السيناريو… باعتباره شكلًا أدبيًا جديدًا (3)

السيناريو… باعتباره شكلًا أدبيًا جديدًا (3)

د. برهان شاوي

تأثير الصـوت عــلى السينـاريـو 

كان دخول (الصوت) إلى السينما يعد ضربة قاسية لهؤلاء الذين ألغوا دور (السيناريو) ولم يقيموا دوره الحقيقي، إذ إن دخول(الصوت) إلى الفيلم يعني عودة إلى الأدب والمسرح، أي أن السينما (رجعت) خطوة إلى الوراء في مجال تشكيل (لغة الصورة الصافية)، إذ إن دخول (الصوت) إلى الفيلم منح البناء الدرامي للفيلم قوة تعبيرية جديدة وضاعف من دور(الحوار) في تصعيد الصراع الدرامي للأحداث في الفيلم.   

ويمكن القول إنه مع دخول (الصوت) إلى السينما بدأ (عصر السيناريو الأدبي)، من حيث إن الحبكة السينمائية اقتربت من الحبكة الأدبية. وكذا الأمر مع تحليل الشخصيات وطريقة السرد.  ومن ناحية جمالية،كان دخول(الصوت) إلى الفيلم خطوة للأمام في تخليص الممثل السينمائي من بقايا تأثيرات المسرح، فمع (الصوت) اقترب الفيلم من (الرواية).   

كان دخول (الصوت) إلى الفيلم، كما يقول المؤرخ والمنظر السينمائي (ليبدف) في مقاله(ولادة السينما الناطقة):   

(ليس انقلابا تقنيا في عملية نقل الواقع المباشر إلى الشاشة فقط، وأنما حمل معه ثورة في أسلوب وشاعرية فن السينما) – (ليبدف-مسائل فن السينما- مجموعة مقالات – اصدار معهد السينما-فكيك- بالروسية-1950).  

 ولكن من الطبيعي أن نفهم بأن استخدام (الصوت) بشكل جمالي لم يكن في خطوة واحدة، وأنما استمر لفترة ليست بالقصيرة، كما أن الاعتراف بالسيناريو (الأدبي) كشكل جديد من الكتابة الأدبية لم يأت تلقائيا وبسهولة، فالنقاش استمر لسنوات، على الرغم من دخول أدباء كبار ومعروفين إلى مجال كتابة السيناريو أمثال: ميخائيل شولوخوف، ألكسي تولستوي، ونيقولاي تيخنوف، وغيرهم.    

لكن ما حسم مسألة اعتبار(السيناريو) شكلًا جديدًا من الكتابة الأدبية هو دخول مخرجين كتبوا السيناريو، واخرجوا، ونظروا في التمثيل والإخراج السينمائيين، وساهموا في تشكيل علم جمال السينما، إلى مدار النقاش، وأخص هنا (ميخائيل روم) و(سيرجي غيراسيموف).  

ميخائيل روم.. وجماليات السيناريو

في محاضرة له عن (البناء الدرامي والممثل والمخرج) قال (روم):   

 (إن السيناريو ليس مسرحية أو قصة ولا رواية. وبرغم وجود تصور عن سهولة كتابة السيناريو، إلا أن الحقيقة الملموسة هي أن كتابة (السيناريو) صعبة جدا، تماما مثل صعوبة كتابة الرواية، إلى جانب أن (السيناريو) يملك صعوبة إضافية، فالى جانب متطلبات إشباع الفكرة، ودقة التحليل النفسي، ووضوح الحوار، فعلى السيناريو أن يمتلك كثافة درامية مركزة، وحبكة ديناميكية متطورة، والأسلوب التعبيري القصير والمنسجم والدقيق. إذ إن واحدة من أهم الصعوبات في كتابة(السيناريو) هو أنه يجب أن يُكتب وأن يعبر عن الأفكار في مقاسات محددة جدا، فمثلما لا يستطيع الكاتب المسرحي أن يكتب رواية، فليس من السهل على أي كاتب له القدرة على التعبير أن يجسد أفكاره في غطاء السيناريو المحدد الشروط. إن العمل على كتابة السيناريو لهو عمل صعب جدا).(روم – المؤلفات – المجلد 2 – بالروسية -1981). وفي محاضرة له في العام 1954 عن (البنية الدرامية في السينما ومسائل البناء الفني في السيناريو والفيلم) قال:   

(عندما دخل الصوت إلى الفيلم لم يكن كتاب السيناريو يعرفون كيف يتعاملون معه..؛ والسيناريوهات التي كُتبت فيما بين 1930 – 1931 ، في فجر السينما(الناطقة) كانت تُكتب عادة بحيث إن (الصوت) وضمنه (الحوار) يبوب جانبيا في مكان خاص به. وبهذا كان كاتب السيناريو يؤكد على الطبيعة الجديدة والغريبة التي دخلت عمله، فالجانب الصوتي والجانب التعبيري الصوري كانا يتواجدان في السيناريو بشكل منفصل.   

 وبقدر ما كان حوار الممثل قد صار يدخل بكثافة في المادة السينمائية، بقدر ما صارت السيناريوهات تقترب أكثر من شكل(المسرحية)، فلحد الآن لا يوجد شكل نهائي للسيناريو الأدبي، فسلسلة تطور كتابة السيناريو لم تنته بعد)- (روم – المؤلفات-ج3-بالروسية- 1981).

(يتبع)

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. برهان شاوي