جودت سعيد أو غاندي السوري

جودت سعيد أو غاندي السوري

في نهاية الشهر الماضي (30 يناير 2022) توفي المفكر وعالم الدين جودت سعيد عن عمر يناهز 91 عاما. 

يعتبر سعيد مدافعا عن إسلام لاعنفي، والشخصية التي حظيت بتقدير خاص في أوساط “الثورة السورية” منذ عام 2011. 

أطلقت الصحافة الأجنبية على داعية اللاعنف، وأحد رموز المقاومة المدنية في المنطقة العربية، لقب “غاندي السوري”. إنه قارئ ميشيل فوكو من بين آخرين. ترك وراءه عملاً ثريًا من التفسيرات القرآنية التي غايتها تقديم خدمة إنسانية عميقة للمسلمين، أثرت، وستستمر بالتأكيد في التأثير، على أجيال من المقاتلين للعودة إلى مسار ملتزم. 

ولد جودت سعيد في قرية بئر عجم بهضبة الجولان في سوريا يوم 9 فبراير 1931. وفي عام 1946 التحق بمصر حيث درس علوم اللغة العربية والشريعة في جامعة الأزهر، واستفاد من أجواء الحركة الثقافية والفكرية بأرض الكنانة. هناك اكتشف على وجه الخصوص فكر الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي، المنظر المناهض للاستعمار، والذي يعتبر أن الاستعمار أصبح ممكناً بسبب الانحدار واللامبالاة في المجتمعات الإسلامية. طوال حياته المهنية. سيحتفظ جودت سعيد بهذا الشعور بالنقد الذاتي الذي يقع على عاتق كل رجل أو جلاد أو ضحية، والذي يعتبر بالنسبة له شرطًا أساسيًا لأي روحانية أصيلة، خالية من “تلوث زادنا الفكري”.

 كان قارئًا للمفكرين العظام لإحياء الإسلام، مثل عبد الرحمن الكواكبي ومحمد إقبال. وكان متحمسًا لإنشاء عبد الناصر للجمهورية العربية المتحدة (اندماج سوريا ومصر في عام 1958)، لكنه عارض بقوة سلطة العسكر، بعدما انهارت دولة الوحدة بعد ثلاث سنوات من قيامها.

 والفكرة الرئيسية التي يدور حولها عمل جودت سعيد هي بالفعل في مهدها: اللاعنف.

 لم يفلت هذا الرجل المسالم، الأستاذ بالمدرسة العليا بدمشق، من القمع والسجن، إذ اعتقل وسجن في أوائل الستينيات على خلفية نشاطه الفكري. وأثناء فترة سجنه اغتنم الفرصة لصقل مفهومه عن اللاعنف المتجذر في التفسير القرآني، ونشر في عام 1964 كتابه الأول: “مذهب ابن آدم الأول”. كتاب يشرح مبدأ عدم العنف ويتناول علاقته الجذرية بالإسلام، ويقول إن اللاعنف هو “عقيدة الابن الأول لابراهيم”، هابيل الذي قتل على يد أخيه قابيل. قصة يرويها القرآن: “لَئِن بسَطْتَ إليَّ يدَكَ لتقتُلَني ما أنا بباسِطٍ يدي إليكَ لأقتُلَكَ إنّي أخافُ اللهَ ربَّ العالمينَ، إنّي أُريدُ أن تبوأَ بإثمي وإثمكَ فتكونَ من أصحاب النارِ وذلكَ جزاءُ الظالمينَ”. (سورة المائدة). لقد دفعته روحه لقتل أخيه، فقتله وهكذا أصبح من الخاسرين. 

بالنسبة لسعيد، فإن هابيل هو الذي خرج منتصرًا، رغم أنه لقي الموت. 

هذا هو درس اللاعنف، فمحاربة العنف بالعنف، “مثل كسر النافذة بدلاً من غسلها”.

 لا يزال هذا هو درس سقراط الذي وافق على تجرع سم “الشوكران”، يضيف سعيد: “لقد تحدى سقراط عنف خصومه بشجاعة وقوة العقل والروح. لم يحتقر سقراط عنفهم فحسب، بل سخر منه أيضًا”. 

كما يكتب: “من يقبل الموت برفض الإكراه والعنف بالتشبث بإيمانه وفكره، فهو في رأيي من أتباع الابن آدم”. 

في نهاية الستينيات جرى إبعاد سعيد نهائياً عن التدريس، فاختار العودة إلى مسقط رأسه  في بئر عجم، وليكسب رزقه عمل كمربي نحل وكمزارع. كما استمر في لعب دور مهم في الحياة الفكرية السورية. ومواقفه، إلى حد ما، هي ردٌّ على مواقف سيد قطب، الذي يدعو إلى الجهاد العنيف لدحر الكفر، وردٌّ على انتشار الوهابية في سوريا. 

بالنسبة لسعيد، على العكس من ذلك، فإن “القرآن يوفر حرية الفكر” كما يؤكد. “لا يعاقب الكفر في الحياة هنا. للكافر والمؤمن نفس الواجبات والحقوق. العدالة القرآنية عالمية. حرم القرآن أن يظلم الكافر مهما كان فكره. لا يحق لأحد أن يفرض أفكاره، أو أيديولوجيته، أو عقيدته، عن طريق الإكراه والعنف. الدين الحق الموحى لا يجبر على اعتناقه”. 

جيل كامل من الشباب السوري تأثر بنهج سعيد. على وجه الخصوص منهم شباب منطقة درعا. إذا كان انتقاد الحكومة لا يزال ضمنيًا، فإن الجيل الحالي من الإصلاحيين سيلعب دورًا كبيرًا في الثورة السورية عام 2011، من خلال الحركة السورية للاعنف. صرح سعيد أنه سيشارك في الاحتجاج، إذا كان يدعلتزم باللاعنف، فهو لا يدعو بأي حال من الأحوال إلى السلبية والاستسلام، بل إلى المقاومة السلمية ورفض الولاء للاستبداد. 

في عام 2005 وقع جودت سعيد إعلان دمشق الذي دعا إلى دمقرطة البلاد. وفي أبريل 2011  شارك في المسيرة الشعبية أمام مجلس البرلمان، قبل التوجه إلى المنفى في تركيا، حيث قضى السنوات الأخيرة من حياته. 

للراحل العديد من المؤلفات، أبرزها “حتى يغيروا ما في أنفسهم”، و”مذهب ابن آدم الأول”، و”فقدان التوازن الاجتماعي”، و”العمل قدرة وإرادة”.

عمر بنعطية – صحفي مغربي

Visited 7 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة