رحيل سامي كلارك و”غريندايذر” حزين

رحيل سامي كلارك و”غريندايذر” حزين

بصوته الأوبرالي رافق طفولتنا في السبعنيات، ونحن نقبع في ملاجىء الحرب، أو في بيوتنا لدى توقف صوت المعارك، كان صوته وهو يشدو “يا غريندايزر.. طير وعلِّي..”، كأنه يطير بنا إلى عالم آخر يأخذنا نحو حلم سماوي، صوت جهوري قوي، ملىء بالثقة إلى درجة تُنسينا ضعفنا، ينقلنا لنرفرف لسماء لا أفق لها، إلى درجة التخيل أن العالم الحقيقي هو هناك وباستطاعتنا التحليق نحوه، وليس على الأرض التي تصدمنا بالواقع المؤلم. 

إنه الفنان اللبناني سامي كلارك، الذي لا يمكن نسيان موسيقاه واستخدامه آلة الغيتار المتمردة على الآت الشرق الموسيقية، الذي غاب عن عالمنا يوم الأحد الماضي (20 فبرايرـ شباط)، نتيجة تأثيرات عملية في صمام القلب، كان قد أجراها منذ حوالي السنتين ونصف، لكنه أخيرا أصيب بالتهاب في صمام القلب الثاني ودخل إلى مستشفى القديس جاورجيوس في للعلاج، إلا أن الالتهاب الباكتيري انتقل إلى الصمام الذي كان قد أجرى له العملية، ولم يحبذ الأطباء إجراء عملية أخرى لأنها ستودي بحياته، واكتفوا بعلاجه بالمضادات الحيوية. وأفادت زوجته شيلا، أنها حضرت إلى المستشفى لتزوره، ووجدته غير مرتاحٍ، وعندها هرع الأطباء لإسعافه لكنه تعرض لسكتة قلبية، أدت إلى توقف قلبه ومفارقته الحياة، حيث شكلت وفاته صدمة لمحبيه في لبنان والعالم العربي.

 اسمه الحقيقي: سامي حبيقة، لقّب نفسه بـ”سامي كلارك” تسهيلاً لنطق الاسم باللغات الأجنبية، خاصة أنه بدأ الغناء باللغات الأجنبية وتجاوز أرشيفه الغنائي الـ 700 أغنية.

ولد ونشأ في قرية ضهور الشوير. ونال العديد من الجوائز في مهرجانات موسيقية من بلغاريا وألمانيا وفرنسا واليونان والنمسا.  في أواخر الستينات وفي السبعينات من القرن الماضي سخّر خامة صوته الأوبرالي  للغناء الغربي، الذي أطلقه بقوة إلى سماء النجومية، فأقام لنفسه مكانة بين أقرانه الأجانب، تميّز فيها خصوصا بأغنية “موري موري” باللغة الإنكليزية من ألحان إلياس الرحباني. كما غنى كلارك أيضاً بالفرنسية والإيطالية والأرمنية واليونانية والألمانية والروسية، ونجح في المزج اللغوي في الغناء بين العربية وغيرها. وشارك في غناء شارات بعض مسلسلات الكرتون في الثمانينات من القرن الماضي مثل “غريندايزر” إذ غنى المقدمة، والنهاية ومسلسل الأطفال الشهير “جزيرة الكنز”. 

كم من لبناني ردد أغنيته إبان الحرب الأهلية في لبنان، وصرخ معه “آه آه.. على هالأيام…. آه آه.. ما عاد فينا ننام”، وعلى الرغم من أن كلمات الأغنية لا علاقة لها بالواقع الحربي، فهي حملت أجواء سخرية من عاشق تتلاعب به حبيبته.   تميزت أغاني سامي كلارك بنوع خاص فيها خفة روح ومرح وجمالية مميزة، وهو غنى اناشيد وطنية أغاني عاطفية لطيفة تطرق إذن المستمع ببساطتها وتعبيراتها غير المفذلكة. في كل إطلالاته كان يبدو أنيقا لطيف التعابير، صورة مشتهاة عكس صورة الحرب التي كان يعاندها بانفتاحه وتأسيسه جمعية “لبنان الجديد” المناهضة للحرب والتي استطاعت أن تضم الآلاف. وكان كلارك من أوائل من خاضوا غمار الأغنية المصورة في بدايات انتشار التلفزيون في الشرق الأوسط، وعلى رغم التراجع الكبير في إنتاجاته الفنية، اعتبارا من تسعينات القرن العشرين، استمر سامي كلارك في الإطلالات الإعلامية مع تقديم بعض الأعمال المتفرقة. كما تركز ظهوره أخيرا على الساحة الفنية المحلية من خلال حفلات أحياها ضمن فرقة ثلاثية حملت اسم “The Golden Age” (“العصر الذهبي”) مع زميليه المغنيين اللبنانيين الأمير الصغير وعبده منذر.

 في بداية سبعينات القرن الماضي، أسس كلارك برفقة عدد من أصدقائه فرقةً موسيقيةً تحمل اسم “Robin’s“، قبل أن يحترف الغناء، وفي العام 1983 أبدع في أداء شارة المسلسل الكرتوني “جزيرة الكنز” وهي التي جلبت له شهرةً واسعة وخلّدت أسمه على مدى أجيال متعاقبة. في عام 2009 أعاد كلارك إحياء 17 أغنيةً من أغانيه القديمة بألبوم يحمل عنوان “عودة كلارك”، كما غنّى في عام 2011 شارة البداية للمسلسل السوري “كشف الأقنعة”، قبل أن يعود إلى شغفه ويؤدي أغاني “جزيرة الكنز” و”غرندايزر” مراراً خلال حفلات ومهرجانات. وجرى التداول باسمه إعلامياً في السنوات القليلة الماضية إثر رفضه عرضاً تلقاه ليكون مشتركاً في برنامج تلفزيوني مخصص لتعريف الجمهور العربي العريض بأصوات غنائية لأشخاص متقدمين في السن، بعدما اعتبر أن مثل هذه الدعوة تنتقص من قيمته الفنية كمغن مخضرم صاحب تاريخ حافل بالنجاحات. في لقاءه الأخير ببرنامج تلفزيوني كشف تفاصيل وكواليس غناء شارة “غريندايزر”، موضحا ان شارة “غريندايزر” تم تسجيلها عام 1974 وعرضت علي من بعض المنتجين، وكان موجود في ذلك الوقت زياد الرحباني، وتحدثوا معي عن فكرة الأغنية وأن الموسيقى من اليابان وأكدت لهم أنني ارغب في مشاهدة أكثر من حلقة من أجل غناء الشارة، وشاهدت الحلقات وبدأت بعد ذلك في قراءة كلمات الأغنية وأعجبتني لأنها تتحدث عن حماية الضعفاء فكانت أغنية تحمل معاني إنسانية وسجلت الأغنية”.

 رحيله، أعاد “نبش” أغنية “نادرة” له بعنوان “لبيك صدام”، كان قدمها للنظام العراقي في بداية الثمانينيات، وتُنسب إلى “أرشيف الحرب العراقية الإيرانية”. تبدو الأغنية مستهجنة اليوم بالنسبة لبعضهم، أو في غير موعدها، لكن الغناء للأنظمة في تلك المرحلة كان عاديا، ولم تكن ثمة محاسبة للأصوات على أغنياتها. فالكثير من الفنانين قدموا أغنيات لصدام وحافظ الاسد والملك الحسن الثاني وعبد الناصر وقبله الملك فاروق ولأحزاب سياسية.

ريم ياسين – صحفية لبنانية

Visited 20 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة