لبنان: هيكلة المؤسسات والإصلاحات مطلب شعبي لإنقاذ الدولة

لبنان: هيكلة المؤسسات والإصلاحات مطلب شعبي لإنقاذ الدولة

أحمد مطر

            اللبنانيون يستعجلون القرارات الإصلاحية، وتحقيق الخطوات الإنقاذية، والانتقال بالبلد من حالة التردد والضياع، إلى رحاب الإستقرار، وحسم الخيارات في معالجة الملفات الشائكة والمعقدة، التي طالت معاناة اللبنانيين منها، حتى يشعروا أن الخروج من دوامة الأزمات أصبح قريباً، وأن آمالهم ورهاناتهم على الرئيسين جوزيف عون ونواف سلام لن تذهب سدى.

الأوضاع الداخلية مازالت بتراجع مستمر، إقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً، والخروقات الإسرائيلية اليومية تضغط على السلطة، وتهز الوضع الأمني، خاصة في المناطق الجنوبية، والخطط الإصلاحية مازالت على الورق، وملء الشواغر في الإدارات والمؤسسات العامة ما زال أسير المشاورات حول التعيينات المنتظرة، ولبنان اليوم ليس في سباق مع الوقت في معالجة القضايا المزمنة الداخلية وحسب، بل لا بد من الأخذ بعين الاعتبار التطورات المتلاحقة في المنطقة.

من الثابت أن البيان الوزاري للحكومة هو بمثابة برنامج عمل أو خارطة طريق، لأي حكومة جديدة تُشكَّل، ويتم تقديمه إلى المجلس النيابي لِنَيل الثِقة على أساسه. وقد أكّد رئيس الحكومة نواف سلام في كلمته إلى النواب قائلاً عندما نقول نريد في البيان الوزاري فهذا ليس فعل تمنٍّ إنما فعل التزام، ولم يتضمن البيان الوزاري السياسات التي تنوي الحكومة فعله في المرحلة المقبلة لأنّ البيان ليس خطة عمل إنّما يرسم طريق العمل.

لا شك في أن العبرة بالنسبة إلى اللبنانيين ليست في البيان الوزاري فحسب، وإنما في ترجمة توجهاته إلى خطة تنفيذية تؤدي إلى الإصلاحات المنتظرة لإنقاذ البلاد، حيث أن البيانات الوزارية لطالما كانت مليئة بالوعود والتطلّعات، لكن تطبيقها على أرض الواقع كان ولا يزال يشكل تحدياً كبيراً.

نالت حكومة الإنقاذ والإصلاح ثقة مجلس النواب بأغلبية 95 صوتاً، ما يوازي 86 ٪ من عدد النواب الحاضرين، لتصبح بذلك حكومة مكتملة الصلاحيات وتدخل المعترك الفعلي الذي ينتظرها.

الامتحان الأصعب للحكومة يتمثّل في ترجمة خارطة الطريق، والتوجهات والعناوين الواردة في البيان الوزاري، إلى خطّة عمل تنفيذية تحدّد الخطوات العملية والإجراءات اللازمة لتحقيق هذه التوجهات. ويجب أن تحدّد الخطة التنفيذية الجهات المسؤولة عن تنفيذ كل بند من بنود البيان الوزاري، وتضع مهلاً زمنية محدّدة لإنجازها. ويجب وضع آلية تسهّل عملية قياس أداء الحكومة ومساءلتها عن تنفيذ وعودها. وبالتوازي مع تنفيذ خطّة العمل يجب على الحكومة أن تتخذ إجراءات حاسمة لمكافحة الفساد والمحسوبية، وضمان تطبيق القانون على الجميع.

يعتري اللبنانيون قدرا كبيرا من التفاؤل بشخص رئيس الحكومة الآتي من خارج التركيبة السياسية الحزبية التقليدية في لبنان، وقد تعزز هذا التفاؤل مع تعيين وزراء من ذوي الاختصاص، حيث يتوقعون أن تساهم كفاءاتهم في إخراج البلاد من الوضع الاقتصادي المتردّي الذي تعيشه. ومع ذلك، يبقى التفاؤل حذراً في ظل المخاوف من غياب الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح، واستمرار هيمنة النخب السياسيّة وتحالفات الفساد على مفاصل الدّولة، وانهيار مؤسسات الدولة المتسارع.

إن ترجمة البيان الوزاري إلى خطة تنفيذية ملموسة تساهم في استعادة ثقة المواطنين بالحكومة والدولة، وتعزز الشعور بالأمل في إمكانية تحقيق الإصلاح. لكن يبقى التحدّي في عمليّة التطبيق والتنفيذ على أرض الواقع، وانتهاج الوزراء كلٌّ باختصاصه، نهجاً إصلاحياً بعيداً عن الشعبوية، وتحقيق المصلحة العامة على حساب المصالح الفئوية أو حتى الشخصية. ويبقى العامل الأساس وجود إرادة سياسية حقيقية للإصلاح، تُترجم من خلال تنازل النخب السياسية عن امتيازاتها لصالح الوطن، وعدم الرضوخ للضغوط المحلية أو الخارجية، وعدم الدخول في بازارات وتسويات المحاصصة، وتفادي إطلاق الوعود المستحيلة لأهداف شعبويّة لاستثمارها في الانتخابات البلديّة والنيابيّة القادمة.

      دون ذلك، لن يكون البيان الوزاري والخطة التنفيذية المنبثقة عنه سوى حبرٍ على ورق، وفرصة ضائعة، وخيبة أمل للأجيال الطالعة.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني