تَانْبغيكْ نَمْشِي وَنْخَلِّيكْ
المعطي قبال
خلال شهر فبراير من عام 2022، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا بعنوان «الرحيل الصامت لمسلمي فرنسا»، مشيرة إلى دراسة قيد الإنجاز ينكب على القيام بها كوكبة من الجامعيين الفرنسيين.
على إثر هذا الخبر تحركت قرابة 15 صحيفة ومجلة لمعرفة المزيد عن الباحثين وعن فحوى الدراسة. وبقي الكتاب طي الكتمان إلى أن تم نشره يوم الجمعة 26 أبريل الماضي، وهو عبارة عن توثيق للوضع السيء الذي يعيشه الفرنسيون المنحدرون من أصول مغاربية بل عربية.
المأساة أن هؤلاء ينتمون إلى شرائح اجتماعية حاملة لدبلومات جامعية من كبريات المعاهد والجامعات، يتمتعون بثقافة كبيرة، لكن يعانون في محافل وميادين الشغل من العنصرية والإسلاموفوبيا ومن التحرشات المهنية، فيهم الطبيب، المهندس، الأخصائي في التكنولوجيات الحديثة ومن بينهم أيضا رؤساء شركات. وقد أورد الباحثون شهادات حية لعينات عانت الكثير من هذا الوضع.
لما اكتشف الإعلاميون هذه الدراسة، وقفوا إذا عند جملة حقائق يلاحظونها لأول مرة.. لكن ثمة صعوبات رافقت هذه الدراسة وتتمثل في الإحصائيات المقدمة لأعداد الفرنسيين، الذين غادروا فرنسا خصوصا وأن هذا البلد يحظر نشر إحصائيات عن الأصول، الانتماءات الدينية والعرقية. لكن التقديرات الأولية أشارت إلى 200,000 فرنسي غادروا فرنسا، ويتزايد عددهم منذ 2015 أي منذ العمليات الانتحارية ونتائجها. ويأتي الباحثون بأمثلة وعينات واضحة للبرهنة على الوضع المؤلم الذي عاشه بعض الفرنسيين، مثل حالة إلهام ذات الأصول المغربية، التي رفضت التخلي عن ارتداء الحجاب، ولما انتقلت رفقة زوجها إلى إسبانيا وتحديدا إلى سرقسطة تغيرت بالكامل وضعيتهما وأحست أنها تحيا من جديد. هذا في الوقت الذي تفصل البلدين سلسلة من الجبال. بعدها انتقلت العائلة إلى ستانفورد بإنجلترا بالقرب من مانشستر.
وقد استجوب المؤلف 140 شخصا من بين 1000 أجابوا عن استمارة عام 2022. وأشار الباحثون إلى أن آلاف الفرنسيات والفرنسيين قرروا مغادرة بلدهم. بالنسبة لأوليفييه إيستبف، أحد المساهمين والباحث بجامعة ليل بشمال فرنسا، بأن عدم الدقة كانت عن قصد.لكن المؤلفين تحدثوا عن عدد يناهز 5,4 مليون شخص يعيشون بفرنسا من بينهم قرابة 200000 غادروا فرنسا.
لكن هذه الإحصائيات تبقى غير دقيقة ويشوبها نقص من حيث الدقة ومن حيث المعلومات المرافقة لهجرة هذه النخب. وهو ما يعترف به الباحثون المساهمون في هذا العمل.
ويخبرنا هذا البحث أن المعهد الوطني للإحصاء لم يهتم أو لا يهتم بهذه الشرائح السوسيولوجية. ثمة طريقة للحصول على معلومات تتمثل في استجماعها من البلد المضيف. لكن الإحصائيات هنا تبقى متضاربة. في جدول بلدان الهجرة حيث تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في الصف الثاني. وبريطانيا في الصف الثالث. أما كندا فتحتل الصف السادس. هذه البلدان تبقى الأكثر طلبا من طرف الفرنسيين من أصول مسلمة. بالرغم من هذه الفجوات على مستوى الإحصائيات فإن هجرة النخبة تبقى في تزايد. «منذ عشر سنوات تمت ملاحظة هذا التزايد… وتبين أن 68 في المائة من الأشخاص الذين تم استجوابهم غادروا فرنسا منذ عام 2015، وذلك غداة الهجمات الإرهابية التي فتحت صنابير الاسلاموفوبيا على مصراعيها.
حالة رضوان، المغربي الذي يقطن بدبي منذ 2016، والذي وصل إلى فرنسا رفقة عائلته وهو في سن الثانية من عمره نموذج آخر. بعد وفاة والده تكلفت الأم بتربية وإعالة أبنائها الأربعة. ويشير رضوان أنه من الصعب التنكر لما قامت به فرنسا، حيث قدمت للعائلة العديد من الخدمات: التعليم، التطبيب، العيش من دون مشاكل القوت اليومي. لكنها بلد مثخن بالعنصرية والإسلاموفوبيا. بعد أن قضى ستة أشهر بالولايات المتحدة، تعلم من إقامته الشيء الكثير. وخلال رحلة بدول الخليج قرر مغادرة فرنسا للإقامة بدبي. هناك تزوج من مغربية وأنجب طفلا.
حكاية إلهام ورضوان تلخص بنوع ما وضعية انسداد الأبواب بل الأفق. وتبقى في قلب هذا البحث الذي تم إنجازه بين 2021 و 2023 .
كما ونوعا يستند البحث على مجموعة من المواد والمعطيات تتيح فهم وإدراك لماذا يقرر آلاف الفرنسيين والفرنسيات، لربما بشكل متزايد مغادرة بلدهم هربا من العنصرية. هذا مع العلم أن هؤلاء ليسوا بمسلمين مثل البقية بل ينتمون إلى شريحة عرفت ترقي اجتماعي لا يستهان به. لذا فإن هجرة حقيقية للأدمغة تتم تحت ناظرنا، ويطمح هذا البحث إلى معالجتها والتطرق لها.
* فرنسا تحبها لكن تغادرها. دراسة عن الدياسبورا الفرنسية المسلمة. من تأليف: أوليفييه ستيف، أليس بيكار، جيليان تالبان بمعية فيليب فيرفيك ومساهمة كمال بدر، صونيا قودري وسيسيل رودريغيز.
Visited 107 times, 1 visit(s) today