العلاقات العربية الأوكرانية

العلاقات العربية الأوكرانية

د. خالد العزي

       تشكل العلاقة العربية الأوكرانية نوعًا من الانحدار، ولأن المشكلة العربية مع أوكرانيا تكمن في كون العلاقات لاتزال ضعيفة جدا،  فالعرب لم يعطوا الاهتمام الكامل للعلاقات الناشئة مع أوكرانيا لدورها السياسي وموقعها الجغرافي كدولة ذات موقع جيوسياسي. وهذا الدور لم يتطور بسبب غياب جاليات تاريخية عربية في أوكرانيا تعمل على تطوير العلاقات ودفعها للأمام، لأن الجاليات التي تكونت هي بالأساس من طلاب عاشوا هنا وأسسوا أعمالًا صغيرة، فعملهم اقتصر على حلقة وسط بين دولهم والدولة التي يعيشون فيها، وهذا ينطبق على الدول الأخرى، بما فيهم روسيا، لذلك انعكست العلاقات سلبًا على تطور العلاقات بين الدول العربية وأوكرانيا، لأنهم باتوا لا يعلمون شيئا عن أوكرانيا ودورها ومستقبلها، ولم ينتبهوا إلى وجود أوكرانيا وما تفعله، وبماذا يمكن أن يكون تأثير  أوكرانيا.

    وهنا نرى مدى قوة الحرب الناعمة، بشكلها الدعائي والدبلوماسي، التي مارستها السلطات الروسية في الداخل والخارج على الناس،  وقدرات  الجماهير من أجل غسل العقول وإطلاق سردية جديدة، تقوم على استعادة الأراضي المسلوبة قديمًا من الامبراطورية الروسية، وفي طرح سرديات خاصة بروسيا لا تنطبق على التاريخ، من خلال تزوير الحقائق والتفتيش في كتب مختلفة في عرض الحقائق، وتبني آراء تحاول من خلالها خدمة توجهاتها التاريخية لتثبيت الأعراف. وهذا ما ينعكس على أوكرانيا في تطوير خطابها  باتجاه الجماهير العربية، التي لا تزال بعيدة عن  المفاهيم الفعلية  لأوكرانيا وتاريخها وحربها  مع روسيا.

    هنا  لم نرَ فقط أخطاء العرب باتجاه أوكرانيا، بل هي أيضًا  أخطاء الأوكران بصورة عامة، لأنهم فشلوا في بناء تحالفات في المنطقة العربية والشرق الأوسط وآسيا، ولم يعوا أهمية ودور وتأثير دول الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية، لأنهم فقط كانوا ينظرون إلى منطقة واحدة ونقطة واحدة وهي أوروبا… فكان السؤال الموجه للأوكران لماذا تحصرون توجهاتكم ورؤيتكم فقط في أوروبا. فكان الجواب نحن نريد التوحد والتكامل مع أوروبا بكل ثقلنا ونتجه نحو تحقيق الهدف… الرد كان دائما أنتم أوروبيين تذهبون إلى أوروبا لا أحد يشك بذلك أو يقف بوجهكم، ولا أحد يمكنه إبعادكم عنها، لكن عليكم الانتباه أننا نعيش في عالم صغير جدا، تحكمه العولمة والتحالفات الدولية، إذًا أين دوركم الآن بعد العملية التي شنتها روسيا ضدكم، أين تحالفاتكم وصحفييكم ودبلوماسييكم وأين إعلامكم؟ أين سفاراتكم؟ ولهذا كانت العلاقات ضعيفة جدا ولا تزال. فالسؤال الذي يوجه لنا لماذا ندعم ونقف إلى جانب أوكرانيا، نحن لم ندعم اوكرانيا كردة فعل، لأننا تزوجنا أو درسنا هناك، أو نريد الحصول على جوازات سفر، وإنما العكس، نحن نقف لأننا ضد الاحتلال، وما تمارسه روسيا باتجاه أوكرانيا هي عملية احتلال بكل معنى الكلمة، ونحن في العالم العربي نعاني من احتلال لأرضنا، ولا يمكن أن ندعم احتلالا ونصرخ في وجه الآخر، لأن مفهوم الاحتلال واحد، ولا يوجد احتلال قذر واحتلال نظيف… وما يمارسه الاحتلال الروسي هو أبشع شيء يمارس ضد الإنسان والحجر والثقافة واللغة والأرض والعرض، وخاصة أن روسيا لم تعترف أبدًا بوجود دولة اسمها أوكرانيا، وهذا التوجه بدأ من فترة طويلة لدى القادة الروس. وخاصة عندما بدأت روسيا تُقلّب بصفحات التاريخ، حيث باتت تعتمد حقبة تاريخية قديمة تقدمها لخدمة أفكارها القائمة على أحقية تاريخية للامبراطورية منذ أربعمائة عام، بأن هذه الأرض لها ويجب استعادتها لكونها أرض روسية، وهذه من امبراطوريتها، ومن هنا يمكن القول بأن روسيا هي أرض جنكيز خان، ولمنغوليا كل الحق بالادعاء بأنها تريد استعادة أرضها المسلوبة منها من قبل روسيا.
    لذا يمكن القول بأن الأوكران لم يهتموا أبدًا بتطوير العلاقات مع الدول العربية، ولم يأخذوا بعين الاعتبار الدور العربي والثقافة العربية وطبيعة النمط الحياتي العربي، وقدرة الضغط العربي، وهنا عندما وقفنا لندافع عن الحقوق الأوكرانية فكان الأوكران بعيدون جدًا عن الواقع الدولي، لكن عندما وقعت الحرب بدأ الفرز يضع حدوده، من هو مع أوكرانيا ومن هو ضدها، إذًا، قلة قليلة من العرب وقفت لتدافع عن الحقوق الأوكرانية بوجه العواصف التعبوية الدعائية الروسية.

    إذن مطلوب من أوكرانيا بناء دعاية معاكسة، لإظهار الحقائق، من خلال تجنيد الطوابير الإعلامية والثقافية والدبلوماسية،  لفتح الأبواب أمام الصوت الأوكراني، لكي يصل للخارج لبناء أفضل العلاقات مع العرب والأسيويين واللاتين والأفارقة، عن طريق الحوار والدبلوماسية، وفتح الشاشات وبث الحوارات واللقاءات الهادفة، لتطوير العلاقات مع العالم بما فيها  العالم العربي.

Visited 94 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني