الفيلسوف الياباني كوهيي سايتو: ماركس هو المنقذ من الرأسمالية المتوحشة

الفيلسوف الياباني كوهيي سايتو: ماركس هو المنقذ من الرأسمالية المتوحشة

كاركاسون- المعطي قبال

       عام 1901، أشار الفيلسوف الياباني ناكاي شومين بأن «الفلسفة اليابانية منذ العصور القديمة إلى اليوم لم لم يكن لها وجود يذكر». يجب انتظار القرن التاسع عشر لمعاينة انبثاق فلسفة يابانية تنهل من العقلانية الغربية وتفتح حوارا فكريا مع التيارات الفكرية الرئيسية. لم يتم هذا التحول على حساب التيارات الفكرية التقليدية، بل حافظت الفلسفة على التلاحم بين التيارين. من بين الفلاسفة الذين عمقوا النظر في التاريخ الحديث للفلسفة، أسسه، توجهاته نذكر كلا من نيكاي شومين، نيشيتا كيتارو، ساكابي ميغومي، كورودا اكينوبو وغيرهم.

ومن بين المؤلفات التي قدمت تحاليل وخلاصات في تاريخ الفلسفة اليابانية وجب ذكر الكتاب الجماعي تحت إشراف ياسنت ترومبلاي عن منشورات جامعة مونتريال وبمساهمة مجموعة من الفلاسفة اليابانيين أو المتخصصين في الفلسفة اليابانية. ويكشف هذا الكتاب في عنوان «فلاسفة يابانيون محدثون» عن أهمية الفلسفة اليابانية في القرن العشرين مع محاولة الإمساك برهانات المشهد المعاصر. تتمحور المداخلات من حول 5 تيمات رئيسية هي الجسد، التغاير، المجتمع وفكرة الوسط. تتصادى مقارباتهم مع مقاربة فلاسفة القرن التاسع عشر.

اليوم تعتبر الماركسية أحد مشاغل الفلسفة اليابانية الحديثة. يبقى ماركس على أي من بين الوجوه الفكرية، الاقتصادية، الاجتماعية التي يقبل الجامعيون  على دراستها

لم تعرف الفلسفة اليابانية المضايقات المكارتية التي عاشتها في الولايات ولا الرقابة التي مورست على بعض أعلامها في الاتحاد السوفياتي سابقا وفي روسيا اليوم، بل ثمة تعامل لين ومن دون صدام في الجامعات والمؤسسات التعليمية مع ماركس وأفكاره. في هذا الصدد، خلق الحدث الفيلسوف الشاب كوهيي سايتو، البالغ من العمر 37 عاما. يشتغل أستاذا مساعدا بجامعة طوكيو. ينصب اهتماماته على فلسفة البيئة والاقتصاد السياسي. بدأ مشواره النضالي السياسي بعد الأزمة الاقتصادية لسنة 2008، التي تسببت في الطفرة الفجائية للبطالة وأثرت بوجه خاص على العمال ذوي الوضع الهش. قادته بعد ذلك الحادثة النووية لفوكوشيما إلى الاهتمام بقضايا البيئة.

ترجم هذا الاهتمام في عدة مؤلفات وأبحاث من بينها «الطبيعة في مناهضة الرأسمال. إيكولوجية ماركس في نقده غير المكتمل للرأسمال». لكن مؤلفه «أقل! نقص التنمية هو فلسفة » الصادر في ترجمة فرنسية مؤخرا عن منشورات السوي، يبقى بامتياز مؤلفه الشهير، الصادر باليابان عام 2020،  الأكثر شعبية ومبيعا في المكتبات باليابان حيث بلغت المبيعات إلى الآن 500 ألف نسخة. وترجم في 12 بلدا.   

تستند أطروحة  سايتو على فكرة أن ماركس خلص إلى فكرة أن المنفذ الوحيد للخروج من الرأسمالية هو نقص التنمية.  

لا يجد القاريء أدنى صعوبة في متابعة التحليل الذي يعرضه سايتو بحيث يفسر المفاهيم المعقدة، الأحداث التاريخية أو المنسية أو المساهمين غير المعروفين. كما ينهل الأمثلة من المعاش اليومي. بدأ اهتمام سايتو بموضوع الطبيعة والبيئة لدى مساهمته كذلك في أشغال إعداد الأعمال الكاملة لكل من ماركس وإنجلز . وقد اكتشف ماركس بصفته مفكرا منشغلا خلال عقد 1860-1870 بالاستغلال المفرط لموارد الكرة الأرضية.  

مؤلف «أقل» يدافع إذا عن شيوعية ناقصة التنمية. يوفر هذا النظام للمجموعة البشرية ملكية الخيرات المشتركة. مثل الماء، الكهرباء، النقل الخ. ويلغي بالتالي أنشطة اقتصادية لا فائدة منها مثل الماركيتينغ وتبادل المنتوجات المالية وذلك للحد من الكوارث  الطبيعية والبيئية. يذكرنا هذا المشروع بما سبق أن اقترحته اليابانية ماري كوندو التي كسبت شهرة عالمية بفضل «فلسفة الترتيب»  القاضية بالاحتفاظ فقط بما «يجلب السعادة» والاستغناء عن كل ما فائدة منه. 

أما فلسفة سايتو فتقترح علينا أن نعمل أقل ونكف عن النظر إلى قيمة الأشياء وذلك لأجل قيمتها الفعلية، «قيمة الاستعمال». وفي هذا الصدد أشار:  «أعيد النظر في نظام الانتاج». وأضاف «ستعرف الرأسمالية لحظة انحصار». وتجنب سايتو استعمال كلمة ثورة. ذلك أنه في اليابان يقول سايتو «لا نرمي الشرطة بالحجارة ولا نحرق السيارات».

المشروع الذي يتفاءل سايتو بتحقيقه هو إنجاز نموذج مجتمعي لم يتسنى لكارل ماركس ترسيمه. هذا المشروع اليوتوبي قد يواجهه خلال العشرين سنة القادمة تدهور للأوضاع. مع انحصار للرأسمالية ستتفاقم اللامساواة. نحن عند لحظة انعراج يقول سايتو. فإما سنسير في اتجاه الفاشية وإما في اتجاه الشيوعية ناقصة التنمية. يبقى أن ماركس في نظر سايتو هو المنقذ من الرأسمالية المتوحشة.

Visited 130 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".