هوامش في الأدب: مذكرات محمد بنعيسى

صدوق نورالدين
دعيت للمشاركة في الملتقى الثقافي السنوي لمؤسسة منتدى أصيلة مرتين. كانت الدعوة تأتي ممهورة بتوقيع الراحل محمد بنعيسى (1937/2025). وأما الأولى فبغاية المشاركة في اللقاء الثقافي الذي جمع بين الأدبين: المغربي والإماراتي. كان منسق اللقاء الكاتب عبد الرحيم العلام. وأذكر أن من الأدباء الذين شاركوا وأتيح التعرف عليهم الروائي العراقي جمعة اللامي (1947). وقرأنا له من قبل “من قتل حكمة الشامي” (1976) و”المقامة اللامية” (1999). ولمناسبة التعارف أهداني “مجنون زينب” و”عيون زينب”. ومثلما تعرفته، حظيت بصداقة الناقد نجيب العوفي، سعيد علوش والصحافي الراحل حكيم عنكر.
جاءت الدعوة الثانية في الدورة الخريفية للمنتدى (2023) في سياق خيمة الإبداع، حيث احتفي بالأستاذ سعيد بنسعيد العلوي من نبع الفلسفة إلى ضفاف الرواية. وأتيح في الموعد الثاني، ربط صداقة دائمة والمفكر عبد السلام بنعبد العالي، الأستاذ أحمد أبو حسن وعلى السواء الروائي مبارك ربيع. كان التنسيق من طرف الصديقين: أحمد زنيبر وعبد الإله التهاني الذي كان أول من اتصل بي.
ما بين الموعدين لاشيء تغير. الحرص على التنظيم جد دقيق. من الاستقبال، إلى مواعيد الندوات والجلسات الفكرية والثقافية. بيد أن الثابت، قوة حضوره. كان محمد بنعيسى رحمه الله تعالى بوسامته، أناقته وكفاءته في التدخل وعلى الارتجال، المهندس الساهر على اللقاءات جميعها. تراه في المقاعد الأمامية جالسا ينصت لجميع المداخلات إلى أن يتحقق انتهاء الجلسة، بل إني رأيته في اللقاء الأخير يدعو الحضور لأخذ مقاعدهم ويسهر _ كما سلف_ على تنظيم القاعة.
جاءت خيمة الإبداع الأخيرة (2024) بمثابة احتفاء وزير للثقافة سابق، بآخر كذلك. احتفاء محمد بنعيسى بالشاعر والروائي محمد الأشعري. ما بين الزمنين جرت مياه، تحولات وتراجعات. وقرأت في متابعات صحافية ثقافية اعترافات.
على أن الراحل محمد بنعيسى لم يعرف، وعلى امتداد مساره في/ وعلى بناء مؤسسة منتدى أصيلة ما يمكن أن أدعوه بالانكسار. تحققت مقاومته في مرحلة، لكنه عرف كيف يدبر المسألة الثقافية، وكيف يصنع من مدينة أصيلة الصغيرة مدينة كبيرة _ وبكل موضوعية _ ثقافية عالمية. تخلق اللحظة سنويا وعلى امتداد أزيد من أربعين سنة، فيما تهالكت مؤسسات وجمعيات اليسار بعيدا عن إيجاد مفاتيح لفتح الأبواب المغلقة، بل إن حكماء زمن سقطوا ضحايا الأمراض والتعب القاسي ولا سبيل للإنقاذ.
احتفى الراحل بالأدباء، المفكرين والساسة. لم يقتصر الاحتفاء على المغاربة وحدهم، وإنما امتد فشمل المشرق والعالم في مختلف الفنون، بعيدا عن أوهام الانتماءات الإيديولوجية يمين أو يسار. انتصر محمد بنعيسى لمفهوم الثقافة في معناه الأوسع والأشمل.
وأعتقد بأن من أبلغ المفارقات، إفراد منتدى أصيلة جائزة محمد زفزاف للرواية العربية، وتأسست في (2002). وهو اعتراف عميق بالمكانة التي احتلها وسيظل هذا الاسم العلم الروائي الشامخ. وبالفعل استطاع الحصول عليها عن مجمل الأعمال على سبيل التمثيل: الطيب صالح، إبراهيم الكوني وحنا مينه. ومن المغرب مبارك ربيع وأحمد المديني.
لم ينشر الراحل محمد بنعيسى مذكرات. و لا أستطيع التكهن بكونه أعدها للنشر. وكنت عقب مشاركتي في اللقاء الثاني، بعثت رسالة صوتية للصديق عبد الإله التهاني أطالبه من خلالها إبلاغ الراحل ضرورة تدوين وكتابة مذكراته، على أن يكون في دورة من دورات المنتدى الشخصية المحتفى بها. وكان أن فعل، خاصة وأن تجربة الراحل ثقافيا، سياسيا وديبلوماسيا على جانب من الثراء كبير.
رحم الله تعالى الفقيد وأسكنه فسيح جنانه.