم يحظ هو ذاته من الاستفادة منه.
يبدع الكاتب في صمت، ويموت في صمت، وتظل مخطوطاته _ إلا فيما ندر _ ضحية النسيان.