سبتسبٌّوتْ.. ملهاة الصغار ولعبة الكبار

سبتسبٌّوتْ.. ملهاة الصغار ولعبة الكبار

 (كلما ازددت علما زادني علما بأني جاهل..

فاللهم زدني علما بجهلي)

العربي بنتركة

   “سَبْتسبٌّوتْ” هوايتنا في الصغر، لا نَظلم فيها ولا نُظلم. نتناوب على النط ويكون اللهو برداً  وسلاماً لا غالب ولا مغلوب ونربح الوقت الذي أمضيناه ثم ننساه ونتولّى.

   كبرنا وعدَّانا “سَبْتسبٌّوتْ” بأزمنته المليحة، ولم نعد نتفكر فيه إلا كلما شدّنا الحنين إلى تذكر شغف الطفولة وشغبها، وحيناَ بعد حين نكتشف أن “سَبْتسبٌّوتْ” باقٍ ما بقي اثنان على الأرض، أحدهما ينط على الآخر، يقفز الذكي على الغبي وقد يقفز الغبي على الذكي. العدل في “سَبْتسبٌّوتْ” الكبار مفقود.. النموذج خصمان يتحابان، المحبة بينهما ذريعة لستر الطوية.. أولهما المغربي اليهودي  عينه على ما فوق الأرض. من سلالة موسى السامري عبد العِجْل وفسق عن أمر ربه فقضى عليه بالتشرد ولم يجعل له أرضاً يسكن إليها ويستكين، لذلك كلما حلَّ بمكانٍ كالنت عينه على الأرض.. (بْني وعلِّي.. وسيرْ وخلِّي)، من سلالة “طاشرون” شيشاوة عبد الأتربة والأعواد. لذلك كلما حلَّ بأرضِ كانت عينه على ما فوقها..

   الصراع المستخفى بينهما من ينط على الآخر. اليهودي المغربي يجري من أجل الأرض بألمه وقلمه فلا يتعب. والمغربي اليهودي يتعب من غير أن يجري، شغله الشاغل بطنه، يأكل بشراهة حتى يتخم ويترهل، فتذهب فطنته ثم يلقى بجثته على السرير وينطلق شخيره محجباً عن الأسماء هدير البحر. تلك فسحة اليهودي المغربي للاقتراب من الأرض وإعداد العدة للنط على المغربي اليهودي.. استيقظ المغربي اليهودي من سباته وما أن جلس إلى مائدة الإفطار حتى أمر أحد معاونيه بإحضار الطاشرون إليه. قال للطاشرون لما حضر: تأخرت في العمارة العمارة السادسة كثيرا. قال الطاشرون: أمرتنا أن لا يطلع أحد على مكانها فنهجنا في بنائها سبيلا غير مألوف فانتهينا اليوم من طابقيها العلويين العاشر والتاسع، وغداً يأتي دور الطابق الثامن. قاطعه ليقول: ولماذا لم تبدأ بالطابق الأرضي؟ قال الطاشرون: لقد جاءتنا سيدة أجمل من الجمال نفسه لتقول إنها ستشتري هذه الأرض. لم يتردد حتى قال له: تقول سيدة؟ آتوني بها.. اليهودي المغربي كان بذات الحان الذي اعتاد أن يلتقيا به، دخل عليه المغربي اليهودي، فتعانقا قبل أن يجلس إليه وهو يقول: لم أسمعك يوما تتحدث عن المرأة وهي طعام الحياة وملحها الجنس. فقال اليهودي المغربي: قلّما أتحدث في أمور هي من باب تحصيل الحاصل أو شرح الواضحات. فخذله المغربي اليهودي وهو يقول: من كان والنساء على طرفي نقيض فكأنما وقع على رأسه بأرض ليس له بها شفاء. حينها دخلت عليهما سيدة هيفاء خلبت لُبَّ اليهودي المغربي. توسطتهما. فقال المغربي اليهودي: خير الأمور أوسطها. ونظر اليهودي المغري إلى صدرها وعليه رمز صليب. فقال: صدر عليه صليب المسيح. ونظر المغربي اليهودي إلى مؤخرتها وقال: وكرٌّ عليه صلاة النبي.. فانحنى عليها اليهودي المغربي فأسرَّ إليها: عشرة آلاف درهم مقابل ساعة معي؟ ألقت بالعلكة من ثغرها وقالت: أفضل صاحبك فهو أرشد.. وعندما اختلت بالمغربي اليهودي داخل غرفة العمليات بمسكنه، رآها تمي شعرها الاصطناعي عن رأسها ثم وهي تقلع أظافرها الاصطناعية وألقت بكرتين من صدرها قبل أن تلتفت إليه وتقول: لقد أصبت الهدف، أنا ذكر ولك مني ما رجوت. في الصباح غادر فراشه فلم يعثر للأنثى الذكر على أثر، وردّد في سره: خيرا فعل.. في المساء التقى وصاحبه في نفس الحان والآن. وعندما سأله قال المغربي اليهودي: دعتني خلفها فوالله ما رأيت وجهها.. للتو دخلت عليهما سيدة شقراء لامعة بشرتها، سلمت وجلست قريبا من اليهودي المغربي وبدا أنها تعرفه، وقالت تخاطب المغربي اليهودي: التي كانت معك بالأمس صديقتي بالخلاف. فضحك منها وقال لصاحبه: أنت أيضا لن ترى وجهها. فردَّ اليهودي المغري: سأتمتع بوجهها أيضا، أنا لا أنظر إلى الوراء، بل أبصر إلى الأمام.. هكذا نطَّ اليهودي المغربي على المغربي اليهودي في لعبة الكبار “سَبْتسبٌّوتْ”. وكانت الشقراء التي مع اليهودي المغربي قد اشترت بوحيه ودعمه الأرض التي يقيم عليها المغربي اليهودي بنيانه، وعندما أرسل في طلب الطاشرون قيل له إنه أخذ رشوة سمينة من اليهودي المغربي وهاجر من شيشاوة إلى شفشاون ومنها إلى الشيشان.

***

   أحس المغربي اليهودي بإحباط، لكنه لم يتحمل هزيمته أمام صاحبه.. العمارات الخمس التي شيدها من حلال وحرام ماله، بيعت عن آخرها وصارت ملكاً لمن يسكنها وقد أنفق منها ما سطا عليه طاشرون شيشاوة وفرّ به إلى الشيشان قبل أن ينهض هو من رقاده. وطرأت عليه فكرة غريبة عليه، فراح يستشير جحا فاس. فقال له: لقد تركت بابا مفتوحا، اذهب إليه يرشدك إلى الحل. ولما لم يفهمه تجاوزه. وجاء من دلَّه على جحا العجم. ولما وقف أمام أرسين لوبين يستشيره في الأمر، قال له كذِّبْ صديقك وإن صدق، واكسب ثقة عدوك.

   وبذلك دخلت “سَبْتسبٌّوتْ” لعبة الكبار، شوطها الثاني. وما أن اعتزم الخوض في الشوط الثاني حتى دخلت عليه الأنثى الذكر، فقال يحاوره: مشكلتك يا عزيزي أنك نائم على الدوام ومن شخيرك تنبعث رائحة متاعبك. كنت أعرف وأنا أغادر بيتك أنك لن تنهض قريبا، فقضيت مأربي وغادرت. قال المغربي اليهودي وهو يضحك: وأنا أيضا لما قضيت منك مأربي نمت.

   قالت الأنثى الذكر: أراك بطيء الإدراك يا عزيزي، فأنا لما قبلت بمعاشرتك تلك الليلة، فلأني عقدت صفقة مع صاحبك اليهودي، وعندما مكنته من الملف العقاري الذي سرقته منك، كسبت الصفقة. قال المغربي اليهودي: لا بأس في ذلك، أنا خسرت كل شيء والدنيا كما تعرفين  “سَبْتسبٌّوتْ”، إذا تأخر عنك القطار لا يعني أنك لن تصل.. في اليوم الثاني ركب رأسه وراح يزور صاحبه. تعانقا وكلاهما يضحك. فقال المغربي اليهودي: ما في قلبي غل عليك، إنما جئت لأباركك، فلا بد في “سَبْتسبٌّوتْ” من منطوٍ وقافز. فقال اليهودي المغربي: من يتبع قصور الأرض يجني قشور الأرض، وإني لأرى فيك اثنين إن صرعتهما استقامت لك الحياة، فِطرتك التي تخذلك، والمرأة التي لا تنظر إلى وجهها.. فقال المغربي اليهودي وهو يحاوره: كنتُ أفكر سؤالك عن إسرافك في النساء وأنت لا ترى منهن إلى وجوههن؟ قال اليهودي المغربي: وجه المرأة عنوانها، إن عرفته بلغت الدواخل، الجمال يا صاحبي ينسيك كل شيء إلا جوع بطنك.. فقال اليهودي المغربي: وما أدراني إن كنتَ صادقا وعهدي بك تاجر ووجه المرأة في عرفك صفقة والمال ينسيك كل شيء إلا يوم قبرك.. قال اليهودي المغربي ساخراً: وأنت طبعاً لا تحب المال؟ ردَّ عليه قائلا: بل أعشقه كما أنت تعشق من  المرأة وجهها. لذلك تدبَّرْتُ أمر الاستثمار في كرى القدم، تجارة اليوم والغد، رأس مالك فيها محفوظ وكلما دارت الكرة بين القدم والأرض تضاعفت أرباحك.. صفق له اليهودي المغربي، وقال: الآن رسمتَ بكفاءة خارطة طريقك، وإنك لتحفزني على الخوض فيما تدبَّرتُ أمره، فأنا أيضا قررت الاستثمار في كرة القلم، كرة القلم في رأسه، حين يسيل لعابها يخرج منه العجب، وكلما دارت الكرة ولَّدت نورا، أو قذفت نارا، هما معاً التور والنار من بنات أفكار كرة القلم، فإن بار القلم فبسبب الكرة، وإن نار فبسبب الكرة التي في رأسه، وكما هو عندكم في كرة القدمن كرة القلم تطاوع الماهر والعاهر، فلا تخذل حتى الذين يستخفون بلعابها ويسخرونه “لتكارير” سرية ينظفها من تصل إليهم بمبيد الحشرات لأنهم موظفون برأس الألم لا برأس القلم. وهو يجهل أن الذهب لا يخرج من رأس القلم إلا إذا كان رأس صاحب القلم ذهب…!

شارك الموضوع

العربي بنتركة

كاتب واعلامي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *