أسئلة حارقة: سؤال الثقافة
أيوب العياسي
هل يرتبط سؤال الثقافة فقط بصناعها ووضعيتهم الإجتماعية؟
هل إرساء الثقافة كطقس ينتمي للسلوكات الاجتماعية للمواطنين، وصناعات أطلقت عليها اليونسكو” الصناعات الثقافية والإبداعية”، قد يعطينا الحق في تبضيع الثقافة والنظر إليها بمكانيزمات اقتصاد السوق؟
ثم إذا سقطنا في هذا التوجه، هل يمكن اعتبار “متعهدي الحفلات” المخاطب الأحق بإرساء قواعد الصناعات الثقافية و الإبداعية في المملكة المغربية؟
وإذا كنا منذ سنوات نقول إن النقابات والاتحادات المهنية للفنانين، سبقت التأسيس للمهن الثقافية كمهن حقيقية وليس كأنشطة ذات اشعاع سري، يكاد يكون الانتماء لها فعل مقاومة، كما كنا نردد ساخرين وجوب التأسيس لإطار لـ”أرباب العمل” في المجال الفني والثقافي من مقاولين، فهل يمكن أن يصير هذا الإطار الحديث التأسيس المدبج الشرعي الوحيد للنموذج القانوني والاقتصادي الذي يجب أن تكون عليه المقاولات الفنية والثقافية في المغرب؟
أم أن الهم الوحيد لمقاولي الثقافة ومتعهدي حفلاتها هو أن نيل امتيازات ضريبية تحت يافطة “الصناعات الثقافية و الفنية”؟
ماذا قدم القطاع الخاص والمقاولات المواطنة للنهوض بالثقافة التي لطالما اعتبرتها هكذا هيئات سلعة بور غير صالحة للاستثمار؟
هل نالت المبادرات الثقافية الفردية والمؤسساتية التي حققت إشعاعا محترما في تداول الثقافة والإبداع وإرساء نسق ثقافي حداثي ينتصر للهوية المغربية بكل مشاربها وروافدها، ما تستحقه من مواكبة وتشجيع؟
ألم تكن الدولة المغربية تنظر بكثير من التوجس دوما لنجاح كل المبادرات الثقافية المستقلة، وتخاف من مختلف القنوات الثقافية وترى فيها قنوات مفترضة لتصريف خطاب سياسي وإيديولوجي؟ فابتدعت ميكانيزمات للدعم تجعل المنتوج الثقافي خاضعا لرقابتها المسبقة؟
باعتبار ثوابث الأمة عليها الإجماع، فأية رقابة تستحق فرضها خارج احترام هذه التوابث؟ ألا يجعل هذا استراتيجيات التسيير والدعم تختلف باختلاف التوجهات الإيديولوجية للنخب المنتخبة؟ و مع كل نخبة تبرز لائحة للمغضوب عليهم وللمغدق عليهم؟
ألم تجد الدولة نفسها في مأزق حين احتاجت لإرساء النموذج التنموي الجديد للثقافة كقطاع منتج؟
بمعنى أنه حافز للاستهلاك ولكل ما يحيط به من دورة اقتصادية، دون أن يكون دوما في حد ذاته مجرد استهلاك… لأنها -الدولة- خلقت تراكمات من الريع الثقافي والفني وربت حولها فنانين وفاعلين ثقافيين ألفوا المساعدة و التواكل!
هل يعرف المسؤول السياسي عن قطاع الثقافة حجم مسؤوليته في إرساء استراتيجية ثقافية تنبثق عنها صناعات ثقافية؟ وليس العكس! أليس جليا أن الأزمة الحقيقية التي تعرفها المؤسسات الثقافية هي البرمجة و تواترها وجودتها، وليس وحده زيارة المآثر التاريخية واعادة تأهيلها وتشييد المؤسسات العمرانية المهداة للثقافة والفن ما سيحل هذه الأزمة؟!
هل يمكن لوزارة الشباب والثقافة والتواصل أن تقوم بدور الجمعيات في تنظيم مسابقات مناسباتية مرتبطة بالأيام العالمية و المناسبات الوطنية، وان تعتبر هذا كافيا لاكتشاف مواهب ابداعية جديدة؟ في حين أن المشكل الذي يبرز بعد اكتشاف كل موهبة هو المواكبة و المصاحبة؟
وإذا كان النسق الثقافي الأمريكي استطاع بيع هوليود بلوبياتها والحلم الأمريكي ومعه البيتزا و البوب كورن، والنسق الثقافي الفرنسي استطاع بيع العطور و الموضة الباريسية والحريات الفردية ومعها الكريب بالنوتيلا (المسمن الفرنسي)، هل تقدر حكومة السيد عزيز أخنوش إرساء توجهات نسق ثقافي وطني يبيع مآثرنا العمرانية وتراثنا اللامادي وقاماتنا الفنية، ومعها المسمن المغربي والشاي وزيت الزيتون؟
هل تفهمون هنا أن البيع تماما كما في لغة موليير جاء بمعنى الدفاع و ليس التجارة؟ وهل تستوعبون أننا نحتاج لنسق ثقافي بطعم الأركانة وليس النوتيلا؟
وإن كانت المثاقفة سنة الحياة والبيتزا إيطالية في الأصل قبل أن يستحود عليها المخيال الجماعي الأمريكي، فماذا سنصدر للآخر من أكلات وتقاليد وإبداعات متفردة، حتى يسمح لنا بتملك النوتيلا و طعمها؟