أين حنظلة ؟ (على هامش يوم الأرض)

أعددت فنجان قهوة سوداء مرة…

 مرة تماما… بقليل من السكر. ثم استويت على أريكة هزازة،  أتصفح  رسومات الفنان العربي الأستاذ ناجي العلي، المغدور بأيد آثمة وسط عاصمة الضباب لندن..  

من يذكر ناجي العلي؟ وقبله غسان كنفاني؟ ثم خليل الوزير؟ 

من يذكر يافا حرقة هشام شرابي؟ 

ومدينة السلام لظى إدوارد سعيد؟ 

من يذكر الدامور؟ وبرج البراجنة ؟ وصيدا؟ وصور؟ 

وكفر شوبا وحاصبيا الضاربة في عمق البقاع الغربي اللبناني؟ 

حصار بيروت عام 1982؟ ومجزرة صبرا و شاتيلا ؟ والكتائب؟  

من يذكر طاحونة دير ياسين؟ ومأساة تل الزعتر؟ من يذكر قانا؟ 

اتفاق عمان؟؟؟ اتفاقية وادي عربة وصيحة توجان الفيصل ؟!!! 

غزة – اريحا أولا ؟!!! وعناقيد الغضب ؟!!!.. والقائمة طبعا طويلة!!! 

على الكرسي الهزاز تأملت عميقا الفتى حنظلة عاقدا يديه خلف ظهره، وهو المشهد الذي يظل يسائلني كلما تأملت حنظلة ورسومات ناجي العلي.. 

حنظلة كان يوما طفلا صغيرا واليوم صار كهلا.. شيخا ربما.. 

عاش حنظلة وجيلي أسئلتنا الحارقة.. عاش أيضا أحلامنا الوردية ويوتوبياتنا… ورومانسيتنا المجنحة… 

صيرورة ثقافة النضال الحق والحقيقي، يوم كان يعتقد أن للنضال مغزى وأهدافا إنسانية نبيلة، ومعنى جارفا وقصودا تحررية…

 تحولات العالم العنيفة مذ سقوط جدار برلين، وارتطام تجربة رأسمالية الدولة السوفياتية التوتاليتارية، وجدار تجربة الرأي الوحيد والأحادي وانسداد آفاق الوضع العربي الراهن، وإفلاس استراتيجياته السياسية  بتقسيم المقسم و تجزيء المجزأ وتفتيت المفتت.. وانكفاء النخبة العربية المثقفة بشكل غير مسبوق وانتشار الثقافة الميركنتيلية انتشار السرطان بين مختلف الشرائح و الطبقات الاجتماعية.. والردة الفكرية الصارخة، وشيوع اللاعقلية الحدسية  والعبثية وقيم الجبرية والاتكالية بمختلف تجلياتها وتمظهراتها، إلى حد أنها أمست نظاما عاما  للحياة الفردية، بل وأسلوبا للحياة الاجتماعية برمتها: التصورات والمواقف والمنظورات  الاجتماعية السياسية، وفي الممارسات ومنهج التحليل وأسلوب الحياة والزي والردود والمسلكيات.. وتبخيس فتمييع مفاهيم كانت في مرحلة تاريخية سابقة ذات حمولة تقدمية، كالالتزام  والحرية والنضال والانفتاح والتحليل الموضوعي والعقل والمنطق وماشاكل ذلك…  

لست أدري ماذا كان ممكنا أن يقول لسان حال حنظلة اليوم، لو أنطقه الفنان ناجي العلي المقتول غيلة بكاتم صوت صهيوني جبان، مرة أخرى حول ما يعتمل في خضم المجتمعات العربية بعد حرب الخليج الثانية والثالثة والوضع في العراق و سوريا وليبيا واليمن، الذي قيل لنا – والعلم لله تعالى –  إنه “سعيد”… وهو يشاهد ويسمع ويتابع مايجري ويدور على رقعة جغرافية علمونا، لذريعة أو لأخرى، أنها عربية وقومية ووحدوية ودينية… والوضع البئيس المزري والمسيخ  للإنسان العربي المنهوك نفسانيا، والمهدور ثقافيا، والمقهور اقتصاديا ووجوديا… 

 أعلم ان حنظلة يتيم؛ بيد أنني لا أعلم أين هو هذا اليتيم  حنظلة، وقد اشتد عوده اليوم.. فمن عثر منكم على حنظلة  فليطرح عليه بعضا من  سؤالاتي المضمرة أولا، و حرقتي المغثية ثانيا، وليبلغه تحياتي الزكيات ثالثا ..

ناصر السوسي – شاعر مغربي

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة