أفق: بين صورتين

أفق: بين صورتين

يكتبه : صدوق نورالدين

       1

   ينتهي السياسي في الغرب بعد استكمال مسؤولياته، إلى الصمت والعزلة المقدسة. بالتالي، التفرغ لتدوين يومياته، مذكراته أو سيرته الذاتية ككل، علما بالتجاور الذي يطبع الأجناس السابقة في شموليتها. وانطلاقا من التدوين، تتحقق الإجابة عن الأسئلة العالقة بخصوص مواقف، قضايا أو حلول أملى الظرف اتخاذها.

العودة إلى المغامرة السياسية من جديد، لا يندرج في التصور والاعتبار. فما قبل اللحظة السياسية لا يماثل ما بعدها. ما قبل، تجسيد للرغبة في إظهار الكفاءة والإعلان عنها. بمعنى، قناعة فرض الذات على العالم وصناعة الشخصية إذا حق. وأما ما بعدها، فيحيل على تجربة تحقق اكتسابها واكتملت في ضوء كونها مهمة ومسؤولية. من ثم يتفتح على الحياة، التجوال، معرفة تفاصيل العالم عن قرب و قراءة المؤجل من الكتب.

يسقط الاسم في النسيان، اللهم مما دون وكتب.

      2

   ينتهي السياسي العربي على الأغلب _ وبعد الخروج من واقع اللحظة السياسية _ إلى الحلم بركوب المغامرة من جديد، أقول رغبة العودة لممارسة ما كان أقدم عليه. فالسياسة بالنسبة له، امتلاك يتجلى في حيازة سلطة لا يمكنه العيش من دونها. من ثم يوظف خياله في ابتكار أفانين المكر والحيل لظفر بعودة ثانية، ولربما ثالثة، ليبقى الموت وحده ما ينهي علاقته بالسياسة. إنه يحس بكونه خلق من أجلها، مثلما أنها وجدت لأجله. ويحدث، حتى يظل الاسم مقترنا بالسياسة في غيابه، أن يورث اللحظة السياسية لأبنائه، أو زوجته أو من لهم علاقة قرابة به. فالاسم العلم ومثلما يحوز الامتلاك يتوهم الاستمرارية الدائمة.

إن خيال السياسي العربي لا يفكر في كتابة يوميات، مذكرات أو سيرة ذاتية، وإنما (يفكر) _ إذا أمكن _ بتوسيع دائرة الامتلاك. فالكسب يمثل بالنسبة له، القوة التي تهزم الجميع وتحول الشخصية من الغياب إلى الحضور، من المجهول إلى المعلوم. ولذلك تجده يتدخل في كل شيء، ما يعنيه و ما لا يعنيه. ويبدي الرأي عن جهل في كل شيء. وحتى وهو يخطئ لا يمارس نقدا ذاتيا، و لا يقدم اعترافا بما وقع فيه من أخطاء.

          3

   بين الصورتين، تبرز التربية، و تمثل الثقافة. وأما البقية فلا قيمة لها.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

صدوق نور الدين

ناقد وروائي مغربي