كشفها المصطفى اجْماهْري.. علاقة سانت إكزوبيري بقصبة بولعوان تصلح لشريط وثائقي

حمادي كيروم
غالبا ما تكشف البحوث المحلية والمونوغرافية عن أسرار وخبايا تتعلق بالمكان يجهلها الكثيرون، وهي التي، في رأيي، تخلق الفرق والقيمة المضافة. يندرج في هذا السياق الكتاب الأخير للباحث المصطفى اجْماهْري، كاتب وناشر “دفاتر الجديدة”، والذي صدر مؤخرا تحت عنوان ” بولعوان قصبة تاريخية وقلعة سانت إكزوبيري”.
هذا الكتاب الذي صدر بالفرنسية بتعاون مع الجامعي جيرار شالاي هو مجموعة مقالات ونصوص لحوالي عشرين باحثا ومؤرخا مغربيا وأجنبيا موزعة على ثلاثة محاور تشمل الأدب والتاريخ والعلوم، هو أول كتاب كامل عن منطقة جميلة ومنسية في نفس الوقت هي منطقة بولعوان في أقصى إقليم الجديدة.
لكن القصة الأساسية والشيقة في هذا الكتاب والتي سبق أن كشف عنها المصطفى اجْماهْري في فصل من كتابه “وقائع سرية عن مازغان” الصادر سنة 2012، قبل أن يفرد لها كتابا كاملا، هي قصة علاقة حب ربطت بين الكاتب الطيار الفرنسي المشهور أنطوان دو سانت إكزوبيري وقصبة بولعوان. حدث ذلك بعد زيارة الكاتب الفرنسي للقصبة سنة 1927، وكانت هذه الزيارة، كما يقول المؤلف، من القوة والجاذبية أن تأثيرها في نفسية سانت إكزوبيري كان حاسما في تأليفه لكتابه المنشور بعد وفاته “سيتاديل” أي القلعة أو القصبة.
وسواء أكان هذا التأثير النفسي والأدبي كليا أو جزئيا فإن المصطفى اجْماهْري كباحث في خدمة منطقته وبلده، دافع عن فكرة أنّ مشروع كتاب “سيتاديل” لم يكن واردا أبدا في ذهن الكاتب إلا بعد زيارته للقصبة والتقائه هناك بقائد القبيلة. بمعنى أن الارتباط واقعي وحاسم. وقد نوّهت جمعية ذوي حقوق سانت إكزوبيري في باريس، في موقعها الرسمي، يوم 25 فبراير 2025، بكتاب المصطفى اجْماهْري مشيرة إلى أن هذا العمل النوعي استطاع أن يجمع بين التراث المغربي من جهة، وبين التراث الأدبي الإنساني لسانت إكزوبيري من جهة أخرى.
ويعترف مقدم الكتاب، الجامعي الفرنسي غي دوغاس، الأستاذ السابق بالمغرب، بأنه رغم تدريسه في المغرب وزيارته السابقة لقصبة بولعوان فإنه كان يجهل تماما، حتى كتابة التقديم، أن سانت إكزوبيري زار القصبة واستلهم منها مؤلفه “سيتاديل”.
إن قصة الحب الجميلة التي تجمع هنا بين إنسان، الكاتب سانت إكزوبيري، المترجم إلى 300 لغة ولهجة، وبين مكان حقيقي، هو قصبة بولعوان، ينبغي أن يُنقل إلى السينما أو التلفزيون على شكل شريط وثائقي يمنحه بعدا جماليا من جهة وذيوعا أكثر لدى المتلقين، ناهيك عمّا يمكن أن يخلقه من اهتمام سياحي وثقافي واقتصادي بهذه المنطقة، وهو الشيء المهم الذي ينبغي أن نسعى إليه.
وكمهني في مجال السينما وناقد سينمائي، أهيب بالقنوات التلفزية المغربية إنجاز شريط وثائقي عن هذه القصة غير المطروقة سابقا وذلك من باب المساهمة في التعريف بالتراث المغربي من جهة والانفتاح على الهامش الغني من جهة أخرى.