السيناريو… باعتباره شكلًا أدبيًا جديدًا (5)

السيناريو… باعتباره شكلًا أدبيًا جديدًا (5)

د. برهان شاوي

من المعروف أن السينما ولدت في فرنسا على يد (الأخوين لوميير) في العام 1895 حينما قدما عرضا تضمن مشهد وصول القطار إلى المحطة وما أثاره من فزع حينها، إذ تصور المشاهدون بأن القطار يتوجه إليهم، برغم أن محاولات متوازية كانت تجري في بعض بقاع العالم الأخرى في مجال الوصول إلى الصورة المتحركة، لاسيما في الولايات المتحدة من قبل (توماس أديسون).

 إلّا أن تشكل السينما كفن وليس كاختراع جديد فقط، كان يجري في مختلف البلاد في العالم.  وربما كان للسينمائيين الروس والسوفيت الدور الأكبر في بناء الصروح النظرية لعلم جمال السينما، طبعا إلى جانب جهود (بيلا بيلاز)، (جورج سادول)، (ليون موسيناك)، (كريكاور)، (ماك سينيت)، (لويس ديلوك)، (روبير رازيلاخ)، (جان رينوار)، و(رينيه كلير)، وغيرهم.  

وكانت النقاشات حول جماليات الفن الجديد الناشيء تأخد مساحة واسعة من النقاش والسجال الفني في العواصم الأوربية، وكان الصراع بين المسرح والسينما، و(الشعر الصافي) و(السينما الصافية) و(الأدب والسينما) و(السيناريو الأدبي والرواية) و(دور الممثل) و(إشكال الصوت في الفيلم). وما شابه من موضوعات، هي المحور الأساس. 

 ولكي لا نقع في التكرار، نتوقف عند واحد من كبار مخرجي السينما(الصامتة)  ثم(الناطقة)، وأحد المنظرين في جماليات السينما، ألا وهو المخرج الفرنسي (رينيه كلير) الذي لخص إشكالية الأدب والسينما في عدد من المقالات المهمة. إذ يكتب في مقاله (نتائج أولى) مقارنا المسرح والرواية والسينما: (إذا دعت الحاجة لتوضيح اختلاف العرض المسرحي والعرض السينمائي بمثال جيد، فقد يكفي التذكير بأن المؤلفات المسرحية طبعت، في جميع الأوقات، بينما ندرَ عرض المؤلفات المعدة للشاشة أمام القاريْ.  ويرجع سبب هذا الشذوذ بلا ريب إلى أن شكل كتابة الأثر السينمائي يجعل قراءته متعبة. يقرأ المرء أثرا مسرحيا، فيعلم من بضعة أسطر مكان وقوع الحكاية وزمنها. وبهذه المعلومات يستغني عن كل شيء آخر يتعلق بالإطار أو الفصل، ويقتصر اهتمامه على شخصيات المسرحية، بينما مؤلف الأفلام يتحرك بمرونة خلال الزمان والمكان، لا يحبسه أي تزيين ولا يحدد مدته أي مقاس. 

 حرية مؤلف الأفلام في التصرف بالزمان والمكان يستفيد منها الروائي أيضا، ففي الرواية كما في الفيلم قد تشكل سهرة محور الأثر كله، ولكن يمكن انقضاء عدة سنوات في الرواية ببضعة أسطر. وفي الفيلم ببضعة ثوان. ومع ذلك فالرواية، المعدة لقاريء يغلق الكتاب على هواه وعندما يشاء يضعف انتباهه، لا يخضع لقواعد العرض السينمائي الذي يجب على المؤلف السينمائي أن يحافظ على فائدته منذ العرض وحتى حل العقدة وبدون انقطاع.

 أما بما يتعلق بمراعاة هذه القواعد،فلا يختلف مؤلف الأفلام عن المؤلف الدرامي، مهما اختلفت التقنيات التي يستعملها كلاهما. ولهذا يمكن القول في تعريف طابع القصة السينمائية عن طريق المقارنة، أنها تقترب من المسرح في بنيتها ومن الرواية في شكلها). 

(رينيه كلير – سينما الأمس وسينما اليوم- بالعربية- تـ: مصطفى صالح -دمشق-1967). 

صحيح أن (كلير) كتب هذه الملاحظات في الاربيعينيات من القرن الماضي، إذ جرت تغيرات في (تقنية كتابة السيناريو) وكان للكاتب الأميركي(سيد فيـلد) والألماني (بيتر ميترس هايمر) وغيرهم ، لكن تبقى ملاحظاته نموذجا عن السجال النظري الأوربي في تاريخ مسيرة (السيناريو).

(يتبع)

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. برهان شاوي