اعتداء جديد على القوات الدولية في الجنوب .. ووتنيتي قلق
حسين عطايا
أعلن الناطق الرسمي بإسم القوات الدولية في الجنوب اللبناني “اليونيفيل” أندريا تيننتي أن “مجموعة من الرجال في ثياب مدنية أوقفوا يوم السبت (امس) جنود حفظ سلام تابعين لليونيفيل بينما كانوا يقومون بدورية روتينية في محيط قرية عرب اللويزة بجنوب لبنان”، مضيفاً ان “المدنيين هددوا جنود حفظ السلام وحاولوا نزع أسلحتهم”. وذكر تيننتي انه “بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 1701، تتمتع اليونيفيل بحرية حركة كاملة والحق في القيام بدوريات داخل منطقة عملياتها”.
واشار الى شجب الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بشدة سلسلة حوادث الحرمان من حرية الحركة الأخيرة، مشدداً على أن “همنا الأساسي هو الحفاظ على الاستقرار في جنوب لبنان بالتنسيق مع القوات المسلحة اللبنانية وبدعم من سكان جنوب لبنان”.
واعتبر أن “الهجمات والتهديدات وأعمال التخويف ضد عناصر اليونيفيل الذين “يخدمون قضية السلام هي مصدر قلق بالغ”، داعيا “القوات المسلحة اللبنانية إلى ضمان سلامة وأمن وحرية حركة قوات اليونيفيل”.
وياتي هذا التحرش بالقوات الدولية بينما يشتد الحديث عن بدء اسرائيل بسحب الغاز وسط خلاف مع لبنان حول خط ترسيم الحدود البحرية ومع وصول الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين الى بيروت غدا الاثنين. وهو امر درج عليه حزب الله بتوجيه رسائل امنية عبر تحريك عناصر مشبوهة باعمال إستفزازية تستهدف القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان.
وعلى الرغم من العلاقات الممتازة ما بين جنود وكتائب القوات الدولية واهالي الجنوب، الا انه تحصل بعض الاحيان حوادث من رجس الشيطان، بإيحاء من حزب الله بهدف توتير الاجواء مع قوات اليونفيل، التي عملت طوال السنوات السابقة على تقديم المساعدات للمدارس الرسمية في الجنوب وللبلديات، كما لم تبخل في تقديم المساعدات العينية للمواطنين عبر القيام وتنظيم دورات تعليم لغات وتدريب مهني، إلا أن الأمر لم يخل من بعض المشكلات التي يُثيرها عناصر مشبوهة تابعين لحزب الله تحت حجة إشكالات ما بين القوات الدولية وأهالي الجنوب، وليس آخرها ما اقفل عنه العام ٢٠٢١ وتحديداً في الثاني والعشرين منه، حيث تطور إشكال بين شبان من اهالي بلدة شقراء الجنوبية مع عناصر من الكتيبة الفنلندية في أحد الطرقات الفرعية إلى تدخل الجيش اللبناني وعمل على تهدئة الاوضاع.
وجاء هذا التحرش كرسالة أو ردة فعل على زيارة امين عام الامم المتحدة انطوني غوتيريش، إثر تصريحات انتقد فيها اعمال حزب الله في المنطقة الجنوبية ودعوته الى الالتزام باعتبار منطقة جنوب الليطاني خالية من السلاح غير الشرعي.
ويمكن الحديث ايضا عن ما حصل في مدينة بنت جبيل في العاشر من كانون الثاني من هذا العام، حيث اقدم شُبان من مدينة بنت جبيل من الاعتداء على عناصر من الكتيبة الهنغارية، وفي كل مرة تكون الحجة بأن عناصر من القوات الدولية يقومون بتصوير أماكن حساسة وما الى ذلك، كما انه وعلى خلفية اصطدام الية تابعة للامم المتحدة بخزان للمياه لاحد المزارعين من ابناء بلدة راميا الحدودية، وقع إشكال وتم الاعتداء على عناصر الدورية وادى الى تخريب بآليتين تابعتين لعناصر الدورية بينما كان الجيش موجوداً وعمل على تدهئة الوضع .
في كل ذلك هذه الاحداث، لم يكن الأمر بريئا او نتاج خلاف فعلي ما بين العناصر الدولية والأهالي كما يزعم، بل هو عملية مدروسة وردة فعل على موقف لم يعجب حزب الله خصوصا اذا كان الامر متعلق بسلاحه، فيُحرك عناصره للاعتداء على بعض دوريات الامم المتحدة وتوجيه رسائل غير مباشرة ومن ثم تبرير هذه الافعال المستنكرة والشاذة والصاقها بعبارة الاهالي، مما يدل على ان ما تقوم به القوى الاممية يُعيق تحرك عناصر حزب الله ويخلق له إرباكاً، وهذا ما يدفعه الى تنظيم اعمال الاعتداء على العناصر الاممية، وهو امر يعرفه كل اهل الجنوب ومقاصده واضحة للعيان، علما ان هذه الاعتداءات تتسبب بالضرر لمصالح الجنوبيين الذين يستفيدون كثيراً من مساعدات القوات الدولية.
يعود وجود قوات اليونيفيل في لبنان إلى عام 1978 وذلك بعد الاجتياح الإسرائيلي وسيطرته على جنوب البلاد، حين قدمت الحكومة اللبنانية احتجاجاً إلى مجلس الأمن ليتبنى بعدها القرارين 425 و426 اللذين يدعوان إسرائيل إلى وقف أعمالها العسكرية وسحب قواتها من جميع الأراضي اللبنانية، وقد كان لممثل لبنان في المنظمة الدولية المرحوم غسان تويني الدور الابرز في التوصل الى هذين القرارين ” .
كما قرر المجلس إنشاء قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان “اليونيفيل” وذلك لتأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية وإعادة السلم والأمن الدوليين ومساعدة الحكومة اللبنانية على بسط سلطتها الفعلية في المنطقة، وقد وصلت طلائع هذه القوة في 23 مارس 1978، ولكن هذين القرارين لم يتم تنفيذهما بشكل كامل نتيجة بقاء قوات الاحتلال الاسرائيلي في منطقة الشريط الحدودي المحتل وانشائها لقوات عميلة لها توالى على قيادتها سعد حداد ومن ثم تبعه انطوان لحد الى ان ان تم الانسحاب الاسرائيلي في ايار من العام ٢٠٠٠ .
بعد حرب تموز 2006 بين إسرائيل و”حزب الله” تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار 1701 الذي نص على تجريد كل الجماعات اللبنانية من سلاحها، داعياً الحكومة اللبنانية لنشر قواتها المسلحة في الجنوب بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة.
وفي العام ٢٠٢٠ تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 2591 الذي مدد بموجبه مهمة اليونيفيل في لبنان سنة إضافية، وفي 31 أكتوبر 2021، بلغ عدد المشاركين في هذه القوى 10,144 جندياً ينحدرون من 46 دولة .
من الواضح ان لبنان بحاجة الى استمرار الهدوء على حدوده الجنوبية مع فلسطين المحتلة، والناتج احياناً عن اعتداءات اسرائيلية واحيانا عن عمليات يقوم بها حزب الله بين الحين والاخر، على الرغم من ان هذه العمليات تبقى مضبوطة في إطار ما يُسمى قواعد الاشتباك، حيث انه ومنذ تموز العام ٢٠٠٦ بقيت الاشكالات من الأمور العادية وكانت معالجتها على الفور عبر تدخل الجيش اللبناني والتنسيق مع اليونيفيل لإعادة الأوضاع الى نصابها .
لم يات القرار 1701 منفرداً بل هو بأساسه معطوفاً على القرار ١٥٥٩ والذي بدوره معطوفاً على مندرجات اتفاق الطائف والذي دعا الى حل كل الميليشيات وتجريدها من سلاحها، وبالتالي المطلوب وبشكل جدي وجلي بأن تعمل الحكومة اللبنانية وبمساعدة مجلس الامن والقوات الاممية على تنفيذ القرارات الدولية بكامل مندرجاتها وصولاً الى استكمال بسط سيطرة الدولة اللبنانية وبقواتها المسلحة وبمساعدة من القوات الدولية على كامل الاراضي اللبنانية وخصوصاً في مناطق الجنوب، كما انه اصبح من الضروري توسيع نطاق عمل القوات الدولية لتشمل الحدود اللبنانية الشرقية لإقفال كافة المعابر غير الشرعية ووقف كل اعمال التهريب للمواد والبضائع كما تهريب البشر والمخدرات على أنواعها والذي يقوم بها مجموعات معروفة الهوية والانتماء كما هو معروف من يُسيطر على تلك المعابر ومن يُديرها ومن يستفيد منها، وهو بالطبع “حزب الله ، لقد أصبح هذا الامر اكثر من مُلح وضروري لكي تتمكن لدولة اللبنانية من مراقبة حدودها البرية والبحرية تلافياً لاعمال التخريب والتهريب المُنظم، وقد اصاب هذا الامر الادارة اللبنانية والشعب اللبناني في الصميم نتيجة اعمال التهريب والتي اضرت ولا زالت بالاقتصاد اللبناني وعلى مختلف المستويات.