بؤس العدالة في لبنان: ضربني وبكى.. سبقني واشتكى

بؤس العدالة في لبنان: ضربني وبكى.. سبقني واشتكى

فاطمة حوحو

لا يمكن ان يتجاهل أحد في لبنان المشكلة التي تصيب الجسم القضائي، حتى ان الرئيس السابق ميشال عون، اشار في موقف سياسي مفاجىء له بأنه غير راض عن عمل القضاء ويطلب منه الضرب من حديد واخذ دوره ويمارس عمله، إلا إنه لم يفصح عن رأيه بعدم تفعيل دور القضاء خلال السنوات الست التي قضاها على رأس الحكم؟ ولماذا جرى تعطيل عمل القضاء خلال ولايته وهو لجأ الى الدعوة لتفعيل عمله من خارج قصر بعبدا؟

بدا واضحا ان عون في تصريحه يتملص مما آلت اليه الأوضاع بظل حكمه تحت الشعار العجيب “ما خلونا”، في وقت انه يتحمل مسؤولية عدم تفعيل القضاء، المحسوب على طبقة السياسية وموزع على الاحزاب والشخصيات الحاكمة، والذي عطل دوره بفعل الرئيس نفسه ومجلسه الاستشاري وتحديدا مستشاره سليم جريصاتي، الذي كان يتحكم بملف التشكيلات القضائية واعطاء الاوامر للقضاة وفرض توجهات التيار الوطني الحر في العمل القضائي مما ساهم بشل عمله.

ولا بد من سؤال عون لماذا عطل عون التشكيلات القضائية في وقت كانت وزيرته في حكومة الرئيس حسان دياب قد اعدتها، وهو رفضها ووضعها في الدرج، فهل كانت هذه تنافي عمل القضاة وتصليب دورهم ام كان الرئيس يحكم بتشكيلة من الخارج من القضاة والمجلس الدستوري والمجلس العدلي واعاقة عمل القاضي طارق البيطار في قضية التحقيق بإنفجار مرفأ بيروت، ولماذا عطل التوقيع على التشكيلات القضائية ووضعها في الادراج واكراما لمن ولماذا يجري اليوم التباكي على القضاء وهو الذي اطلق يد القاضية غادة عون في ممارسة قضاء استنسابي اليس الرئيس نفسه وتياره.

هنا يتأكد ان عون يطبق المثل القائل “ضربني وبكى … سبقني واشتكى”، فهو يعلم وكان هو الوسيلة لتعطيل عمل القضاء لا بل كل مؤسسات الدولة، من الجامعة اللبنانية عندما طالب التيار الوطني بحصة الاسد في تعيين العمداء لتمرير قوانين التفرغ والملاك والمدربين وحجم السلف التي تقدم للجامعة اللبنانية وكان يفرض شروطه لتعزيز دوره في مؤسسات الدولة للسيطرة عليها عبر موظفي الفئة الاولى وليس القضاة فقط.

لم تكن عملية المناكفة او الندية من قبل تيار عون في القضاء فقط وانما في كل المواضيع ومنها الكهرباء والسدود. لكن التوقف امام موضوع القضاء هو نتيجة الموقف السياسي الذي توقف امامه عون بالتباكي على دوره،فالقضاء استبيح في عهده من قبل حاشية عون وتياره والصهر جبران باسيل لتمرير قضايا ومواقف شخصية والهروب من المسؤولية القانونية امام المؤسسات الرسمية.

هذه الحاشية في عهد الجحيم كانت تمارس اعمالا خارج نطاق عمل المؤسسات كون اي واحد منهم لم يكن يتعامل كرجل دولة، يمكن ان يكون القاضي الخصم عنيد ولكن شريف ولكن لا يمكن ان يقوم بادارة خاصة وفقا لمصالح عائلة تدير الدولة.

ولنسلم جدلا ان احدا “لم يخل” التيار الوطني الحر في الفترة السابقة ولكن في فترة حكم الرئيس عون كان هو من يستبيح القوانين ويحاول ادارة الدولة بنفسه عبر مجلس الامن الذي عينه والمؤسسات الامنية التابعة له وقضاء غب الطلب، وممارسة القاضية غادة عون مثالا عن ذلك، فتحت عنوان محاربة الفساد شنت هجمات على مؤسسات ولم يعرف اللبنانيون اين انتهت تحقيقاتها؟

وقد تخطت عون كل القرارات الصادرة بحقها من مجلس القضاء الاعلى والمدعي العام التمييزي ووضعت نفسها فوق القانون وكانت تنفذ اوامر باسيل بحماية عون وجهاز امن الدولة الذي يرافقها وكانه مؤسسة خاصة تعمل لدى هذه القاضية.

وقد شاهد اللبنانيون كيف جرى التعامل من قبل القضاء مع ثوار 17 تشرين وتركيب الملفات لهم وجرهم الى المحاكم والاداعاءات وفقا لهيئة المعلوماتية ومحاولة المحاسبة وتعذيب كل من ينشر تعليقات له على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى كتابات صحفية وفي وقت ان هؤلاء يجب اخضاعهم لقرارات محكمة المطبوعات وفقا للقوانين وعملا بالمواد الدستورية التي تحفظ حرية الرأي والنشر في لبنان.

وكانت عون تاخذ اصغر ادعاء من وديع عقل مدير الاتهامات ومفبرك المعلومات للتيار الوطني الحر كان يتم تنفيذه بسرعة بواسطة القوى الامنية والخلع والكسر وهو ما حصل مع المؤسسة المالية التي يملكها ميشال مشنتف والتي ذهب ضحيتها نتيجة اصابته بنوبة قلبية لم توضح عون اي تفاصيل حول نتائج تحقيقاتها طالما استولت على داتا المعلومات وبالطبع لم تؤد استعراضاتها بتهم تهريب الاموال لهذه الشركة الى اي مكان مما يؤشر الى ان الغاية هي بروباغندا لتنال تصفيق التيار الاورانجي ولم يكن هدفها بالطبع محاربة الفساد وانما حماية الفاسدين. ويمكن البحث أيضا في قضايا جرى إقفالها تخص التيار ورئيسه للدلالة على ذلك.

يمكن القول ان عدم تفعيل القضاء كان من الاهداف الاساسية للتيار الوطني الحر وضربها وتسليمها بالكامل الى حزب الله الذي يقود الدولة، والكل يعلم كيف كان حزب الله يحصن مؤسساته وكانت مهمة التيار الوطني الحر من عام 2005 وحتى 2022 وحاليا هو ضرب مؤسسات الدولة واضعافها طمعا بادارة السلطة وتسليم حزب الله ما يريده وكل استعراضات باسيل اليوم بانه على خلاف مع الحزب ويتبع سياسة مستقلة هو زوبعة في فنجان، لانه محمي من الحزب وفي اللحظة التي يقرر فيها فك ارتباطه بالحزل لن يبقى باسيل ولن يذكر اسمه لا في تاريخ السياسة اللبنانية ولا في اعمدة الشخصيات المارونية.

والهدف من عدم تفعيل القضاء هو طمس الحقائق والقضايا والدخول في سجالات بيزنطية لا تسمن ولا تغني من جوع، إذا الهدف كان ضرب المؤسسة القضائية، كانوا يحاولون السيطرة على رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود، لانهم كانوا يعتبرون انه محسوب عليهم وسينفذ توجهاتهم ويخضع لهم، لكن خيب عبود امالهم ولم يسلم لقراراتهم وهذا يدل على وجود مجموعة قضائية احرار وشرفاء بالاضافة الى ان هذا القضاء الذي اتهمه وزير الداخلية السابق محمد فهمي ان 95 بالمئة من القضاة فاسدين، كان لتشويه صورة القضاء والسبب الاساسي هم الفاسدون الذين اتوا الى هذه المؤسسة من قبل سياسيين ليعيثوا بها فسادا بالرغم من عمل كثير من الشرفاء داخل المؤسسة القضائية للتصدي لهذه المحاولات.

لماذا لم ينته التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ولماذا كان يسعى لاخراج المحسوبين عليه من السجن المتهمين بهذا الملف وطمس الحقائق والقضية وتحميل الجريمة الى ضباط وموظفين عاديين للتغطية على دوره، بكونه كان يعلم عن وجود النيترات وكان يعرف ايضا من يسيطر هناك لتهريب السلاح وغيره ولماذا لم يمارس دوره كأب للبنانيين ويقف الى جانب عائلات الضحايا والمتضررين من محاسبة الفاعلين وتحقيق العدالة.

يستحق اهالي بيروت الذين نكبوا ودمر اقتصادهم معرفة من فجر مرفأ بيروت وهل يمكن محاسبة عون على جوابه على سؤال الى اين يذهب لبنان فاجاب الى جهنم هل كان يعد الشعب اللبناني في جهنم ويعد نفسه بفيللا في الرابية تبني من حساب اللبنانيين الم يطلب ممن لا يريد العيش جهنمه الذهاب للعيش في بلد آخر، وهو كلام يذكرنا بما كان يقوله الرئيس بشار الاسد في بدايات الثورة السورية لشعبه وهل يستطيع القضاء الادعاء على من شوه سمعة القضاء اللبناني.

واخيرا لا بد من القول انه من غير الممكن حل المشكلات في لبنان من دون تفعيل القضاء اللبناني والتسليم بصلاحياته لمعاقبة ومحاسبة من ارتكب جرائم اقتصادية ومالية وامنية لان الحل ليس بانتخاب رئيس للجمهورية او انتخابات نيابية او تشكيل حكومة وانما ايضا هي في اطلاق يد العدالة وتنظيف الجهاز القضائي حتى يكون لدينا قضاة مستقلون اقوياء لا يخافون ولا يهابون السلطة السياسية الفاسدة وانما يعملون بضمير من اجل الحفاظ على البلد واهله وتحقيق العدالة وتطبيق القوانين.

 

 

<

p style=”text-align: justify;”> 

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

فاطمة حوحو

صحافية وكاتبة لبنانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *