اللبنانيون يتداوون بأدوية منتهية الصلاحية
درويش حوحو
تميز لبنان خلال عقود مضت بنظامه الاستشفائي المتطور، حتى لقب بمستشفى الشرق وأصبح مقصدا من مواطني الدول الشقيقة للإستشفاء والطبابة. نظرا لجودة الخدمات الطبية التي يقدمها أطباء متخصصون في المجالات الصحية المتنوعة يتميزون والعلم، وممرضات متخصصات يقدمن الخدمة والرعاية الممتازة، وإدارات ناجحة وخدمات على أعلى مستوى. إضافة الى توفر الأجهزة الطبية المتطورة التي تجاري آخر المستجدات في هذا المجال.
إشتهر الاطباء اللبنانيون وذاع صيت العشرات منهم. ولكن هذه الميزة أخذت بالتراجع في العقد الاخير. اذ بدأت الدول العربية والخليجية منها بشكل خاص في تحسين وتطوير قطاعاتها الاستشفائية. وإستقطبت أفضل الخدمات الطبية من لبنان ومصر وغيرهما، ناهيك عن تأمين التجهيزات الحديثة والجيدة.
وما ساعد على تراجع دور لبنان في هذا المجال، الازمة الاقتصادية والمالية والماكفات السياسية بين أطراف السلطة الحاكمة التي أوصلت البلاد الى قعر الانهيار الذي طاول قطاعات كافة، ودمر معيشة اللبنانيين وإنتشر الفقر حتى أصبح اكثر من ثمانين بالمئة منهم تحت خط الفقر وبات الجوع يهدد الأكثرية الساحقة من الشعب، والسلطة لا تحرك ساكنا، بل تمعن في سياسات الفساد والمحاصصة، فقد اللبناني أدنى مقومات العيش الكريم وأصبح عاجزا عن الحصول حتى عن الحد الأدنى من الرعاية الطبية والعلاجية. وباتت مؤسسات الرعاية الصحية، مثل الضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة والهيئات الضامنة، وغيرها على شفا الإفلاس، فإضطرت الى تخفيض مساهماتها ورفع كلفة الطبابة والعلاج، وفرضت المستشفيات أسعارا خيالية للإستشفاء الذي لم يعد يتوفر إلا لكبار الاغنياء والمسؤولين.
وجاءت موجة انتشار كورونا لتزيد حدة الأزمة، مع تزايد أعداد المصابين بالالاف يوميا، وعجز المستشفيات عن تأمين أماكن لإستقبال المرضى والمصابين، بالرغم من العمل المضني الذي قام به الجهاز الطبي والتمريضي، وضعف الإمكانيات المادية وانهيار قيمة الأجور والرواتب بسبب إنخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، أضعافا مضاعفة، حيث وصل سعره الى ثلاثة وثلاثين الف ليرة، ما أدى إلى إرتفاع هائل بأسعار الادوية لا بل فقدانها من السوق وكذلك الأمر فقدان المعدات الطبية وتمنع الشركات المستوردة عن إستيرادها، بالإضافة الى إحتكارها ومنعها عن المرضى، خصوصا أدوية الأمراض المزمنة والسرطان والقلب والشرايين والسكر وحليب الاطفال، وهي إن وجدت فإن أسعارها خيالية وليست للمرضى، فأي دواء يصل إلى حد المليون ليرة فيما الحد الأدنى للاجور لا يتجاوز السبعمائة ليرة لبنانية. وقد لجأ العديد من الأطباء لإستخدام أدوية منتهية الصلاحية ما يهدد حياة مئات المرضى الذين يحتاجون للعلاج والرعاية الدائمة.
ونتيجة الأزمة الحالية والإقتصادية المتمادية، لجأ مئات الاطباء من المتخصصين والممرضين والممرضات إلى ترك وظائفهم واقفال عياداتهم والهجرة إلى الخارج طلبا لعمل لهم العيش الكريم، ففقد لبنان خيرة أطبائه خصوصا كبار الجراحين وجراحي أمراض القلب عند الاطفال، الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة ودقيقة للحفاظ على حياتهم، وبث الأمل في مستقبلهم.
يعيش المريض في لبنان في الجحيم ينتظر الموت أو مساعدة يقدمها البعض ولا يستغربن أحد إذا مات هو أو إذا ما شاهد على شاشات التلفزة يوميا نداءات من مرضى يعانون الالام ويطلبون مساعدة لتأمين دواء أو لإجراء عملية جراحية مستعجلة، أو جهاز طبي لطفل فهذه أمور باتت من اليوميات وتزداد الحاجة أكثر فأكثر مع غياب المسؤولين عن واجباتهم، فالوزارات المختصة والحكومة لا تعير إهتماما لتأمين احتياجات اللبنانيين أو لحل المشكلات الاقتصادية والمالية العميقة، فيما وزارة الصحة تقف عاجزة أمام هول الفاجعة والازمة التي أصابت الحكومة.
أكثر من ثمانين في المئة من المواطنين اللبنانيين صاروا اليوم عاجزين عن تأمين الحد الأدنى من الرعاية الصحية التي كانت توفرها الهيئات الضامنة، أو وزارة الصحة ولم ينفع ولم تنفع كل المساعدات الواردة من الدول لإنها لا تغطي أكثر من عشرة في المئة من الإحتياجات، وهي في الغالب تقتصر على بعض الأدوية والمطهرات ولا تطال إلا عددا ضئيلا من من المستفيدين.