زوايا الصحراء زوايا الوطن.. جدل بيزنطي حول فيلم وثائقي

زوايا الصحراء زوايا الوطن.. جدل بيزنطي حول فيلم وثائقي

عبد السلام بنعيسي

   أثار الشريط الوثائقي لمخرجته مجيدة بن كيران “زوايا الصحراء زوايا الوطن” جدلا صاخبا بعد عرضه في الدورة السادسة من مهرجان الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني المنظم بمدينة العيون في الفترة الممتدة من 19 إلى 25 دجنبر 2022، فلقد قال ضيف مشارك في الشريط إن أحمد الركيبي، كشيخٍ من شيوخ زوايا الصحراء، كان عاقرا، وبسبب هذا القول، شُنّت حملة دعائية محمومة جدا ضد الشريط ككل، وضد المخرجة والشركة المنتجة، وضد المركز السينمائي المغربي، وتمت الاستعانة في تسعير الحملة على العنصر القبلي باعتبار، الشيخ الركيبي، كان واحدا من قبيلة الركيبات، وعلى العنصر الجهوي، على أساس أنه من جهة الصحراء…

   ودخلت تنسيقية مهنيي السينما بالصحراء على خط الجدل القائم حول الفيلم الوثائقي المذكور، وعبر أعضاؤها عن إدانتهم “لكل مسٍّ برمز من رموز الصحراء، أو مكون من مكوناتها”، محملين مسؤولية ما وقع للمركز السينمائي المغربي”، وطالبوه “بتقديم اعتذار رسمي، وواضح، وصريح” عما اعتبروه “خطأ جسيما”، وفتح تحقيق حول ملابسات الخطأ الجسيم الذي تم ارتكابه في الفيلم الوثائقي “زوايا الصحراء زوايا وطن”، و”العمل على سحب هذا الفيلم، ومنع عرضه بشكل نهائي، وكذلك سحب رخصة الإنتاج من الشركة المنتجة للفيلم، وحرمانها من الاستفادة من أي دعمٍ مستقبلا، مع سحب بطاقة الإخراج من مخرجة الفيلم الوثائقي، وإسناد إنتاج، وإخراج، وكتابة سيناريو الأفلام الوثائقية حول الصحراء لأبنائها الذين لهم اطلاع على ثقافتها وتاريخها”، كما دعت التنسيقية إياها “إلى إحداث لجنة خاصة بدعم الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني تتشكل من أبناء الصحراء، والعمل على الزيادة في الاعتمادات المالية المخصصة لصندوق الدعم وانفتاحه على الإنتاجات السينمائية الطويلة والقصيرة”.

   الخطأ واردٌ في جميع الأعمال مهما كان نوعها، وحين نكون إزاء شريط وثائقي ورد فيه خطأٌ ما، فإن تصحيح الخطأ يتمُّ من طرف الصحافيين، والنقاد، والمؤرخين، ومشاهدي الفيلم، ويكون التصحيح بهدوء، ويتعين أن يظل النقاش محصورا في الفقرة الخطأ التي تضمنها الشريط، وألا يقع تجاوزها، إلى تقديم مطالب تعجيزية، وغير معقولة، من قبيل سحب الفيلم ومنع عرضه بتاتا، وسحب رخصة الإنتاج من الشركة المنتجة للفيلم، وسحب بطاقة الإخراج من مخرجته، هذه مطالب لا يمكن صدورها عن مهنيين يمارسون مهنة إنتاج، وإخراج، وكتابة سيناريوهات الأفلام الوثائقية والسينمائية، هذه عقلية قمعية، تريد مصادرة الرأي والحجر عليه.

   هؤلاء الذين يستعرضون علينا مثل هذه المطالب، هل جميع الأعمال التي يقدمونها ويعرضونها على الجمهور، بتمويل من المركز السينمائي المغربي، تكون منزهة عن الأخطاء؟ هل يعرضون علينا في إنتاجاتهم الوثائقية، الحقائقُ المطلقة والنهائية، ويقدمونها لنا في حُللٍ فنية زاهية تُبهرُ العين، وتسرُّ الرائي؟ إذا عرضنا أعمالهم للمشاهدة المتأنية وللقراءة المتأملة، قد نجد فيها هي كذلك أخطاء، ربما تضاهي، إن لم تكن تتجاوز الخطأ الذي ورد في شريط “زوايا الصحراء زوايا الوطن”، وبطبيعة الحال، فإن المرء العاقل لا يدعو لسحب أعمالهم، وعدم عرضها، وسحب البطاقات المهنية منهم، وإغلاق شركاتهم، المطلوب هو التعامل بمهنية مع إبداعهم، ونقده النقد البناء، وتشجيع الجوانب الجيدة والمضيئة فيه، والتنبيه إلى ما اعتراها من تقصير وعيب، وافتراض حسن النية، وترك مساحة من الحرية الكافية للمقبلين على إعداد وإنتاج الأفلام السينمائية والوثائقية ليتجرؤوا على ملامسة كافة القضايا حتى تلك المسكوت عنها، فهذه هي وظيفة الفن والإبداع…

   وأسوأ ما في هذا الموضوع هو عندما تمَّ استدعاء العنصرين القبلي  والجهوي والاتكاء عليهما للهجوم على الشريط الوثائقي المذكور، من المؤكد أن نية معدي الشريط كانت صادقة وحنة، وأنهم كانوا يتناولون الشيخ أحمد الركيبي باعتباره شخصية وطنية، إنه جزء من تاريخ المغاربة، وهو ملكٌ لهم كلهم، وإذا جرت إساءة ما إليه، فإنها مسَّته بصفته الوطنية التاريخية، وليس بصفته القبلية أو العشائرية، ولذلك لا يجوز أن يقع الحديث عن الإساءة إلى الشيخ الركيبي، وكأنها كانت إساءة لقبيلته تحديدا وللصحراء عموماا، محاولة جعل أحمد الركيبي حكرا على قبيلته، سلوك ماضوي رجعي، ينبغي القطع النهائي معه، لأنه يسيء للرجل ويقزّمه، ويصبح الدفاع عنه، بهذه الصيغة، دفاعا عقيما، وقد يفضي إلى نتائج عكسية…

   شخصيات وطنية عديدة من قبيل محمد بن عبد الكريم الخطابي، وعلال الفاسي، والمهدي بنبركة، ومحمد البصري، وحتى بعض سلاطين وملوك المغرب، تعرضوا مرارا لأكاذيب، وأراجيف، وأباطيل في أفلام وثائقية، وفي كتب، وفي مقالات صحفية، وفي أبحاث ودراسات، وطالتهم اتهامات ظالمة، وكان المغاربة يواجهون مثل هذه المظالم التي تعتدي على رموزهم الوطنية بروح وطنية، وبالعقل وبالحكمة، ويردون عليها بالحجج والأدلة القاطعة، وبالثقة الكاملة لديهم في قدرة الرأي العام المغربي على التمييز بين الحق والباطل.

   الشيخ أحمد الركيبي أكبرُ من أن تُلصق به صفةٌ هو بريء منها. فلأن له سلالةً من صلبه، فإن وصفه بالعاقر، يبدو مجانبا للحقيقة، ولن يقبل به كل المغاربة، والغضب الأهوج بسبب هذا الوصف، هو الذي يبدو غضبا مستغربا، ومنفوخا فيه، خصوصا بالطريقة التي عبَّرَ عن نفسه، بواسطتها، اللهم إلا إذا كان المقصود بافتعال الغضب، أغراضا أخرى..

   أما دعوة تنسيقية مهنيي السينما بالصحراء إلى إسناد إنتاج، وإخراج، وكتابة سيناريو الأفلام الوثائقية حول الصحراء لأبنائها الذين لهم اطلاع على ثقافتها وتاريخها، وإلى إحداث لجنة خاصة بدعم الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني تتشكل من أبناء الصحراء، مع التأكيد على الزيادة في الاعتمادات المالية المخصصة لصندوق الدعم، فهذه دعوة عجيبة وغريبة حقا، ذلك أنه حين قرر المركز السينمائي المغربي تخصيص غلاف مالي لإنتاج الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني، وتنظيم مهرجان سنوي حول هذا الفيلم في أواخر شهر دجنبر من كل سنة، فواضحٌ أن الهدف من البادرة كان تشجيعُ أبناء الشمال المغربي على الاهتمام بالثقافة والمجال الصحراوي الحساني، وحثَّ أبناء الجنوب على إبراز ثقافتهم وتاريخهم عبر الأفلام الوثائقية للمغاربة كافة، حتى يحدث التلاقح الثقافي الوطني، ويحصل التعارف بالسنيما في المهرجان المذكور، وينجم عن ذلك التكامل، والاندماج  والتناغم بين شمال المغرب وجنوبه…

    ولكن، حين يرفض مهنيو السينما بالصحراء هذه الصيغة، ويريدون نقيضها، فهل ينبغي أن تقابلها صيغ مماثلة من جهات أخرى من المغرب، تدعو لإسناد إنتاج، وإخراج، وكتابة سيناريوهات الأفلام الوثائقية حول الريف لأبناء الريف لوحدهم دون غيرهم، والقيام بنفس الأمر، مع أبناء الأطلس، وسوس، والشاوية، وجبالا، وأبناء الغرب، والشرق، وأهل فاس…. بحيث يهتمُّ أبناء كل منطقة بمنطقتهم، ويغلقونها على أنفسهم، ويمنعونها على سواهم من المغاربة، وبذلك يتفرق دم المغرب بين قبائله؟؟؟ في هذه الحالة، ألا ينطبق علينا الشطرُ من البيتٍ الشعري للمتنبي الذي يقول فيه: يا أمة ضحت من جهلها الأمم؟؟؟

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة