الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.. تعذيب مروع ومعاملة مهينة
الدكتور حسن العاصي
نشرت منظمة العفو الدولية، ومنظمات حقوقية دولية ومحلية عدة تقارير خلال الأشهر القليلة الماضية، أكدت فيها زيادة أعداد المعتقلين الإداريين الفلسطينيين من قبل السلطات الإسرائيلية، وهو شكل من أشكال الاعتقال التعسفي، للفلسطينيين في غزة وجميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة؛ ووسعت نطاق التدابير الطارئة التي تسهل المعاملة اللاإنسانية والمهينة للسجناء؛ وفشلت في التحقيق في حوادث التعذيب والوفاة أثناء الاحتجاز على مدى الأشهر الماضية.
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 اعتقلت القوات الإسرائيلية أكثر من 4200 رجل وامرأة فلسطينيين اعتقالاً إدارياً خلال شهر واحد فقط. ووفقاً لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية هموكيد. بلغ العدد الإجمالي للفلسطينيين المحتجزين إدارياً دون تهمة أو محاكمة، بين 1 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 و1 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2024 عشرة آلاف معتقل إداري في الضفة الغربية فقط. والأرقام لا تتضمن آلاف المعتقلين من أبناء قطاع غزة المحتجزين في المعسكرات في ظل استمرار اختفائهم قسرياً.
وكانت مصلحة السجون الإسرائيلية، ووزارة الأمن القومي قد أغلنتا قبل أسابيع أن عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية قد بلغ 14500 معتقلاً، في حين أن العدد الفعلي للمعتقلين تجاوز 21000 ألف معتقل.
توضح شهادات المعتقلين المفرج عنهم ومحاميي حقوق الإنسان، بالإضافة إلى لقطات الفيديو والصور، بعض أشكال التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة التي تعرض لها السجناء على يد القوات الإسرائيلية على مدى السنين الماضية. وتشمل هذه الانتهاكات الضرب المبرح وإذلال المعتقلين، بما في ذلك إجبارهم على إبقاء رؤوسهم منخفضة، والركوع على الأرض أثناء إحصاء السجناء، وغناء الأغاني الإسرائيلية.
وقالت هبة مورايف، المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “لقد شهدنا خلال الشهر الماضي ارتفاعاً كبيراً في استخدام إسرائيل للاعتقال الإداري – الاحتجاز دون تهمة أو محاكمة يمكن تجديده إلى أجل غير مسمى – والذي كان بالفعل عند أعلى مستوى له منذ عشرين عاماً قبل التصعيد الأخير في السابع من أكتوبر.
يعد الاعتقال الإداري أحد الأدوات الرئيسية التي فرضت من خلالها إسرائيل نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين. تشير الشهادات والأدلة المصورة أيضاً إلى العديد من حوادث التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة من قبل القوات الإسرائيلية بما في ذلك الضرب المبرح والإذلال المتعمد للفلسطينيين المحتجزين في ظروف مزرية“.
وأجرى باحثو منظمة العفو الدولية مقابلات مع ستة معتقلين تم الإفراج عنهم، وثلاثة أقارب للمعتقلين، وثلاثة محامين يعملون على الاعتقالات الأخيرة. كما راجع الباحثون الشهادات التي شاركها معتقلون آخرون تم الإفراج عنهم وقاموا بتحليل لقطات فيديو وصور.
التعذيب والإذلال
لقد وثقت منظمة العفو الدولية على مدى عقود من الزمان التعذيب الواسع النطاق الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية في أماكن الاحتجاز في مختلف أنحاء غزة والضفة الغربية. ومع ذلك، على مدى الأشهر الماضية، تم تداول مقاطع فيديو وصور على نطاق واسع عبر الإنترنت تُظهر مشاهد مروعة لجنود إسرائيليين يضربون ويذلون الفلسطينيين أثناء احتجازهم معصوبي الأعين وعراة وأيديهم مقيدة، في عرض علني مرعب بشكل خاص للتعذيب والإذلال الذي يتعرض له المعتقلون الفلسطينيون.
في إحدى الصور التي حللها مختبر الأدلة في الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية، يمكن رؤية ثلاثة رجال فلسطينيين معصوبي الأعين وعراة من ملابسهم بجانب جندي يرتدي زياً أخضر زيتونياً مثل تلك التي ترتديها القوات البرية الإسرائيلية. ووجد تحقيق نشرته صحيفة هآرتس في 19 أكتوبر أن الصورة التقطت في وادي السيق، وهي قرية تقع شرق رام الله، في 12 أكتوبر. وقال أحد الضحايا الثلاثة الذين ظهروا في الصورة لمنظمة العفو الدولية إنه تعرض في البداية للاحتجاز والضرب من قبل المستوطنين، ولكن بعد ساعتين وصلت سيارة جيب عسكرية إسرائيلية:
“اقترب مني أحد الضباط الإسرائيليين وركلني على جانبي الأيسر، ثم قفز على رأسي بساقيه ودفع وجهي أكثر في التراب، ثم واصل ركلي بينما كان رأسي لأسفل، في التراب، ويدي مقيدة خلف ظهري. ثم أحضر سكيناً ومزق كل ملابسي باستثناء ملابسي الداخلية واستخدم جزءًا من ملابسي الممزقة لتعصيب عيني. لم يتوقف الضرب على بقية جسدي، وفي مرحلة ما بدأ يقفز على ظهري – ثلاث أو أربع مرات – وهو يصرخ “موت، موت يا قمامة” … في النهاية قبل أن يتوقف هذا أخيراً، تبول ضابط آخر على وجهي وجسدي بينما كان يصرخ علينا أيضاً “موتوا“.
تحدثت منظمة العفو الدولية أيضاً إلى امرأتين تم احتجازهما تعسفياً لمدة 14 ساعة في مركز للشرطة في القدس الشرقية المحتلة حيث تعرضتا للإذلال والتفتيش العاري والسخرية وطلب منهما لعن حماس. تم إطلاق سراحهما لاحقاً دون توجيه اتهامات إليهما.
في مقطع فيديو نُشر لأول مرة على وسائل التواصل الاجتماعي في 31 أكتوبر وتم تحليله بواسطة مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية، يمكن رؤية تسعة رجال محتجزين، استناداً إلى لهجات يمكن التعرف عليها على أنهم فلسطينيون، بعضهم عراة والبعض الآخر نصف عراة ومعصوبي الأعين ومقيدين بالأصفاد، محاطين بما لا يقل عن 12 جندياً يرتدون زياً أخضر زيتونياً ومجهزين إما ببنادق هجومية من طراز M4A1 أو Tavor X95. كل من الزي الرسمي والأسلحة هي معدات قياسية للقوات البرية الإسرائيلية. شوهد أحد الجنود وهو يركل أحد المعتقلين في الرأس. وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول، حلل مختبر الأدلة الطارئة التابع لمنظمة العفو الدولية مقطع فيديو آخر، نُشر على منصة X (تويتر سابقاً)، يظهر شخص معصوب العينين، من المرجح أنه فلسطيني، برفقة رقيب في الجيش الإسرائيلي يسخر من السجين ويرقص حوله.
وقال أحد المعتقلين الفلسطينيين المفرج عنهم مؤخراً من القدس الشرقية المحتلة، والذي تحدث إلى منظمة العفو الدولية بشرط عدم الكشف عن هويته، كيف أخضعه المحققون الإسرائيليون ومعتقلين آخرين في المجمع الروسي (المسكوبية)، وهو مركز احتجاز في القدس، للضرب المبرح الذي تركه مصابًا بكدمات وثلاثة أضلاع مكسورة. كما سلط الضوء على كيف ضربهم محققو الشرطة الإسرائيلية باستمرار على رؤوسهم وهم يصرخون عليهم بأن يبقوا رؤوسهم منخفضة دائماً، بينما أمروهم “بمدح إسرائيل ولعن حماس”. وأضاف: “حتى عندما فعل أحد المعتقلين الاثني عشر معنا في الزنزانة ذلك، لم يتوقف الضرب والإذلال“.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، توفي أربعون فلسطينياً معتقلين في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية في ظروف لم يتم التحقيق فيها بشكل محايد حتى الآن، وفقاً للسلطات الإسرائيلية. عشرين منهم كانوا عمالاً من قطاع غزة المحتل، محتجزون بمعزل عن العالم الخارجي من قبل الجيش الإسرائيلي في مراكز الاحتجاز العسكرية، ولم يعلن الجيش عن وفاتهم إلا بعد تحقيق أجرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
وبموجب القانون الدولي، فإن التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة المرتكبة ضد الأشخاص المحميين في الأراضي المحتلة هي جريمة حرب. كما أن احتجاز الأشخاص المحميين خارج الأراضي المحتلة، كما هو الحال مع السجناء الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة المحتجزين في إسرائيل، يشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي لأنه يرقى إلى مستوى النقل القسري.
المعاملة اللاإنسانية والمهينة في السجون
كشف مركز الدفاع عن الفرد “هموكيد” الحقوقي الإسرائيلي، استنادا لمعطيات حصل عليها من سلطة سجون الاحتلال الإسرائيلي، عن وجود 10 آلاف و154 أسيرا في سجون الاحتلال.
وذكر المركز أنه اعتبارا من ديسمبر/ كانون الأول 2024، تحتجز سلطات الاحتلال 2003 سجناء محكومين، و2951 معتقلاً بانتظار المحاكمة، و3428 معتقلًا إداريا محتجزين دون محاكمة. كما تحتجز سلطات الاحتلال 1772 شخصا (فلسطينياً) باعتبارهم مقاتلين غير شرعيين.
وفي الحادي والثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول، مددت السلطات الإسرائيلية لمدة شهر “حالة الطوارئ في السجون” التي تمنح وزير الأمن القومي الإسرائيلي سلطات غير مقيدة تقريباً لحرمان السجناء المحكوم عليهم من الوصول إلى زيارات المحامين وأفراد الأسرة؛ وقد أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن السجناء الفلسطينيين محرومون من الاتصال بأسرهم ومحامييهم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وقالت سناء سلامة، زوجة السجين الفلسطيني وليد دقة الذي يعاني من مرض عضال، لمنظمة العفو الدولية إنه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول لم يُسمح لها ولا لمحامي دقة برؤيته أو تلقي معلومات عن حالته الصحية. وقالت لمنظمة العفو الدولية: “لا أعرف ما إذا كان يتلقى الرعاية الطبية التي يحتاج إليها؛ ليس لدي أي اتصال به على الإطلاق، وليس لدي حتى ذرة من المعلومات لتعزيتي“.
وحرم المعتقلين الفلسطينيين من حقهم في ممارسة الرياضة في الهواء الطلق، وأن أحد أشكال الإذلال التي يتعرضون لها أثناء إحصاء السجناء هو إجبارهم على الركوع على الأرض. كما تمت مصادرة جميع الممتلكات الشخصية للفلسطينيين المحتجزين وأُحرقت في بعض الأحيان، بما في ذلك الكتب والمذكرات والرسائل والملابس والطعام وغيرها من الأشياء. كما صادرت سلطات السجن الفوط الصحية للسجينات الفلسطينيات في سجن الدامون، وتم تهديد بعضهن بالاغتصاب.
ارتفاع حاد في الاعتقال التعسفي
ارتفعت أعداد الاعتقال الإداري للفلسطينيين طوال عام 2023 و2024، حيث وصل عددهم وفقًا لمنظمة هموكيد إلى أكثر من عشرة آلاف معتقل إداري. وكثيراً ما يُحتجز الفلسطينيون الذين تصنفهم إسرائيل على أنهم “سجناء أمنيون” دون تهمة أو محاكمة، ومعظمهم بموجب أوامر اعتقال إداري يمكن تجديدها إلى أجل غير مسمى كل ستة أشهر.
الاعتقال الإداري هو شكل من أشكال الاحتجاز حيث تحتجز السلطات الحكومية الأفراد على أساس أسباب أمنية سرية لا يستطيع المتهم ومحاميه مراجعتها، وهو ما يتحايل فعلياً على الإجراءات القانونية الواجبة المكفولة لجميع الأشخاص المحرومين من حريتهم بموجب القانون الدولي. وقد وجدت منظمة العفو الدولية أن إسرائيل استخدمت الاعتقال الإداري بشكل منهجي كأداة لاضطهاد الفلسطينيين، وليس كتدبير وقائي استثنائي يستخدم بشكل انتقائي.
كما اختارت السلطات الإسرائيلية تنفيذ قانون “المقاتلين غير الشرعيين”، وهي الفئة التي لا يعترف بها القانون الدولي، لاحتجاز ما لا يقل عن 1500 فلسطينيي من قطاع غزة المحتل دون تهمة أو محاكمة إلى أجل غير مسمى، والذين دخلوا إسرائيل خلال الهجوم الذي قادته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول. ولا يزال من غير الواضح عدد هؤلاء المحتجزين فيما يتصل بالهجمات.
يجب على السلطات القضائية الإسرائيلية التحقيق بشكل محايد ومستقل في شكاوى التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة وملاحقة المسؤولين عن الأمر بالتعذيب وتنفيذه في محاكمات عادلة. كما أخضعت السلطات الإسرائيلية آلاف الفلسطينيين من غزة الذين يحملون تصاريح لدخول إسرائيل، ومعظمهم من العمال، لشكل ثالث من أشكال الاعتقال التعسفي حيث تم احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي لمدة ثلاثة أسابيع على الأقل في قاعدتين عسكريتين للاحتجاز في إسرائيل والضفة الغربية. وقد تم إطلاق سراح البعض منهم، ومع ذلك، لا توجد شفافية من جانب السلطات الإسرائيلية حول عدد المعتقلين الذين ما زالوا محتجزين.
يتعين على السلطات الإسرائيلية أن تتراجع فوراً عن التدابير الطارئة اللاإنسانية المفروضة على السجناء الفلسطينيين وتمنحهم حق الوصول الفوري إلى محاميهم وعائلاتهم. ويجب إطلاق سراح جميع الفلسطينيين المعتقلين تعسفياً. والسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بإجراء زيارات عاجلة إلى السجون ومرافق الاحتجاز ومراقبة ظروف المعتقلين الفلسطينيين. ويجب على السلطات القضائية الإسرائيلية أيضاً أن تجري تحقيقات محايدة ومستقلة في شكاوى التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وأن تحاكم في محاكمات عادلة المسؤولين عن الأمر بالتعذيب وتنفيذه.
انتهاكات المتفاقمة في السجون الإسرائيلية
اعترف المسؤولون الإسرائيليون بأنهم جعلوا الظروف أكثر قسوة بالنسبة للفلسطينيين في السجون، حيث تباهى وزير الأمن القومي المتشدد إيتمار بن جفير بأن السجون لن تكون “معسكرات صيفية” تحت إشرافه. وقال أربعة فلسطينيين تم الإفراج عنهم لوكالة أسوشيتد برس إن المعاملة ساءت بشكل كبير في السجون التي تديرها الوزارة منذ هجمات السابع من أكتوبر التي أشعلت فتيل العدوان الإسرائيلي على غزة. وخرج بعضهم من أشهر من الأسر نحيلين ومصابين بندوب عاطفية.
وكان الأسير معز عبيات، ضعيفاً للغاية لدرجة أنه لم يتمكن من تفصيل تجربته بعد فترة وجيزة من إطلاق سراحه في يوليو بعد ستة أشهر في سجن النقب بجنوب إسرائيل. كان ضعيف المظهر وغير قادر على التركيز، ولم يستطع سوى حشد القوة للتحدث لعدة دقائق، قائلاً إنه تعرض للضرب بانتظام. والآن في منزله خارج بيت لحم، بالكاد يستطيع الرجل البالغ من العمر 37 عامًا مغادرة كرسيه.
قالت ابنة عمه، آية عبيات، “في الليل، يهلوس ويقف في منتصف المنزل، في حالة صدمة أو يتذكر العذاب والألم الذي مر به”. ومثل العديد من المعتقلين، تم وضعه تحت الاعتقال الإداري، وهو إجراء يسمح لإسرائيل باحتجاز الأشخاص إلى أجل غير مسمى دون تهمة.
لقد ركزت المخاوف بين جماعات حقوق الإنسان بشأن إساءة معاملة السجناء الفلسطينيين بشكل رئيسي على المرافق العسكرية، وخاصة سدي تيمان، وهي قاعدة صحراوية اعتقلت فيها الشرطة العسكرية الإسرائيلية 10 جنود للاشتباه في ممارسة اللواط مع معتقل فلسطيني. وقد احتجز مرفق الاحتجاز في القاعدة معظم الفلسطينيين الذين تم القبض عليهم في غارات في قطاع غزة منذ بدء الحرب.
وينفي الجنود، الذين تم إطلاق سراح خمسة منهم منذ ذلك الحين، ادعاء اللواط. وقال محاميهم إنهم استخدموا القوة للدفاع عن أنفسهم ضد معتقل هاجمهم أثناء عملية تفتيش، لكنه لم يعتد عليه جنسياً. ويقول الجيش الإسرائيلي إن 36 سجيناً فلسطينياً لقوا حتفهم في مراكز الاحتجاز التي يديرها الجيش منذ أكتوبر/تشرين الأول. وقالت إن بعضهم “عانوا من أمراض أو إصابات سابقة نتيجة للأعمال العدائية المستمرة”، دون الخوض في تفاصيل أخرى.
ووفقاً لتقارير التشريح لخمسة من المعتقلين، فإن اثنين منهم كانا يحملان علامات صدمة جسدية مثل كسور في الأضلاع، في حين كان من الممكن تجنب وفاة ثالث “إذا كان هناك رعاية أكبر لاحتياجاته الطبية”. وقد قدمت التقارير إلى وكالة أسوشيتد برس من قبل منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان-إسرائيل، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية راقب أطباؤها عمليات التشريح.
وفي مواجهة الدعوات لإغلاق منشأة سدي تيمان، نقل الجيش مئات الفلسطينيين من القاعدة إلى السجون التي تديرها وزارة بن جفير. ولكن وفقاً لأبيات والآخرين الذين تحدثوا إلى وكالة أسوشيتد برس، فإن الظروف في تلك المرافق صادمة أيضاً.
وقال منذر عميرة، وهو ناشط سياسي في الضفة الغربية كان محتجزاً في سجن عوفر، إن الحراس يضربون المعتقلين بانتظام كعقاب أو في كثير من الأحيان دون أي سبب على الإطلاق.
وقال إنه و12 آخرين كانوا يتقاسمون زنزانة بها ستة أسرة فقط وبضعة بطانيات رقيقة، وكان الجو باردًا خلال أشهر الشتاء. وقال إنه عندما كان السجناء يضطرون للذهاب إلى الحمام، كانوا يُكبلون بالأصفاد وينحنون، وكان يُسمح لهم بالخروج لمدة 15 دقيقة فقط مرتين في الأسبوع. واحتُجز أميراً في الاعتقال الإداري، بسبب منشوراته على فيسبوك التي تنتقد إسرائيل. وفقد عميرة 33 كيلوغراماً (72 رطلاً) خلال الأشهر الثلاثة التي قضاها في الاحتجاز بسبب الحد الأدنى من الطعام.
وقد دفع العلاج البعض إلى الحافة: روى أحد الأسرى عندما شاهد هو وزملاؤه في الزنزانة من خلال نافذة زنزانتهم سجيناً آخر يحاول الانتحار بالقفز من سياج مرتفع. وقال إنهم طرقوا بابهم للحصول على المساعدة. وقال إنه بدلاً من ذلك، دخل جنود مع كلبين كبيرين زنزانتهم، وقيدوا أيديهم، واصطفوهم في الممر وضربوهم، بما في ذلك على أعضائهم التناسلية.
وقال إنه عندما ألقي القبض عليه لأول مرة في ديسمبر، أمره الحراس أن يخلع ملابسه ويباعد بين ساقيه، ضربه الحارس حتى أذعن عندما رفض. وخلال الفحص الذي أعقب ذلك، قام أحد الحراس بتحسس أعضائه التناسلية بجهاز كشف المعادن، كما قال.
وقالت وزارة الأمن الإسرائيلية في بيان لوكالة أسوشيتد برس إنها ليست على علم بمزاعم إساءة المعاملة من الرجال الخمسة المفرج عنهم. وأضافت أنها تتبع “كل الحقوق الأساسية المطلوبة” للسجناء، وأن المعتقلين يمكنهم تقديم شكاوى سيتم “فحصها بالكامل“.
لكنها قالت إنها عمدت إلى “تقليص الظروف” للمعتقلين الفلسطينيين “إلى الحد الأدنى المطلوب بموجب القانون” منذ 7 أكتوبر. وقالت إن الغرض هو “ردع … الأنشطة الإرهابية“.
مع ازدياد أعداد المعتقلين الفلسطينيين الإداريين إلى أكثر من عشرة آلاف، تدعي سلطات الاحتلال أنه من بين المعتقلين مسلحون مزعومون تم القبض عليهم في مداهمات في الضفة الغربية وفلسطينيون مشتبه بهم في هجمات على جنود أو مستوطنين. ولكن يبدو أن آخرين اعتقلوا أيضاً بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد إسرائيل أو نشاطهم السابق، وفقًا لتقرير صادر عن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وقال كثير من المعتقلين الإداريين الذين تحدثوا مطولاً إن الجوع ربما كان أعظم تحدٍ لهم. قال عمر عساف، أستاذ اللغة العربية المتقاعد المقيم في رام الله، والذي احتجز أيضاً في عوفر، إن وجبة الإفطار كانت 250 جراماً (9 أونصات) من الزبادي وطماطم أو فلفل واحد يتقاسمه خمسة أشخاص. وقال أيضاً إنه تم استجوابه بشأن منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال إنه في الغداء والعشاء، تلقى كل شخص ثلثي كوب من الأرز ووعاء من الحساء يتقاسمه مع الآخرين.
وقد تم فرض شروط أكثر صرامة فوراً بعد 7 أكتوبر، وفقاً لمحمد الصالحي، الذي كان يقضي في ذلك الوقت عقوبة بالسجن لمدة 23 عاماً في سجن القدس لتشكيل جماعة مسلحة.
قال إنه بعد أيام من الهجوم، جرّد الحراس زنزانته من كل شيء، بما في ذلك أجهزة الراديو والتلفزيون والملابس. وفي نهاية المطاف، ارتفع عدد السجناء في الزنزانة من ستة إلى أربعة عشر، وتمت إزالة الستائر في الحمامات المشتركة، مما تركهم يغتسلون مكشوفين، كما قال. وأُطلق سراح الصالحي في يونيو/حزيران بعد أن أنهى عقوبته.
حان الوقت لإطلاق سراحهم
الاحتلال الإسرائيلي الذي اعتقل الأطفال، وكبار السن، والنساء الفلسطينيات، ويواصل استهداف وملاحقة هذه الفئات واعتقالها خلال اقتحام البيوت ليلاً، ووضعهم في زنازين دون مراعاة احتياجات هذه الفئات حيث تفتقر لأدني متطلبات الحياة الأساسية، وتدني مستوى الرعاية الصحية. يعاني الأسرى الأطفال والنساء والكبار في السن من مختلف السياسات المجحفة داخل السجون من أحكام عالية وعزل وعقوبات الحرمان من التحدث إلى المحامين أو زيارات الأهل.
لقد حان الوقت كي يستعيد هؤلاء الأسرى حريتهم، وأن يعانقوا الأهل والأحباء. يجب أن يمارس المجتمع الدولي المزيد من الضغوط على إسرائيل لإطلاق سراح الأسرة الفلسطينيين من المعتقلات والزنازين. والبدء بالسماح الفوري وغير المقيد للمراقبين الدوليين، بما في ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بزيارة جميع مراكز الاحتجاز التي تحتجز المعتقلين الفلسطينيين. وإجراء تحقيقات مستقلة في جميع مزاعم التعذيب وسوء المعاملة والوفيات أثناء الاحتجاز، مع اتخاذ تدابير لمحاسبة المسؤولين. ومراجعة عاجلة لممارسات الاحتجاز الإسرائيلية بما يتماشى مع القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حظر التعذيب وحماية حقوق المعتقلين. والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين المحتجزين دون تهمة أو محاكمة، وخاصة أولئك المحتجزين بمعزل عن العالم الخارجي أو في ظروف ترقى إلى التعذيب.